سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
أمجد المنيف
عندما قرر الناس، معظم الناس، الزحف إلى المنصات الرقمية والشبكات الاجتماعية؛ كانوا يبحثون عن أشباههم. يفتشون عن المجتمعات التي تتقاطع مع اهتماماتهم، والأشخاص الذين يشاركون تخصصاتهم وهواياتهم.. وأحلامهم.
الفكرة، أقصد البحث عن الشبيه في العالم الرقمي، ولدت بسبب محدودية الوصول للشريحة المرادة في المجتمع الحقيقي، لعوامل كثيرة، أهمها أن جُلَّ من يحيطون بنا قد يكونون مفروضين علينا بسبب عوامل مختلفة، منها: طبيعة مجتمعاتنا، وكيفية التقاطع مع الآخر، ومفهوم الجماعة والتواصل الجمعي، وغيرها أكثر.
فازت الأغلبية بالحصول على ما يريدون في الشبكات الاجتماعية، وتطورت الممارسات تدريجيًا، وفُرضت الأعراف التقنية، تارة من خلال الاتفاق غير المعلن، ومرات بسبب القوانين المتطورة بشكل طردي ودائم، حتى تمَّ التوصل إلى صيغ عامة، تناسب الجميع تقريبًا، أو لنقل تحميهم، إلى حد كبير.
بعد فترة، أكثر من عقد تقريبًا، تسللت الرتابة إلى دواخل العوالم الرقمية، حتى أصبحت – دون أن نشعر – عوالم حقيقية، تتميز بالتقنية فقط، لكنها تحمل معها كل عُقد الحياة الطبيعية، من مجاملات وخلافات وتحزبات، وهذا (بالتأكيد) لا ينفي كل المكتسبات، على صُعُد متنوعة.
هذا التعب، والفتور في الشبكات “الاجتماقليدية”، دفع بالكثيرين للركض إلى Clubhouse للاختباء في غرف التشابه، والبحث عن الرغبة الأولى القديمة، الاهتمامات المشتركة، والجلوس مع الأشباه، وتبادل الآراء والمعرفة، وحتى السخرية، وفقًا لشروط بدائية تحمي من ترف التطور البغيض.
اللافت هنا، هو شروط التوهج والاهتمام في هذا التطبيق، أو في هذه الغرف، التي تختلف عن الطرائق المعروفة، إذ تتباين الأدوات عمَّا سبقها، من خلال نوعية النشر أو المشاركة، وحتى فلسفة المتابعين والمتابعات، وصولاً إلى نوعية النخب!
لطالما آمنت بتراجع “مفهوم النخب”، نظرًا لموت القلاع العتيقة، وولادة وسائل تواصل وتفاعل سريعة وآنية، وسهولة الوصول للمعلومة، والمراجع المعرفية، والأهم هو تنوع المجتمعات داخل المجتمع الواحد، ولكل مجتمع شروطه وأولوياته وقادته.. وهذا ما يشع بوضوح في “كلوب هاوس”.
التشبيه الأقرب لهذا التطبيق، في مخيلتي، أنني أراه كالحدث أو الفعالية الكبيرة، العديد من الجلسات والمتحدثين، والجميع مشغول بحسب ما يراه أولاً.. المعرفة أو العلاقات، أو الصفقات التجارية، أو التسويق للمنتجات والذوات، والمشاهير يملؤون الزوايا، ويتنافسون على الحضور.
الميزة المهمة، هي التدريب على الاستماع، والتدرب على قبول الآخر، بكل ما يحمل معه من اختلاف، وهذا التحدي دائمًا ما يواجه الذين يرون في أنفسهم محور الاهتمام والحديث، حيث لن يتحملوا البقاء في مقاعد العامة، ما لم يروضوا غرورهم، ويستجيبوا للسياق.
وبجانب هذه الميزة، المذكورة آنفًا، يكمن التحدي الأكبر في مقاومة الكلام. يميل الناس بطبعهم للثرثرة، وغالبًا نأتي من ثقافات ترتكن على الأحاديث الطويلة، وإبداء الآراء في الكثير من القضايا والأشياء. لذلك، ولغيره، ستكون القيمة – في مواضع متعددة – في القدرة على الصمت، لا الحديث.
الصمت الكلي قد لا يكون الحل، ولكن الاتزان قد يكون محمودًا، وهذه ليست وصاية ولا طريقة للتعامل مع الغرف، وإنما ثرثرة أيضًا.. قد لا تكون منطقية. المهم أن نحدد ما نريد، بشكل شخصي، بوضوح ووعي.
من وجهة نظري الخاصة، أن رشاقة التنقل بين الغرف، واختيار ما نتقاطع معه من معلومات، وبساطة التواصل، هي المزايا الحقيقية لـ”كلوب هاوس”. لا يمكن التنبؤ بدقة بمستقبل التطبيق، ولا بمصير الشبكات الأخرى، لكن الأكيد (على المدى القصير) أن الغرف ستكون المقاهي، والمجالس، والوسائل الحديثة لقتل الوقت والمشاوير الطويلة.. ما لم يحدث عكس المتوقع، ويوقف هذا الفيضان من السواليف. والسلام..
مدير عام مركز سمت للدراسات، وكاتب سعودي*
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر