لماذا يصمد “داعش” في جنوب شرق آسيا؟ | مركز سمت للدراسات

لماذا يصمد “داعش” في جنوب شرق آسيا؟

التاريخ والوقت : الخميس, 23 يناير 2020

ياسميندر سينغ

 

على الرغم من وفاة خليفة تنظيم “داعش” الإرهابي أبو بكر البغدادي في أكتوبر الماضي، فإن الأحداث التي شهدتها منطقة جنوب شرق آسيا منذ ذلك الحين أظهرت أن فروع “داعش”، مع ضعفها بفقدان القادة والمقاتلين الرئيسيين، أعادت تجميع صفوفها وواصلت محاولتها لشن هجمات متعددة.

ففي أعقاب حصار منطقة “مروي” الذي استمر خمسة أشهر في الفلبين منذ مايو 2017، والذي قتل فيه جهاديون بارزون من جنوب شرق آسيا، مثل: “إسنيلون هابيلون” و”عمر ماوت” من الفلبين، والدكتور محمود أحمد، وأمين باكو من ماليزيا، يعتقد الكثير من المحللين أن خطر الإرهاب يتنامى في تلك المنطقة إلى حدٍ بعيدٍ.

ومع ذلك، استمرت قوات الأمن في جنوب شرق آسيا خلال العامين الأخيرين في إحباط الكثير من الهجمات المحتملة واعتقال شبكات عديدة من العملاء الأساسيين المرتبطين بتنظيم “داعش” الإرهابي. وخلال هذه الفترة، اُعتقِل حوالي 500 شخص آخر في إندونيسيا، في حين قامت السلطات في سنغافورة وتايلاند والفلبين أيضًا بتفكيك الكثير من الشبكات الداعمة للمشتبه بهم ومؤيديهم.

قطع الرؤوس وتجديد القيادة

من الملاحظ أن التقارير الأخيرة عن مقتل متشددين ماليزيين (عقل زينل، ورافع الدين) في عمليات مكافحة الإرهاب في سوريا، تدل على أنه لا يوجد في الوقت الحالي مقاتلون معروفون ينتمون إلى جنوب شرق آسيا ويشغلون مناصب قيادية داخل تنظيم “داعش” في سوريا والعراق.

وهو ما يعدُّ أمرًا على قدر كبير من الأهمية؛ لأن مقاتلي جنوب شرق آسيا لديهم فرصة أكبر للعمل كزعماء للشبكات التابعة لتنظيم “داعش” في المنطقة، وذلك بعد أن أفلت من الضغط الذي تعرض له في الشرق الأوسط.

وعلى ذلك، هناك اهتمام بمن سيظهر لقيادة شبكات تنظيم “داعش”المختلفة التي تتأثر – بلا شك – بخسارة القيادة في جنوب شرق آسيا. ففي إندونيسيا، لا يزال الأيديولوجيون المخضرمون، مثل: “أمان عبدالرحمن” و”أبو بكر باعشير” على قيد الحياة، وإن كانوا قيد الاعتقال، إلا أنهم يزالون يتمتعون ببعض التأثير على التنظيمات الراديكالية المنتشرة في إندونيسيا على وجه التحديد.

ومع ذلك، تعمل جماعة “أنشاروت دولاه”(JAD) ، وهي أكبر جماعة إرهابية في البلاد، وتبدو حاليًا كشبكة واسعة من الخلايا المستقلة المؤيدة لتنظيم “داعش”، بعد الخسائر الكبيرة التي تلقتها قيادته المركزية والمحلية في السنوات الأخيرة.

وفي الفلبين، هناك أشخاص معروفون، مثل: (حاتم سوادجان، وفوروجي إنداما، يتولون قيادة فروع “داعش” في مقاطعتي سولو وباسيلان)، ظهروا في مواقع قيادة المجموعات المرتبطة بـ”داعش” هناك. وفي المقابل، تعطلت شبكات تنظيم “داعش” في ماليزيا بسبب فقدان الشخصيات الرئيسية أخيرًا مثل “عقل ورافي”.

ومواصلة لذلك، نلاحظ استمرار الشبكات التابعة لـ”داعش” في جميع أنحاء العالم باستعادة تعهداتها بالولاء لزعيم تنظيم “داعش” الذي تولى قيادته أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، بما في ذلك الشبكات المنتشرة في جنوب شرق آسيا، إذ يحتمل أن يظهر أفراد جدد في أدوار قيادية، بل إنهم ربَّما ينتمون إلى مجموعة المقاتلين الإقليميين العائدين من الشرق الأوسط أو بين أقارب أفراد تنظيم “داعش” الإرهابي.

مشهد ما بعد الخلافة

وفقًا لبعض التقديرات، قام ما يقرب من ألف إندونيسي  وبعض الرعايا من الفلبين وسنغافورة بالسفر (الهجرة) إلى الأراضي الخاضعة لسيطرة تنظيم “داعش” في سوريا خلال ذروة حروب التنظيم بين عامي 2015 و2017. ومنذ ذلك الحين، تذكر التقديرات أن حوالي 85 إندونيسيًا لقوا حتفهم في المعركة، وقد كان كثير منهم ذكورًا.

ويمكن أن يسعى العديد من هؤلاء المقاتلين المتشددين والمجهزين للقتال للعودة إلى ديارهم، وذلك في أعقاب الخسائر التي تكبدها تنظيم “داعش” في سوريا؛ لأن كثيرين منهم إمَّا محتجزون في السجون ومعسكرات الاعتقال، أو ما زالوا يقاتلون من أجل شبكات “داعش” المتبقية هناك.

وبعد أن طوروا التقارب الإيديولوجي، وتبادل الخبرات في المعركة والروابط الشخصية الوثيقة مع المقاتلين من داخل وخارج جنوب شرق آسيا، يمكنهم حاليًا السعي لتشكيل تحالفات لتنسيق العمليات الإرهابية في جميع أنحاء المنطقة بمجرد العودة إلى الوطن.

وهناك سابقة واضحة لمثل هذا السيناريو، فخلال الثمانينيات هاجر العديد من الجهاديين في جنوب شرق آسيا إلى أفغانستان للانضمام إلى ما يسمى بالجهاد ضد الاحتلال السوفييتي.

وشكل العديد ممن عادوا بعد ذلك نواة الجماعة الإسلامية، التي كانت مسؤولة عن الهجمات الإرهابية البارزة في التسعينيات وأوائل الألفية الثانية. أمَّا “داعش”، الذي يعدُّ فروعه الإقليمية من بين أكثر الجماعات تنظيمًا في آسيا، فإن العودة المحتملة للمقاتلين الأشداء من المسرح السوري، يمكن أن تعزز هذه الشبكات بشكل أكبر.

الآثار والتوقعات للأمن الإقليمي

تعدُّ معالجة إشكالية النساء العائدات على قدر كبير من الأهمية، وهو ما اتضح جليًا في تفجيرات “سورابايا” في مايو 2018، إذ اضطلعت النساء والأطفال بأدوار ذات أهمية متزايدة في العمليات الجهادية على المستوى الإقليمي.

ذلك أن تبني أفضل الممارسات من البرامج المستخدمة في بلدان أخرى بشأن هذه المسألة يمكن أن يدعم “مجموعة الأدوات” للممارسين الإقليميين لمكافحة الإرهاب، رغم أنهم بحاجة إلى التكيف مع البيئة الآسيوية.

إن تسلل المسلحين من خارج جنوب شرق آسيا إلى المنطقة للمشاركة في الهجمات الإرهابية، والذين ربَّما يكون بعضهم قد أقام علاقات وصلات مع مقاتلي التنظيم في سوريا والعراق، إنما هو أمر يتطلب أيضًا مراقبة. لقد كان ذلك واضحًا خلال حصار “مروي” عام 2017، عندما قُتل عدد من الجهاديين الأجانب في اشتباكات مع قوات الأمن، بما في ذلك بعض “اليوغور” في إندونيسيا.

ذلك أن مقتل الجهاديين البارزين في جنوب شرق آسيا، مثل: “هابيلون” و”عقل” يثير أسئلة مهمة حول المسار المستقبلي لطبيعة التهديد الإقليمي، وهي القضية التي أصبحت أكثر تركيزًا منذ وفاة البغدادي.

وفي ضوء ذلك، من المتوقع أن تراقب السلطات عن كثب من يملأ الفراغ القيادي داخل الشبكات الجهادية في إندونيسيا وماليزيا والفلبين بعد وفاة القادة الرئيسيين في هذه البلدان.

وعلى الرغم من أن الأمير الجديد للتنظيم في جنوب شرق آسيا لم يتعين بشكل واضح بعد وفاة “هابيلون” في أكتوبر 2017، فمن المحتمل أن يخرج القادة المحليون والإقليميون من مجموعة المقاتلين الذين خضعوا للمعركة والذين هاجروا إلى مسرح الأحداث في الشرق الأوسط وعادوا منذ ذلك الحين.

هنا يمكن للقادة المحتملين أن يخرجوا أيضًا من الشبكات المحلية الموسعة التابعة لـ”داعش”، وأنصاره والمتعاطفين معه المنتشرين في جميع أنحاء المنطقة.

ومن المرجح أيضًا أن تتم مراقبة عودة الجماعة الإسلامية عن كثب. فمنذ الهجوم الأخير للجماعة الإسلامية في المنطقة في عام 2009، أعادت تجميع صفوفها وعززت موقعها، خاصة في إندونيسيا.

كما يمكن أن يعزز تنظيم “داعش” موقفه أكثر، وخاصة أن العديد من قادته الرئيسيين لا يزالون على قيد الحياة، ومن هؤلاء القادة “يزيد صوفات”، عالم الكيمياء الحيوية البارز وصانع القنابل، الذي أطلقت سراحه السلطات الماليزية أخيرًا بعد ما يقرب من عقدين من الاعتقال.

بجانب ذلك، فإن نشاط الجماعة الإسلامية يوفر لنا رؤية حول الطريق المحتمل لتجدد “داعش” في هذه المنطقة. فالتحالفات التكتيكية المحتملة التي تشمل خلايا الجماعة الإسلامية والخلايا المؤيدة لتنظيم “داعش” لشن هجمات مشتركة، لا يمكن استبعادها على الإطلاق.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: مدرسة راجاراتنام للدراسات الدولية RSIS

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر