سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
شعر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، باليأس من كثرة المشكلات التي يواجهها داخل وخارج تركيا، حسب رؤية الكاتب والأستاذ المشارك في كلية بروكلين نيويورك لوي فيشمان، الذي استعرض، في مقال كتبه بصحيفة “هآرتس”، العديد من المشكلات التي تواجه أردوغان، وقد تكون عائقاً أمامه في الانتخابات الرئاسية المقررة في 2023، مع التحذير أيضاً من تداعيات فوز المعارضة وما يمكن أن يخلفه من اضطرابات.
يقول لوي فيشمان إن هناك خلافاً حقيقياً بين تركيا وحلفائها بشأن المعارض التركي عثمان كافالا، الذي ترفض أنقرة الإفراج عنه رغم صدور قرار من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بشأنه؛ خصوصاً مع احتجازه منذ 2017 دون إدانة حتى الآن.
أسوأ أزمة
أما في الداخل، فتعاني البلاد أسوأ أزمة اقتصادية منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002، هذه المعاناة لا ترتبط فقط بتسجيل الليرة مستوًى قياسياً من التراجع أمام الدولار؛ ولكن بسبب القرارات التي يتم اتخاذها على المستوى السياسي والاقتصادي، ففي الوقت الذي دخل فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في صدام مع الدول الأوروبية على خلفية قضية كافالا، فاجأ محافظ البنك المركزي، الموالي له، المستثمرين بتخفيض أسعار الفائدة رغم مخاوف تفشي التضخم التي تلوح في الأفق.
حتى الآن تراجعت الليرة التركية بنسبة 23% منذ بداية العام؛ مما تسبب في زيادات حادة بأسعار السلع والمحروقات. ومن خلال مقارنة بسيطة بالأرقام، فإن الحد الأدنى للأجور عام 2010 كان يعادل 430 دولاراً في الشهر، أما الآن فانخفض إلى أقل من 300 دولار.
لكن انخفاض الليرة لم يكن الخبر السيئ الوحيد للاقتصاد التركي؛ ولكنَّ هناك أيضاً حدثَين مؤثرَين، الأول هو إدراج مجموعة العمل المالي “غافي”، التي تراقب غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، تركيا على قائمتها الرمادية؛ وهو أمر يتطلب أن تُظهر أنقرة تعاملها الفعال مع قضايا غسيل الأموال المعقدة، وإبراز تأكيدات على متابعة محاكمات تمويل الإرهاب وإعطاء أولوية للمنظمات الإرهابية المصنفة من قِبل الأمم المتحدة؛ مثل تنظيمَي داعش والقاعدة، من أجل تصحيحه مرة أخرى في الوقت الذي سيكون فيه لهذا القرار انعكاسات سلبية على الاستثمار الأجنبي المتراجع بالفعل.
أما الخبر الآخر، فهو قرار محكمة استئناف أمريكية الإبقاء على حكم الإدانة الصادر ضد بنك “خلق” المملوك للدولة التركية؛ حيث أُدين البنك بمساعدة إيران في التهرب من العقوبات الأمريكية، بما يجعل هناك إمكانية لمقاضاته أمام المحاكم الأمريكية؛ حيث يتهم المدعون الأمريكيون البنك التركي بالتورط في شبكة غير قانونية مخصصة لتحويل عائدات النفط إلى ذهب ثم إلى أموال تحوَّل لصالح إيران، وهي معاملات مالية تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات.
ورغم محاولات الرئيس التركي ممارسة ضغوط كبيرة على الولايات المتحدة من أجل إغلاق الملف؛ فإن هذه الجهود لم تنجح حتى الآن، وفي حال استمرار قرار الإدانة فإن البنك التركي سيواجه غرامة بملايين الدولارات، وستُلحِق بسمعته ضرراً غير عادي.
تخبط داخلي
ينتقل الكاتب إلى السياسة الداخلية التركية، فيؤكد أن شعبية أردوغان شهدت منذ انتخابه بسلطات رئاسية جديدة عام 2018، تراجعاً كبيراً في الشارع، مع تزايد الإحباط من المشكلات الاقتصادية التي ترفض الحكومة تحمل مسؤوليتها فيها رغم أنها مَن قامت بوضع السياسات الخاصة بها، وهو أمر تظهر نتائجه في استطلاعات الرأي التي تظهر يوماً بعد آخر، فلو أُجريت الانتخابات اليوم فإن أردوغان لن يتمكن من الحصول على الأغلبية.
يقول المحلل إن إشارات التراجع ظهرت بشكل واضح مع فقدان حزب العدالة والتنمية الأغلبية في عدد من البلديات الكبرى بانتخابات 2019؛ حيث أظهرت المعارضة الموحدة قدرةً على مواجهة أردوغان بشكل واضح، ففي الوقت الذي اعتمد فيه الرئيس التركي على استراتيجية وضع السلطة بين يدَيه بمشاركة مجموعة صغيرة من المقربين، فإن الوضع الآن يختلف بشكل كامل؛ لأن هذه المجموعة التي تدعمه بصوت مرتفع في مختلف القرارات تسعى للحفاظ على القاعدة المتدينة المؤيدة لها، بالإضافة إلى القوميين.
وفي الوقت الذي يقومون فيه بتصعيد لغة الخطاب من أجل تشويه صورة المعارضة، فإنهم يدركون تعرضهم إلى عدم رضا شعبي من المواطنين؛ وهو ما يمكن ملاحظته من خلال تصريحات وزير الداخلية سليمان صويلو، العلنية، التي يدافع فيها عن الأخلاق، وكذلك رئيس الشؤون الدينية التركي علي أرباش، الذي يصور نفسه باعتباره الإمام الأكبر لتركيا؛ حيث يعتبر الثنائي نفسيهما حارسَين أخلاقيَّين لتركيا، في محاولة لمخاطبة شريحة كبرى من المواطنين.
في المقابل، يعمل فخر الدين ألتون، رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، على ضخ مواد دعائية للرئيس التركي من خلال تقديمه كزعيم عالمي رفيع المستوى ومؤثر في العالم الإسلامي، ويقوم بتكريس نفسه لخدمة المظلومين والمضطهدين، وهو ما سعى لتحقيقه مؤخراً من خلال تفسيرات التدخل التركي في ليبيا وأذربيجان، وحتى في رحلة أردوغان الأخيرة إلى إفريقيا.
سيطرة على المؤسسات
يسعى أردوغان لإقحام النخبة الجديدة في مؤسسات الدولة والاستفادة منها؛ لكسب تأييده، وهو تحرك منظم يدعمه ما كشفت عنه وسائل الإعلام التركية، في الأسابيع الماضية، من تورط بلال أردوغان في دفع رواتب خيالية لمؤيدين لوالده من ميزانية بلدية إسطنبول خلال فترة تولي الحزب إدارة البلدية، ورغم الأزمة المالية التي تعيشها البلاد.
يقول الكاتب، في مقاله، إن العديد من الناخبين الشباب في تركيا باتوا يرون أن أيامه أصبحت معدودة، وينضمون إلى أحزاب المعارضة؛ خصوصاً مع تزايد الشعور باليأس وخيبة الأمل، الأمر الذي يجعل هناك فرصة كبيرة للمعارضة التركية؛ إذ توحدت من أجل الوصول إلى السلطة في الانتخابات المقبلة.
جعلت سياسات أردوغان خلال الفترة الماضية للمرة الأولى هناك رؤية وقدرة على تخيل تركيا دون قيادته؛ لا سيما أن حكومته كلما زادت من الانتقادات وإلقاء اللوم على الآخرين فهي في الحقيقة تعبر عن حالة اليأس المتزايدة التي تجد نفسها فيها.
مستقبل محفوف بالمخاطر
يؤكد لوي فيشمان أن الطريقة الوحيدة أمام أردوغان وحزبه لاستعادة دعم الأغلبية هي تحقيق الحكم الرشيد والعمل على تبني استراتيجية ترسِّخ مشروعاً سياسياً حقيقياً، أما بخلاف ذلك فإن شخصاً مثل رئيس بلدية أنقرة منصور يافاش، أو عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو، سيكون قادراً على سحب البساط منه والفوز في الانتخابات؛ لكنْ يبقى هناك مزيد من الوقت أمام أردوغان للنظر في التكتيكات التي يمكن أن يناور بها لتقويض المعارضة في الانتخابات.
يختتم الكاتب رؤيته بالتأكيد أن وصول المعارضة إلى السلطة في انتخابات 2023 لن يكون بمثابة عصا سحرية بالنسبة إلى تركيا؛ لأنها ستجد نفسها أمام فوضى تستغرق سنوات من أجل تصحيحها، بالإضافة إلى إمكانية حدوث انقسامات بداخلها بعد إسقاط أردوغان؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى سنوات أخرى من عدم الاستقرار في البلاد.
المصدر: qposts
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر