سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ريك نوك، وجيمس ماكولي
شهدت أوروبا، أخيرًا، أسبوعًا عصيبًا على المستوى الرسمي، إذ تضمن هذا الأسبوع احتفالات الأوروبيين بنهاية الحرب العالمية، وبعدها بيومين احتفل الألمان بالذكرى السنوية للمذبحة النازية ضد اليهود. ومع تزايد دعاوى معاداة السامية، فإن الرسالة التي أراد الأوروبيون توجيهها بنهاية الأسبوع كان مفادها أن فظائع الحربين العالميتين لا يمكن أن تتكرر أبدًا، وهو ما يرجع إلى حد ما إلى تحالف القوى عبر الأطلسي الذي ساعد على تجنب الصراعات العسكرية في الغرب لأكثر من نصف قرن.
وبينما كان ترمب في طريقه إلى باريس للمشاركة في تلك الاحتفالات، أضاف حلقة جديدة في سلسلة تعليقاته على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون؛ حيث قال في تغريدة أخيرة له على تويتر:”اقترح الرئيس الفرنسي ماكرون للتو أن تقوم أوروبا ببناء جيشها الخاص من أجل حماية نفسها من الولايات المتحدة والصين وروسيا. إنها إهانة كبيرة، لكن ربَّما يتعين على أوروبا أولاً أن تدفع نصيبها العادل في حلف شمال الأطلسي، الذي تدعمه الولايات المتحدة بشكل كبير”.
وقد فتح هذا الأمر مجالاً واسعًا للنقاش حول ما إذا كانت لحظات إحياء ذكرى الحرب العالمية الأولى، هي اللحظة المناسبة لبدء النقاش حول الأمور المالية. لكن بصرف النظر عن ذلك، فإن تفسير ترمب لملاحظات ماكرون يُعدُّ أمرًا مضللاً أيضًا. فما قاله “ماكرون” يردده قادة الاتحاد الأوروبي منذ شهور. وفي الحقيقة، فإن “ماكرون” يردد نفس ما يقوله الرئيس الأميركي منذ فترة طويلة، حينما قال: “على أوروبا أن تتوقف عن الاعتماد على الولايات المتحدة للدفاع عن نفسها”.
وفي حديث له على الإذاعة الفرنسية الأولى قال ماكرون “أنا أُومن بمشروع “أوروبا ذات سيادة”، فلن نتمكن من حماية أوروبا إذا لم نقرر وجود جيش أوروبي حقيقي؛ لمواجهة روسيا التي توجد على حدودنا والتي يمكن أن تكون مهددة، أو أن أبدأ حوارًا أمنيًا مع روسيا، وهي بلد أحترمه، وبالتالي يجب أن تكون لدى أوروبا القدرة على الدفاع عن نفسها بمفردها، وبدون الاعتماد على الولايات المتحدة بطريقة ذات سيادة أكثر مما هي عليه الآن”.
لقد قوبلت مطالب “ماكرون” بإقامة جيش أوروبي بالشكوك في أنحاء القارة الأوروبية خلال الفترة الأخيرة، لكن ليس نتيجة للأسباب نفسها التي اعترض عليها ترمب. فرغم أن بعض أعضاء الاتحاد الأوروبي لديهم ألوية متعددة الجنسية أو نسب متفاوتة في الجوانب المالية، فالدساتير الأوروبية تختلف اختلافًا جذريًا فيما يخص العمليات العسكرية. فدستور ألمانيا منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، على سبيل المثال، قيَّد العمليات العسكرية بشدة، وهو الحال نفسه بالنسبة لبريطانيا وفرنسا، وهي الدول التي شاركت في الضربات الأميركية ضد نظام بشار الأسد في سوريا بعد الهجوم بالأسلحة الكيماوية هذا العام. ومع ذلك لم تكن القوات الألمانية قادرة على التدخل لأسباب دستورية.
وفي حين أنه من غير المحتمل أن تتحرك المطالب بجيش أوروبي في مواجهة التحديات الراهنة، فإن رؤية “ماكرون” بأن تنتقل أوروبا إلى مرحلة تكون فيها أقل اعتمادًا على الولايات المتحدة، إنما هي دعوة ليست بالجديدة؛ ففي الصيف الماضي قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل “يجب حقًا أن نتولى مصيرنا بأيدينا”، رغم أنها لم تكن تناقش القضايا العسكرية صراحة.
كذلك رددت “ميركل” بأن تحرك أوروبا نحو الاعتماد على الذات يجب أن يتم “بالطبع في إطار من الود والصداقة مع الولايات المتحدة، وكذلك بريطانيا العظمى، وجيرانها الجيدون أينما كان العمل على ذلك”. فألمانيا على سبيل المثال، تستضيف بعض الجنود الأميركيين العاملين في الخارج، وليست لديها النية على إجبارهم على الخروج في المدى المنظور. وعلى غرار “ميركل”، فقد شدد “ماكرون” مرارًا على استعداد أوروبا للتعاون مع الولايات المتحدة في ظل حكم ترمب، حتى مع تعرض هذه العلاقات لضغوط متصاعدة.
وبعد انطلاق ترمب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أشار البعض إلى عبارات “ماكرون” في المقابلة التي سبقت الإشارة إليها، حيث قال إنه على أوروبا أن تحمي نفسها، “فيما يتعلق بالصين وروسيا وحتى الولايات المتحدة”. لكن خلال هذه المقابلة الإذاعية كان “ماكرون” يشير في الواقع إلى مسائل الأمن عبر الفضاء الإلكتروني “السيبراني” وتضاؤل تعددية الأطراف.
وهو ما يتعلق ببعض التدقيقات الخاصة بعمليات الأمن السيبراني في الولايات المتحدة وأوروبا خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد أن تَمَّ الكشف عنها في 2014، إذ اعترضت “وكالة الأمن القومي” على مطالب “ميركل” وتمكنت من الوصول إلى اتصالات حساسة. ذلك أنه من خلال المنظور الأوروبي لا يبدو أن حماية أوروبا من عمليات التجسس التي تجري بالولايات المتحدة بالأمر اليسير.
وعلى أية حال، فقد مرَّ هذا الأسبوع بصعوبة على “ماكرون” بسبب التعليقات التي أدلى به للصحفيين والتي اتسمت بقدر من الغموض، وهو ما أظهرته العناوين الرئيسية للصحف في كل مكان.
فخلال حديثة للمراسلين بشأن إحياء ذكرى الحرب العالمية الأولى، أثار الرئيس الفرنسي جدلاً واسعًا حينما أعلن أن “فيليب بيتان”، زعيم حكومة “فيشي” سيئة السمعة خلال الحرب العالمية الثانية، كان “جنديا عظيمًا”. وقال إنه ينبغي تكريم العديد من أمثاله، وفي أعقاب غضب الجماعات اليهودية والمعلقين، أجبر قصر الإيليزية على الدفاع، بل إنه أصر على أن يكون هناك احتفال رسمي خاص بـ”بيتان”.
وفي إطار ملاحظاته على العلاقات الأميركية الأوروبية، كان “ماكرون” أبعد ما يكون عن أنه الزعيم الوحيد في أوروبا الذي ألقى باللوم على واشنطن بخصوص بعض التعددية المتلاشية خلال السنوات الأخيرة، فقد هدّد ترمب الاتحاد الأوروبي ببعض التعريفات الجمركية، وانسحب من الاتفاق النووي الإيراني، الذي تقول أوروبا أنها ستدعمه. كما أن الرئيس الأمريكي يثير في كثير من الأحيان مستقبل حلف شمال الأطلسي، فضلاً عن التعهدات التي أثار إعلانها غضب الكثير من العواصم الأوروبية.
أخيرًا، فقد أظهرت تعليقات “ماكرون” تلك الفجوة، لكن ليس هناك سبب يدعو الولايات المتحدة إلى القلق بشأن غزو أوروبي يلوح في الأفق.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: صحيفة واشنطن بوست
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر