سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تشهد العلاقات الأميركية التركية حالة من التدهور الكبير، الذي بات واضحًا وجليًا على أكثر من صعيد في الفترة الأخيرة، وكشفت المقابلة الشخصية الأولى التي جمعت قادة الدولتين عن برود العلاقات غير المسبوق بين أنقرة وواشنطن.
فشلت محاولات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تعزيز العلاقات الأميركية التركية وتحسينها، عقب لقائه الأول، للرئيس الأميركي دونالد ترمب، منذ تنصيبه رئيسًا في مطلع العام الجاري. فكل المؤشرات تؤدي إلى استنتاج واحد، وهو تأزم العلاقة على نحو أكثر مما كانت عليه في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.
وكان أردوغان، يعوِّل على ترمب في تغيير سياسته تجاه العديد من الملفات المشتركة مع تركيا، كملف الأكراد، والملف السوري، والموقف من حركة الخدمة وزعيمها فتح الله جولن، وملفات أخرى في الشرق الأوسط؛ مما عمق فجوة الخلاف الدائر بين تركيا وأميركا في الكثير من المواقف.
وأخفق أردوغان في زيارته الأخيرة لواشنطن، لا سيما مع عدم اقتناع ترمب بالعدول عن مواقفه في القضايا الخلافية مع تركيا. فإضافة إلى ملف الأكراد، فشل الرئيس التركي في التفاهم مع نظيره الأميركي بشأن ملف حركة الخدمة التركية، ولا سيما في طلب تركيا الداعي إلى تسليم رئيس الحركة فتح الله جولن.
وهنا تجب الإشارة إلى تلك الأزمة التي وقعت في واشنطن بين الحرس الرئاسي التركي، ومتظاهرين أتراك أمام السفارة التركية؛ ما تسبب في أزمة دبلوماسية بين البلدين.
فبعد الاشتباك الذي وقع بين حرس أردوغان والمتظاهرين في الولايات المتحدة، أعلنت الخارجية الأميركية استدعاء السفير التركي في واشنطن سردار كليتش، على خلفية اعتداء حرس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بالضرب على متظاهرين في واشنطن. كما أثيرت الأزمة بشكل واسع، داخل الأوساط السياسية بالولايات المتحدة، بعدما أظهر تسجيل فيديو نُشر على الإنترنت رجالاً يرتدون زيًا أسود يطاردون محتجين مناهضين للحكومة ويلكمونهم ويركلونهم إلى أن تدخلت الشرطة.
ودعا عضو مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور جون ماكين، إلى طرد السفير التركي، وذلك ردًا على أعمال العنف، فيما اعتبرت الشرطة أن هجوم الحرس الرئاسي التركي وحشي، مؤكدة إصابة 11 شخصًا بينهم ضابط شرطة بواشنطن. كما ألقي القبض على شخصين، أحدهما على الأقل من المحتجين، وردت على ذلك وزارة الخارجية التركية، باستدعاء السفير الأميركي لدى أنقرة للاحتجاج على سوء معاملة مسؤولين أمنيين أتراك في الولايات المتحدة.
تزامنت كل هذه المؤشرات، مع عدم حضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، القمة الأميركية الإسلامية، وعدم إجراء لقاء بينهما على هامش قمة دول الناتو، وهو ما اعتبره البعض مؤشرًا على توتر العلاقات التركية الأميركية. ومع أن تركيا وأميركا، تنضويان معًا تحت حلف شمال الأطلسي، إلا أنه يُنظر إلى تضارب الأهداف بين البلدين في الشرق الأوسط، وفي الملفات الرئيسية تحديدًا، على أنه عامل يدفع أنقرة إلى التقارب من روسيا وإيران، وهو ما يزيد من الخلاف الدائر بينهما.
عوامل انعدام ثقة الأتراك بحكومة واشنطن الحالية
ونرصد فيما يلي عددًا من العوامل التي تبيِّن تخلي الإدارة الأميركية عن حكومة أردوغان، ومما يستدعي انكسار عوامل بناء الثقة التي تثير حفيظة الأتراك ويشعرهم بأن أميركا غير جادة أو صادقة نحو حكومة حزب العدالة والتنمية، رغم حديث الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترمب في أثناء حملته الانتخابية، عن أنه معجب بتركيا، وأن ابنته ومستشارته «إفانكا ترمب»، مغرمة بتركيا ونهضتها. بينما الواقع الراهن، يقول عكس ذلك، فما زال “ترمب” يسير على استراتيجية أوباما في دعم تنظيمات سوريا الديمقراطية على حساب تركيا:
– استقبال أميركا للمعارض التركي فتح الله جولن وإقامته لديها، الذي تتهمه تركيا بتدبير الانقلاب الفاشل، وتتهمه بإدارة التنظيم البديل بهدف تقويض الحكم في تركيا، الأمر الذي لم يُحل حتى الآن، برغم عزم تركيا وإلحاحها المدعوم بالأدلة على ضرورة تسليم الرجل للقضاء التركي.
– تحالف أميركا وروسيا سابقًا على محاصرة جيش درع الفرات الذي تدعمه تركيا بهدف الوصول لمدينة منبج السورية، إذ نشرت أميركا دبابات في المنطقة، كما فعلت روسيا في مدينة إعزاز غرب حلب؛ وهو ما تسبب في الإعلان عن توقف معركة درع الفرات من قبل تركيا مرغمة بالتوافق الأميركي الروسي ضد المصالح التركية.
– إعلان أميركا عبر وزارة الخارجية، موافقتها على بيع سلاح لـ «البشمركة الكردية»، وهو ما يقوي موقفها العسكري الداعم للانفصال عن العراق، وهذا يشكل خطرًا وتهديدًا للأمن القومي التركي والسوري والإيراني، ويأتي ذلك في ظل توجه إقليم كردستان العراق نحو استفتاء للانفصال عن العراق، حيث يستهدف الأكراد تشكيل دولة تضم أجزاء واسعة من تركيا وسوريا.
– الدعم الأميركي للجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني المعروف بتنظيم “سوريا الديمقراطية”، الذي يقود عملية تمرد مسلحة ضد حكومة أنقرة التي ناشدت غير مرة، إدارة واشنطن السابقة بضرورة عزل هذا التنظيم، لكن إدارة أوباما لم تستجب، وكذلك الإدارة الحالية التي سمحت بتسليم دفعات سلاح ثقيل لتنظيم سوريا الديمقراطي «الكردي» كانت قد أقرتها الإدارة السابقة، مع بداية تسلم ترمب الحكم رسميًا.
محاولات تركيا الفاشلة
في أكثر من مناسبة، حاولت أنقرة إقناع واشنطن وثنيها عن دعم الأكراد، وفي هذا الصدد أرسل أردوغان وفدًا ضم رئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان، ورئيس الأركان العامة الجنرال خلوصي آكار، ووزير العدل بكير بوزداغ، والمتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالين، إلى واشنطن للتفاوض مع الجانب الأميركي حول القضية الكردية، وقد عقد هذا الوفد اجتماعًا مع مستشار الرئيس الأميركي للأمن القومي الجنرال هربرت ماكماستر، لكنهم فشلوا في إقناع الجانب الأميركي بالتخلي عن خطة دعم الأكراد.
في العموم، يتراءى لنا أن هناك اختلافًا عميقًا وواضحًا فيما يتعلق بأولويات واشنطن وأنقرة بخصوص القضية السورية، إذ يتمثل هدف أنقرة الرئيسي في منع هيمنة وتوسع النفوذ الكردي في شمال سوريا، وقد شكلت هذه النقطة، محور الصدام بينهما.
ورغم أن أنقرة، خلال العديد من المناسبات، أبدت رفضها التام لهذه السياسة، مؤكدة على أنها لن تقبل بمسألة امتلاك الأكراد للأسلحة، فإن الأكراد لا يبتغون من خلال مشاركتهم للقوات الأميركية في حربهم ضد تنظيم الدولة، الحصول على أسلحة أميركية متطورة أو تطهير منطقة الشرق الأوسط من تنظيم الدولة، بل يطمحون إلى إنشاء منطقة حكم ذاتي في شمال سوريا.
والجدير بالذكر، أن هدف الأكراد السوريين لن يتحقق، إلا من خلال مساندة الولايات المتحدة لهم، وعلى هذا الأساس، يتوقع الأكراد أن يحظوا بهذا الدعم مقابل تحرير الرقة.
أردوغان وأميركا في ظل توتر العلاقات
في السنوات القليلة الماضية، اتسمت العلاقات التركية الأميركية بالاستقرار، لكون تركيا تمثل نافذة للولايات المتحدة الأميركية على الشرق الأوسط، ونظرًا لأهمية الدور الإقليمي التركي في المنطقة. في المقابل، أخذت العلاقات بين الدولتين في التداعي في فترة حكم باراك أوباما، وذلك لعدة عوامل، لعل أبرزها استراتيجية البيت الأبيض في مكافحة الإرهاب التي تعتمد بالأساس على إشراك الأكراد السوريين.
وقد تعمقت الفجوة بين واشنطن وأنقرة خلال فترة حكم باراك أوباما، في حين اتجهت تركيا لإنشاء علاقة جديدة مع روسيا على اعتبارها حليفًا وشريكًا موثوقًا. وفي الوقت الذي اعتلى فيه ترمب سدة الحكم وتغيَّرت فيه الإدارة الأميركية، تجدَّد أمل أنقرة في أن تعود العلاقات الثنائية بين البلدين إلى سالف عهدها. فضلاً عن ذلك، كانت تركيا، تتوقع أن تتغير سياسة واشنطن تجاه قضية أكراد سوريا، وغيرها من القضايا الاستراتيجية الأخرى.
من جهة أخرى، أعرب الرئيس التركي عن رغبته في تطوير العلاقات المشتركة مع الولايات المتحدة، في حين كانت العديد من بلدان العالم الإسلامي تخشى سياسة ترمب الخارجية في ظل تصريحاته الانتخابية حول كرهه الواضح للإسلام، بجانب ما اعتبره أردوغان حافزًا حينما تلقى اتصالاً من ترمب لتهنئته بنجاح الاستفتاء الدستوري.
وكشفت الوقائع المتتالية مؤخرًا، أن تفعيل واشنطن لعلاقات ثنائية مع أنقرة، هو خارج أولويات الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة ترمب، على عكس ما كان عليه الأمر في عهد باراك أوباما الذي وضع تركيا منذ تنصيبه، على لائحة أكثر الدول أهمية في إطار السياسة الخارجية لبلاده، إلا أن ذلك انتهى إلى توتر وتدهور شديدين.
ويبدو مما سبق جليًا، أن زيارة الرئيس أردوغان إلى البيت الأبيض في السادس عشر من أيار/ مايو، جاءت متأخرة نوعا ما. فقد التقى الرئيس الأميركي في وقت سابق، كلاً من العاهل الأردني عبدالله الثاني، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، فضلاً عن قادة كل من إسرائيل وفلسطين والعراق؛ مما يستدعي القول أن قادة هذه الدول يصنفون ضمن قائمة قياديي العالم الأكثر أهمية بالنسبة لإدارة ترمب والبيت الأبيض، في حين لا تشمل هذه القائمة أردوغان.
وقبل التصويت على الاستفتاء الدستوري التركي، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية، بيانًا انتقدت من خلاله هذا الاستفتاء، كما أعرب جميع الأطراف في صلب الإدارة الأميركية بقيادة دونالد ترمب، عن موافقتهم على قرار دعم وتسليح وحدات حماية الشعب والقوات الكردية.
البنتاجون والأكراد وتأثيرهما في العلاقات التركية الأميركية
تعتقد الإدارة الأميركية أن تسليح الأكراد السوريين، يعد بمثابة الطريق الأقصر لتحقيق أحد أهم أهدافها في المنطقة، ألا وهو هزيمة تنظيم الدولة، وذلك وفقًا لما ورد على لسان بعض الخبراء الدوليين.
ففي خلال شهر آذار/ مارس المنصرم، أعلن الجنرال الأميركي، ستيفن تاونسند، أن الأكراد السوريين سيشاركون في عملية تحرير الرقة، وأنه لا يملك أي معلومات أو أدلة، تؤكد وجود علاقات تربط بين القوات الكردية وحزب العمال الكردستاني.
كما أوردت وزارة الدفاع الأميركية في التاسع من أيار/ مايو، أن الأكراد يُعتبرون القوة الوحيدة القادرة على تحرير الرقة في وقت قياسي.
من جهة أخرى، اقترحت تركيا على الولايات المتحدة الأميركية، العمل جنبًا إلى جنب مع قوات الجيش السوري الحر لمواجهة تنظيم الدولة والقضاء عليه. في المقابل، رفضت واشنطن عرض أنقرة لسببين أساسيين:
– تعتقد القوات الأميركية أن القضاء على تنظيم الدولة في الرقة، في ظل مشاركة تركيا وقوات الجيش السوري الحر سيستغرق الكثير من الوقت.
– فشلت كل من القوات التركية وقوات الجيش السوري الحر في إثبات قدرتها في ساحة القتال خلال عملية “درع الفرات”، فضلاً عن أنها لم تحرز أي تقدم يذكر على حساب تنظيم الدولة.
مثلث العلاقات (الأميركية التركية الروسية)
مع مرور الوقت، تتسبب القضية الكردية في تعميق الفجوة بين الجانب التركي والجانب الأميركي. علاوة على ذلك، فقد تؤثر عملية تزويد وحدات حماية الشعب الكردية بشكل جوهري في علاقة واشنطن بالسلطات التركية، كما قد تضر بمصالحها الحيوية.
ومن ناحية أخرى، تكاد القضية الكردية تتحول، بالنسبة لبعض الأطراف، إلى مؤامرة خارجية لوضع أنقرة في موقف عصيب فيما يتعلق بسياستها الداخلية والخارجية والأمن الوطني التركي.
ومن وجهة نظر أخرى، قد يدفع قرار الولايات المتحدة الأميركية بتسليح الأكراد السوريين، بأنقرة إلى “أحضان” موسكو، ما قد يؤدي إلى حدوث تغيرات غير متوقعة بالنسبة لواشنطن. وفي ظل الوضع الاقتصادي والعسكري الذي تشهده تركيا في منطقة الشرق الأوسط، سيؤثر التوتر القائم بين الولايات المتحدة وتركيا في أحد الأهداف البارزة بالنسبة لترمب، الذي يسعى لاحتواء الخطر الإيراني.
ومن المتوقع أن تقوم أنقرة بحظر استخدام قاعدة إنجرليك الجوية على الولايات المتحدة الأميركية، مع العلم أنها تمثل مركزًا أساسيًا في صلب عملياتها العسكرية ضد تنظيم الدولة. وعلى المدى القصير، من المرجح أن تستمر العلاقات الثنائية بين الدولتين على وضعها الحالي. في الوقت نفسه، قد تبادر تركيا بالانضمام لمنظمة شنغهاي للتعاون.
ويرى البعض عدم تهويل مدى تأثير قرار البيت الأبيض بتسليح الأكراد على التوجهات الاستراتيجية للسياسة الخارجية التركية، فبغض النظر عن التطورات التي تشهدها كل من سوريا والعراق، إلا أن سياسة “المناورة” التي تعتمدها أنقرة بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، تعد إحدى مميزات السياسة الخارجية التركية، التي تعتبر من العوامل المؤثرة على الساحة الإقليمية والعالمية.
وحدة الدراسات السياسية*
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر