سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
آنا بورشفسكايا
يمثل عدم الاستقرار السياسي في بيلاروسيا، ولبنان، وخاباروفسك ظلالاً من نفس التحدي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين: فهي تربك الوضع الراهن الذي يفضله بوتين في أجزاء من العالم المهمة لبقاء نظامه. ولن يقف جانباً [مكتفياً بالمشاهدة].
ففي خاباروفسك، وهي مدينة تقع في أقصى شرق روسيا، نزل عشرات الآلاف من المحتجين إلى الشوارع بدءً من تموز/يوليو بعد أن اعتقل الكرملين حاكم المنطقة، سيرجي فورغال، بتهمة القتل العمد. وهتف أهالي خاباروفسك “صَوْتُنا، فورغال واحد منا” وطالبوا بوتين بالاستقالة. وفاز فورغال، رغم أنه ليس ديمقراطياً موالياً للغرب، بأغلبية ساحقة على مرشح اختاره الكرملين في عام 2018 – وهذا ليس بالأمر الهيّن في انتخابات كانت بالفعل مزوّرة لصالح مرشح الكرملين. ولم يكن بوتين ليتسامح مع هذا الأمر.
وفي بيلاروسيا، يبدو أن آخر دكتاتور أوروبا، ألكسندر لوكاشينكو، قد خسر االانتخابات الرئاسية في استفتاء عام مزوّر آخر. وبعد أن رفضت مرشحة المعارضة الرئيسية سفيتلانا تيخانوفسكايا النتائج الأولية للاستطلاع، نزل البيلاروسيون إلى الشوارع. وكانت حملة لوكاشينكو القمعية ضد المتظاهرين السلميين مروّعة. فقد تم اعتقال ما لا يقل عن 7000 شخص، وتعرض العديد منهم للتعذيب الوحشي وتوفي اثنان على الأقل في الحجز. لكن بالنسبة لبوتين، تثير هذه الأحداث قلقه المعتاد من “ثورة ملوّنة” [أي احتجاجات سلمية وحركات مطلبية أو عصيان مدني]؛ فإذا كان بإمكان البيلاروسيين الاحتجاج (إن لم يكن الإطاحة) بديكتاتورهم، فما الذي يمنع المواطنين الروس من اتخاذ هذه الخطوات نفسها؟
أما في بيروت، فقد أدى الانفجار الهائل الأخير، والذي كان على الأرجح نتيجة تواجد حكومة فاسدة وغير كفؤة يسيطر عليها «حزب الله»، إلى مطالبة اللبنانيين بتغيير جذري في النظام.
دعونا لا تخطئ: هذه الاحتجاجات الشعبية هي نتيجة [تَسَلُّط] حكومات فاسدة وغير كفؤة – في موسكو أو تلك التي تدعمها موسكو – والتي لن تتغير دون مقاومة. ومع ذلك، فإن بيلاروسيا ليست أوكرانيا. ومن المحتمل أن يكون التدخل على نطاق واسع مكلفاً للغاية ولا يحظى بشعبية، لكن لدى بوتين العديد من الوسائل الأخرى لدعم الزعيم الذي يفضل رؤيته في مينك. وإذا سقط لوكاشينكو، فسيؤدي ذلك إلى الإضرار بصورة بوتين كمدافع ضد التدخل الأمريكي المتصوَّر الذي يؤدي إلى اندلاع احتجاجات مناهضة للاستبداد. لكن لا يزال بإمكان بوتين ضمان السيطرة في ظل هذا الوضع – ففي النهاية يريد بيلاروسيا، بغض النظر عمّن يدير شؤونها.
ولطالما شمل خوف بوتين من الثورات الملونة، الشرق الأوسط أيضاً، على الرغم من أن المنطقة حظيت باهتمام أقل. وفي الواقع، اجتاحت الثورات الملونة مجال ما بعد الاتحاد السوفيتي في بداية العقد الأول من القرن الحالي وإلى منتصفه، كما أثّرت أيضاً في الشرق الأوسط، مع “ثورة الأرز” في لبنان.
وقد تبدو الأحداث الجارية في لبنان بعيدة عن روسيا مقارنة باحتجاجات أخرى أقرب إليها. لكن لبنان مهم أيضاً بشكل مباشر لسياسة روسيا في سوريا، حيث أنقذ تدخّل بوتين في عام 2015 الديكتاتور بشار الأسد من فقدان السلطة ورفَعَ مكانة روسيا – في نظر العديد من المسؤولين في الغرب والمنطقة – كجهة فاعلة لا غنى عنها.
ولا يقتصر الأمر على عدم قيام موسكو مطلقاً بتصنيف «حزب الله» كمنظمة إرهابية (على عكس الدول الغربية)، ومَيْلموسكو بشكل عام وبصورة أقرب إلى محور إيران – «حزب الله» – سوريا في الشرق الأوسط. وهذا بحد ذاته كافٍ لكي تؤيد موسكو حكومة يدعمها «حزب الله» في بيروت. إلّا أن بعض الخبراء الروس لاحظوا أن البنوك اللبنانية يمكن أن تكون بمثابة صلة سوريا بالعالم الخارجي، وتُسهِّل إعادة الإعمار بطريقة تحافظ على الأسد في السلطة.
وتهدد الأحداث الجارية بتعقيد هذا الوضع الراهن، حيث تفرض التدقيق الواجب على تورط «حزب الله» في الميناء، مع استقالة رئيس الوزراء حسان دياب، فضلاً عن الإدانة الأخيرة لمحكمة الأمم المتحدة لعضو في «حزب الله» فيما يتعلق باغتيال رفيق الحريري.
ولن تؤدي احتجاجات خاباروفسك إلى تقويض مكانة الكرملين لكنها تضعف نظامه ببطء. فلن تكشف عدم الرضا المحلي المتزايد من النظام فحسب، بل تفضح عدم قدرته على تقديم أي شيء أفضل من الروايات التقليدية المعادية للغرب وأساليب القمع كرد على مطالب التغيير.
لكن بوتين سيكافح من أجل السلطة، وإذا لم تبق لديه وسائل أخرى غير القمع، فمن المرجح أن يضاعف كفاحه، خاصة لأن الغرب لن يتراجع. وقد رفض “الاتحاد الأوروبي” نتائج الانتخابات في بيلاروسيا، ووافق على فرض عقوبات وعرَضَ التوسط بين الحكومة والمعارضة، لكن من غير المرجح أن تؤدي هذه الخطوات وحدها إلى ردع بوتين، حتى بعد دعوة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو لإجراء تحقيق دولي في “المخالفات الانتخابية” في بيلاروسيا .
ولا نعلم ما إذا كان التسمم الأخير، وهذه المرة لناقد الكرملين أليكسي نافالني، مرتبطاً بالأحداث الجارية، لكننا ندرك أن لدى الكرملين تاريخاً من محاولة إسكات أولئك الذين يشكّلون أكبر تحدٍ لحكمه. وفي السنوات الأخيرة، ارتقى نافالني إلى هذه المكانة. وفي سياق الاحتجاجات المستمرة، دائماً ما يخشى الكرملين صوتاً قد يلهم الآخرين للتحدث ضده.
وعلى خلفية رسالة حديثة من العديد من المسؤولين الأمريكيين السابقين وخبراء السياسة الخارجية دعوا فيها إلى ما يتلخّص أساساً في إعادة ضبط الأمور ثانية مع روسيا، كانت فرنسا تسعى بالفعل إلى ذلك منذ عام، لكن دون تأثير ملموس. وحيث تولّى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زمام المبادرة في لبنان، فهذه ليست بالضرورة أخبار سيئة بالنسبة لبوتين.
وبدون قيادة أمريكية، من غير المرجح أن يمضي ماكرون قدماً [في عرضه] إصلاحات شكلية تجميلية. بالإضافة إلى ذلك، وفي مكالمة هاتفية أجراها مع بوتين ناقش ماكرون الوضع في لبنان. وفي وقت سابق، قال السفير الروسي آنذاك في لبنان ألكسندر زاسيبكين إن روسيا لن تقبل الجهود الرامية لتقويض السيادة اللبنانية. وقبل أيام فقط، عيّن بوتين سفيراً جديداً في لبنان، لكن موسكو لن تعترف أبداً بأن «حزب الله» والنظام السوري وشركاء إيرانيين آخرين هم الذين قوّضوا السيادة اللبنانية مراراً وتسببوا في زعزعة الاستقرار في المنطقة على مر السنين.
وفي لبنان وبيلاروسيا، يطالب الناس بتغيير الوضع الراهن الذي أغنى النخبة السياسية الفاسدة وغير الكفؤة ومنح حكم بوتين قوة واستقراراً أكبر. ولا يزال نظامه يستهدف المنتقدين بمنأى عن العقاب.
أما إدارة ترامب فقد بدأت الآن فقط في الحديث عن تسميم نافالي، بينما من المرجح أن يؤدي صمت ترامب الشخصي بشأن هذه القضية إلى زيادة جرأة بوتين. وما لم ترغب الولايات المتحدة في لعب دور دبلوماسي نشط في دعم رغبات الكثير من اللبنانيين والبيلاروسيين، فإن تضحياتهم عن طريق الاستسلام للرصاص الحي ونترات الأمونيوم ستذهب هباءً.
المصدر: معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر