وفي حالات ليست قليلة يفلت مرتكبو هذه الجرائم من العقاب، وتتعدد أوجه التحديات والعوائق التي تُصعب من إمكانيات التعاون الفعال بين الدول بغرض مجابهة ذلك الخطر الداهم الحديث، الذي يهدد الدول والهيئات والشركات وغيرها تهديداً خطيراً ومباشراً.

يُشَكل اختلاف النظم التشريعية للدول التي تطمح إلى تحقيق التعاون فيما بينها في مجال مجابهة الجرائم الإرهابية السيبرانية، عقبةً كبيرةً تحول في معظم الحالات دون تحقيق غايات وأهداف الدول خاصة عندما لا تواكب بعض الدول التطورات الهائلة الحاصلة في نوعية هذه الجرائم المعقدة، بإصدارها التشريعات المتطورة التي تلاحق الثورة الكبيرة في مجال استخدام الحاسوب وشبكات المعلومات العالمية في ارتكاب جرائم الإرهاب السيبراني على وجه الخصوص.

وتبرز هذه العقبة في حالات كثيرة حينما تكون التشريعات الجنائية الوطنية لبعض الدول قد سُنَت بفترة طويلة قبل نشوء هذه الجرائم شديدة التعقيد، وتكون الجرائم المشار إليها عَصّيَة الملاحقة في أحيان كثيرة بسبب ذلك القصور التشريعي وعدم مجابهة الأفعال التي يستحدثها مرتكبي الجرائم المعلوماتية والإرهابية عن طريق شبكات المعلومات وأجهزة الحاسوب.

وتؤدي هذه الفجوة المشار إليها إلى البطيء في التعاون القضائي الدولي في مجال مواكبة التطورات السريعة الحاصلة في الجريمة الإرهابية السيبرانية.

أيضا كثيراً ما يُعيق التعاون القضائي بين الدول لمجابهة الجريمة السيبرانية، اختلاف البيئات والعادات والتقاليد والديانات والثقافات من  مجتمع  لأخر، وبالتالي اختلاف السياسات والنظم التشريعية من مجتمع لأخر، فضلا عن اختلاف الدول في تحديد المصطلحات وتكييفها  للجريمة السيبرانية، وكل ما سبق ينعكس سلبا على إجراءات  التعاون  الدولي، ويُعيق من تأطير أليات التعاون القضائي المختلفة لمكافحة  هذه الجريمة  الخطيرة، وهنا يفلت الجناة بجرائمهم من العقاب، وتُهدر حقوق ضحايا  الجرائم  المعلوماتية في أن يحصلوا علي الإنصاف والجبر المستحقين.

لذلك فعلى كافة الدول أن تأخذ بعين الاعتبار التداعيات  السلبية التي تنشأ عن القصور التشريعي في مجال مجابهة هذا النوع من الجرائم الخطيرة، وتُبادر من فَورها بتجريم الأفعال الإرهابية السيبرانية عن طريق إصدار التشريعات الوطنية الملائمة، والتشريعات العقابية التي  تسد الباب على محاولات مرتكبي هذه الجرائم الإفلات من العقاب، فضلاً عن المراجعة وإعادة النظر في التشريعات المختلفة السارية في  ذلك الصدد وتعديل ما تفرضه مستجدات التطور المتلاحقة والمستمرة للجرائم الإرهابية السيبرانية، والأهم من ذلك تقنين تلك التشريعات  في الاتفاقيات الدولية سواء الثنائية أو المتعددة الأطراف.

إن التطور الهائل في استغلال الإرهابين لوسائل التقنية الحديثة ومنها بالطبع شبكات المعلومات العالمية، ما فَتِئ يشكل تحديات جد عويصة لجهات وهيئات الإنفاذ القانون في الأساس؛ فأصبح عنصر “الدولية ” مضافاً أو مرادفا لمعظم الجرائم وهذا يعني أن الأليات   البطيئة للتعاون الدولي في شأن ملاحقة الجرائم المعلوماتية والإرهابية من شأنها أن تُخرج التحقيقات عن مسارها، أو يُعيقها في حالات  في حالات أخرى؛ لذلك يجب على الدول أن تتفاوض فيما بينها من أجل إبرام اتفاقيات دولية علي المستوي الثنائي أو المتعدد الأطراف بغرض إرساء إطارا تنظيميا حاكما لمكافحة كل أشكال الجرائم المستحدثة، وخاصة منها الجرائم المعلوماتية العابرة للحدود، ثم تستهدي وتستقي منها التشريعات الوطنية الجديدة أو تُنَقح تشريعاتها الموجودة بالفعل على هدي من هذه الإتفاقيات الدولية التي تم إبرامها.

من أبرز القضايا المثيرة التي تٌدلل على التضارب في المصالح بين الدول فضلا عن غياب التعاون القضائي في ملاحقة أحد المواطنين البريطانيين بارتكاب الجرائم الإرهابية السيبرانية، حيث كان المتهم اخترق أنظمة الحاسوب للجيش الأميركي فضلا عن وكالة الفضاء الأميركية، وبعد مرافعات وحاولات مضنية من جانب الإدارة الأميركية لتسليمه إليها لمحاكمته أمام القضاء الأميركي، رفضت المملكة المتحدة تسليمه للولايات المتحدة كما رفضت محاكمته أمام محاكمها.

إن الطبيعة الدولية لجرائم الإرهاب السيبراني العابر للحدود تجعل من مسائل التنازع حول اختصاص القضاء الوطني لأكثر من دولة  بملاحقة الجريمة السيبرانية العابرة للحدود خاصة في الحالات، التي يعمد مرتكبيها إلى إخفاء هويتهم، حيث تحتاج المحاكم الوطنية إلى مزيد من الوقت والتدبر للتيقن من مدي اختصاصها بملاحقة الجريمة المرتكبة من خارج إقليم دولة المحكمة التي تلاحق الجريمة ولا تكمن الصعوبة في تحديد القضاء الوطمي المختص بالملاحقة لهذه الجريمة العابرة للحدود فقط، ولكن أيضا عندما لا تكون الجريمة مشمولة في أحد تشريعات إحدى الدول التي يرتكب فيها جزء من الفعل السيبراني الإرهابي.

وتثور أيضا إشكالية قضائية أخرى تتعلق بالولاية القضائية حين ترتكب الجريمة الإرهابية السيبرانية من جانب مواطن في إحدى الدول  لكن الجريمة استهدفت فعلا العديد من الضحايا في دول مختلفة، وهنا تدفع كل دولة بحق بمواطنها أو مواطنيها الذين وقع عليهم ضررا  جراء ارتكاب الجريمة، وهنا نجد أن اتفاقية مجلس أوروبا بخصوص الجريمة السيبرانية التي صدرت في بودابست عام 2001، قد وضعت الحل التوافقي الذي يتمثل في قيام الدول الأطراف في الاتفاقية والتي تدفع  بولايتها القضائية على ملاحقة الجريمة بالتشاور فيما بينها بغرض التوصل لأفضل محكمة تختص بالنظر في الدعوى.

واقع  الأمر، أفضت الجرائم المنظمة عبر الوطنية (الجرائم  الذكية) والجرائم الإرهابية السيبرانية المتنامية، بانتشارها الدولي المتسارع  والمتراكمة بأضرارها في أكثر من دولة، إلى  إنشاء إشكاليات في تجريمها أو معرفة مرتكبيها لصعوبة الاستهداء إلى أماكنهم لطبيعة جرائمهم التي ترتكب عن بعد بفعل الثورة العلمية المعاصرة، فقد أفضى استعمال التكنولوجيا والفضاء السيبراني إلى تجهيل المكان  والزمان  للجرم المرتكب، وتأخر انكشاف الضرر في دولة أو أكثر، إضافة إلى غموض الأفعال وصعوبات التعرف على الجاني أو الجناة الفعليين المنفذين والمشاركين والمساهمين في هذه الجرائم.

وبالنظر إلى ما سبق بيانه من صعوبة تحديد الولاية القضائية في ملاحقة الجريمة السيبرانية، والتي تنشأ عن التنازع في الاختصاص الولائي لدولتين أو عدة دول وأحيانا لا ينعقد أي اختصاص ولائي في بعض الحالات، فقد بادر مجلس أوروبا بتدشين عديد الجهود في ذلك الصدد بغرض رئيسي يتمثل في مكافحة الجريمة السيبرانية الإرهابية وسد أية ثغرات تمكن مرتكبيها من الإفلات من العقاب والذي قد ينشأ نتيجة التنازع في الاختصاص القضائي بين الدول الأعضاء في منظمة مجلس أوروبا.

فالاتفاقية المشار إليها سالفا، تعد أول اتفاقية دولية في مجال مكافحة الجرائم المعلوماتية، حيث تقوم بتنسيق التشريعات الوطنية لدول  المجلس في ذلك السياق، وتحسين تقنيات التحريات الجنائية حول مرتكبي الجريمة المعلوماتية، وتوطيد التعاون بين دول مجلس أوروبا في مجال المكافحة لهذه الجريمة، وتم إقرار الاتفاقية في ستراسبورغ – فرنسا، في الجلسة التاسعة بعد المائة في 8 نوفمبر عام 2001، وتبرز أهمية الاتفاقية من عدة وجوه أهمها: تحديد المفاهيم والمصطلحات  القانونية الأساسية  والتي  تساعد في إنفاذ التعاون القضائي  بين الدول أطراف هذه الاتفاقية، مثل مصطلح “بيانات  الحاسوب” ومصطلح  “سير  البيانات” على سبيل المثال.

وتهدف الاتفاقية الدولية لمجلس أوروبا إلى مكافحة الجرائم التي ترتكب من خلال الإنترنت وشبكات الحاسوب الأخرى، وتتناول الاتفاقية بشكل خاص انتهاك حقوق النشر والتأليف، وجرائم الاحتيال الإلكتروني، والاستغلال المنافي للأطفال، وتعد الاتفاقية مثلا يحتذي به في عدة مجالات في مجال مكافحة الإرهاب السيبراني بشكل خاص، ولا يتسع المجال لحصر الأليات العديدة التي استحدثتها الاتفاقية.