سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
أنيتا أندر سينغ
على مدى السنوات القليلة الماضية، خلقت الحركة الإقليمية للصين في بحر الصين الجنوبي (SCS)، مشكلة أمنية متميزة في منطقة جنوب شرق آسيا. فبخلاف حليفه الأميركي، الذي يسعى لمواجهة الصين، يعرِّف الاتحاد الأوروبي (EU) علاقته مع الصين على أنها علاقات تكاملية وليست تنافسية. وفي الواقع، لا يستخدم الاتحاد الأوروبي في مواجهة الصين “العبارة الرنانة” لوصف استراتيجيته الخاصة بآسيا أو الصين، كما يفعل الأميركان في سياستهم الدفاعية والخارجية. وينقسم الاتحاد الأوروبي حول موقفه من اتفاقية سنغافورة، ولا يُعتبر لاعبًا أمنيًا هامًا في جنوب شرق آسيا. فالاتحاد الأوروبي ينظر إلى الصين كلاعب عالمي، إذ تدرك بروكسل أن “الصين قد تستغل نفوذها الاقتصادي والمالي لخدمة مصالحها السياسية والأمنية الأحادية الجانب”. لكن الرغبة الشديدة للاتحاد الأوروبي في إقامة علاقة تكاملية مع الصين، وكذا الأولوية التي يمنحها للتجارة، فضلاً عن الانقسامات الداخلية التي يعاني منها الاتحاد الأوروبي، يفسر أسباب مساهمته المحدودة في أمن جنوب شرق آسيا.
وفي هذا السياق، رحبت العديد من دول جنوب شرق آسيا بالاستثمارات الصينية الضخمة في بنيتها التحتية، وهو ما يرجع بالأساس إلى عدم توفرها لدى أي دولة أخرى مثل الصين. لكنهم يواجهون التحدي المتمثل في القوة العسكرية والاقتصادية المتزايدة للصين المجاورة، وكذا احتلالها بعض المناطق والجزر في بحر الصين الجنوبي؛ إذ تهدد الأنشطة الصينية سيادة الاتحاد الأوروبي البحرية والأوضاع الأمنية في مياهه الدولية.
قوة الاتحاد الأوروبي
يُعدُّ الاتحاد الأوروبي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وأن ثلاثًا من الدول الأعضاء فيه من بين أكبر عشر قوى تنفق على الدفاع على مستوى العالم؛ وتنفق دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة 200 مليار يورو على الدفاع. فضلاً عن ذلك، فإن مثل تلك الحقائق تكشف أن الاتحاد الأوروبي يمكن أن يساعد في الحفاظ على توازن القوى في منطقة جنوب شرق آسيا، لكنه لا يبدو أنه يقوم بذلك بالفعل، ليبقى السؤال: لماذا؟
والحقيقة أن هناك العديد من العوامل التي تفسر استراتيجية الاتحاد الأوروبي، أو بالأحرى عدم وجود استراتيجية “القوة الصارمة”، في منطقة بحر الصين الجنوبي، وجنوب شرق آسيا بشكل عام؛ فمنذ بداية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الاتحاد الأوروبي والصين في عام 2003، أصبح الاتحاد الأوروبي والصين متداخلين بدرجة كبيرة. ويرى الاتحاد الأوروبي أنه يتقاسم المسؤولية لضمان بقاء اقتصاداته كمحركات رئيسة للنمو الاقتصادي العالمي، وكذلك ليبقى كجهةٍ فاعلةٍ مهمةٍ في عالم متعدد الأقطاب، إذ يخطط الاتحاد الأوروبي والصين لتعزيز الحوار والتنسيق على المستويات الثنائية والإقليمية والعالمية وذلك بغرض مواجهة التحديات الإقليمية والعالمية.
وتوضح الاستراتيجية العالمية للاتحاد الأوروبي التي وضعها في 2016، أن تعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية وتزايد التواصل مع الصين، يتسمان بدرجة عالية من التداخل؛ ذلك أن تعزيز الاتصال مع الصين يُعدُّ أمرًا مهمًا بالنسبة لمبادرة “تنمية التجارة في المستقبل” التي تُعتبر الصين في إطارها “شريكًا رئيسيًا مع الاتحاد الأوروبي” وتبدي رغبة في تعميق العلاقات التجارية والاستثمارية. ويريد الاتحاد الأوروبي التأكد من أن مبادرات الصين والاتحاد الأوروبي تعملان بشكل مشترك. ورغم الاختلافات التي تطرأ على مستوى المنهج والتنفيذ: “لا يمكن ضمان بقاء تلك الروابط إذا لم تكن الأنظمة والشبكات المشتركة بينهما قابلة للعمل بشكل تبادلي”.
كذلك يلاحظ عدم اتساق في استخدام الاتحاد الأوروبي لـ”آسيا”؛ فقد أشارت الاستراتيجية العالمية للاتحاد الأوروبي لعام 2016 إلى “المحيط الهندي – الهادي” قبل عدة أشهر من إعادة تعريف للرؤية الأميركية بشأن آسيا بهذا التصنيف. وبعد ذلك، وتحت عنوان “آسيا”، يشير الموقع الإلكتروني الحالي لمؤسسة “خدمات الأعمال الخارجية الأوروبية” (EEAS) إلى الصين والهند واليابان وآسيان. وفي الوقت نفسه، تتضمن الوثيقة الخاصة بالاتحاد الأوروبي ورابطة دول جنوب شرق آسيا، عنوانًا نصه “تعزيز التعاون بين الآسيان والاتحاد الأوروبي في البنية الأمنية التي يقودها الآسيان”. وفي ظل ذلك، يكرر الاتحاد الأوروبي تأكيد دعمه لمركزية الرابطة “في المنطقة الإقليمية المتطورة”.
وعلى مستوى آخر، فإن آسيا لا تُعدُّ أكبر أولوية استراتيجية بالنسبة للاتحاد الأوروبي؛ فعلى رأس أجندته الاستراتيجية تتربع مناطق تشمل روسيا، والبحر الأبيض المتوسط، ومنطقة الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا.
ومع ذلك، فإن نحو40% من تجارة الاتحاد الأوروبي تمر عبر بحر الصين الجنوبي، ومن ثَمَّ فإن تلك المنطقة تُعدُّ ذات أهمية حيوية بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي، ذلك أن جزءًا كبيرًا من تجارة أوروبا يمر عبر المحيط الهندي والهادئ. فضلاً عن ذلك، فإن ما يزيد على 35% من جميع الصادرات الأوروبية تذهب إلى آسيا، وأربعة من أكبر 10 شركاء تجاريين هم الصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند.
وبالنظر إلى الأمن البحري باعتباره أمرًا حيويًا بالنسبة لحماية المصالح التجارية للاتحاد الأوروبي، يمكن التساؤل عن سبب عدم مشاركة الاتحاد الأوروبي في تأمين هذه الاتفاقية؛ إذ يُعدُّ الاتحاد ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ويصل ناتجه المحلي الإجمالي إلى 15.3 تريليون يورو.
وقد يكون أحد التفسيرات لذلك أن الاتحاد الأوروبي يعول على أهمية الدبلوماسية الوقائية في المجالات الأمنية غير التقليدية، كالأمن البحري، ومنع اندلاع الصراعات، والوساطة والمصالحة، وإدارة الأزمات، والجريمة عبر الوطنية، ومكافحة الإرهاب، وكذلك الأمن الإلكتروني “السيبراني”؛ ذلك أن الكيفية التي يمكن من خلالها أن تقوم الدبلوماسية الوقائية للاتحاد الأوروبي في مجالات الأمن غير التقليدية، تساعد في تعزيز الأمن بمنطقة جنوب إفريقيا، ولا سيمَّا بعد أن باتت الصين تسيطر على معظم المنافذ البحرية.
انقسام الاتحاد الأوروبي
كشفت مطالبة الصين المتعلقة بمعايير بحر الصين الجنوبي عن بروزها كـ”القوة الصلبة” في جنوب شرق آسيا، ذلك أن السبب الذي يجعل الاتحاد الأوروبي لا يظهر الكثير من القوة الصلبة تجاه البلدان الآسيوية، هو افتقاره إلى سياسة دفاعية مشتركة، حتى بالنسبة لأوروبا. ففي الخامس والعشرين من ديسمبر 2018، وقَّع 25 دولة فقط من دول الاتحاد الأوروبي على اتفاقية دفاعية لتمويل القوات المسلحة وتطويرها ونشرها معًا. لكن المشكلة الأوسع نطاقًا، وفقًا لما يقول “فريدريك موغيريني”، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، تكمن في أن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى استراتيجية تقوم على رؤيةٍ مشتركةٍ ووحدةِ هدف بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وكذلك وحدة في التحرك عبر الاتحاد الأوروبي. وهناك سياسات قسمت مواقف الاتحاد الأوروبي في آسيا، ذلك أن التداخل غير المسبوق لمبيعات الأسلحة، والمصالح الاستراتيجية التاريخية، وبحر جنوب الصين والتجارة ، يكشف عن السبب الحقيقي وراء ذلك.
فمن ناحية تسعى الدول الـ28 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى الاعتماد على سياساتها الثنائية في آسيا، لأن مشاركة أوروبا مع آسيا في الغالب تُعدُّ حاصلة لمجموع الأنشطة المختلفة دول الاتحاد الأوروبي منفردة. ومن ناحية ثانية، تُعدُّ ستة بلدان في الاتحاد الأوروبي من بين أكبر عشر دول تصديرًا للأسلحة في العالم. لكنهم لا يُعدون الموردين الرئيسيين للأسلحة للدول الآسيوية؛ فألمانيا تصدِّر الأسلحة إلى كوريا الجنوبية، أكبر المشترين منها، والمملكة المتحدة وهولندا تصدران إلى إندونيسيا. لكن إندونيسيا لا تُعدُّ أكبر مورد أسلحة بريطانية أو هولندية، وحتى الصين والهند لا تُعدان المشتريين الرئيسيين للمنتجات الفرنسية. وعلى الرغم من كل ذلك، لا يمكن لهذه الدول الأوروبية المُصَدِّرة للأسلحة أن تساهم كثيرًا في الحفاظ على توازن القوى في آسيا، سواء بشكل فردي أو جماعي. ومن ناحية ثالثة، فإن من بين دول الاتحاد الأوروبي، نجد أن فرنسا وبريطانيا لهما مصلحة أمنية، تاريخيًا، ووجود تاريخي أيضًا في المحيطين الهندي والهادئ. فمنذ عام 2014، تقوم البحرية الفرنسية بدوريات متتابعة في بحر الصين الجنوبي، وتواصل تكثيف عملياتها في المنطقة. وعلى الرغم من انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، فإن المملكة المتحدة تركز بشكلٍ أساسيٍ على إقامة علاقاتٍ تجاريةٍ جديدةٍ. لكنها تهدف أيضًا إلى تعزيز وجودها الدبلوماسي والبحري في منطقة جنوب شرق آسيا؛ ففي سبتمبر 2018، أبحرت سفينةٌ حربيةٌ بريطانيةٌ عبر جزر “باراسيل”، حيث تسيطر الصين على الجزر التي تطالب بها كلٌّ من فيتنام وتايوان. وعلى المدى الطويل، سيكون أي تعاون بحري بريطاني – فرنسي في بحر الصين الجنوبي محصورًا على المستوى الثنائي؛ لأن دول الاتحاد الأوروبي الأخرى لا تتشارك في مصالحها الاستراتيجية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
ومن ناحية رابعة، فإن موقف الاتحاد الأوروبي من بحر الصين الجنوبي، يعكس الانقسامات الواقعة بين الدول الأعضاء فيه؛ إذ يريد الاتحاد دعم “قانون البحار” وتشجيع التسوية السلمية للنزاعات البحرية. ومع ذلك، فقد كان غموض موقف “بروكسيل” تجاه المحكمة الجنائية الدولية واضحًا في يوليو 2016، عندما حكمت إحدى المحاكم في محكمة التحكيم الدائمة في “لاهاي” ضد الصين في نزاعها مع الفلبين بشأن جزء من بحر الصين الجنوبي، وقد ردَّ عليه الاتحاد الأوروبي بأنه “ملتزم بالحفاظ على النظام القانوني الخاص بالبحار والمحيطات”، وهو البيان الذي رحبت به الصين، فجاءت افتتاحية صحيفة “جلوبال تايمز” التابعة للدولة ما نصه “تقريبًا كل أوروبا تتخذ موقفًا محايدًا”.
ومع ذلك، فإن ثلاثًا من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهي المجر واليونان وكرواتيا، لم تكن محايدة، ما يسلط الضوء على الانقسام في السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، وعارضت المجر واليونان وكرواتيا، التي رحبت بإدانة الصين. فبعد يومٍ واحدٍ من بيان الاتحاد الأوروبي، نشرت المجر بيانًا خاصًا بها جاء به أن موقف الصين يجب أن يقوم على تسوية النزاعات “من خلال المفاوضات المباشرة”.
ومن ناحية خامسة، فإن الأولويات الأمنية للاتحاد الأوروبي بآسيا، تركزت في الأمن الداخلي والنزاع الداخلي والتنمية الاقتصادية. لكن المشكلة الأمنية الرئيسية بالنسبة لدول جنوب شرق آسيا تمثلت في علاقاتها الدولية مع الصين. وبشكل أكثر عمومية، فإن الأولوية بالنسبة للاتحاد الأوروبي تتمثل في التجارة، ذلك أن أي انطباع حول تصريحات الاتحاد بشأن الأمن الإقليمي لدول جنوب شرق آسيا، التي تعتبر جميعها أضعف اقتصاديًا وعسكريًا مقارنة بالصين، أمر يستحق النقاش.
وحتى عندما يتعلق الأمر بأولويات التجارة، فإن الاتحاد الأوروبي لا يُعدُّ الشريك الرئيسي بالنسبة لدول جنوب شرق آسيا؛ فعلى المستوى الإقليمي، تعتبر تجارة الاتحاد الأوروبي مع الآسيان محدودة مقارنة بتجارة الصين. ففي عام 2017، بلغ حجم التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي ودول المنطقة 257.4 مليار دولار أميركي، وبلغ حجم التجارة الصينية مع الآسيان في نفس العام نحو 514.8 مليار دولار، فضلاً عن ذلك، فإن العلاقات التجارية القوية للصين مع الآسيان قد زادت من حدة تفوقها على الاتحاد الأوروبي.
أمَّا على المستوى الثنائي، فتكفي الإشارة إلى أربع من دول رابطة دول جنوب شرق آسيا للتأكيد على أن الاتحاد الأوروبي بعيد تمامًا عن أن يكون شريكًا تجاريًا رئيسيًا. ويأتي نحو 65% من واردات سنغافورة، وهي شريك تجاري حر بالنسبة للاتحاد الأوروبي من آسيا، و18% فقط من أوروبا، وكذلك يذهب نحو 75% من صادرات سنغافورة إلى البلدان الآسيوية.
وتظهر مؤشرات مماثلة بشأن العلاقات التجارية للاتحاد الأوروبي مع دول أخرى بمنطقة جنوب شرق آسيا؛ فعلى سبيل المثال: تحصل كمبوديا، وهي على صدام مع الاتحاد الأوروبي بشأن حقوق الإنسان، على 93% من وارداتها من آسيا، و4.7% من أوروبا. كما يتم إرسال 57% من صادرات كمبوديا إلى الأميركتين وآسيا، و41% إلى أوروبا.
وتعدُّ آسيا وجهة لنحو 84% من صادرات ميانمار، وهي دولة آسيوية أخرى يُدينها الاتحاد الأوروبي على خلفية سجلها في مجال حقوق الإنسان؛ إذ يتم توجيه 11% إلى أوروبا، في حين أن 88% من وارداتها تأتي من آسيا، و5.7% من أوروبا. بجانب ذلك، تقع إندونيسيا عند التقاء المحيطين الهندي والهادئ، إذ تعتبر نفسها نقطة ارتكاز بحرية عالمية؛ ذلك أن الدول الآسيوية تتلقى 70% من صادراتها، في حين تتلقى أوروبا 12%، ويأتي 72% من واردات إندونيسيا من آسيا، و10% من أوروبا.
أخيرًا، يتزايد النفوذ الاقتصادي والعسكري للصين في آسيا وخارجها؛ فلا يزال من المتعين على الاتحاد الأوروبي المزدهر، ولكن المنقسم، أن يتوافق على سياسة خارجية وأن يضع استراتيجيةً دفاعيةً مشتركةً، مع منح الأولوية للتكامل والتجارة مع الصين، ثم إن “بروكسيل” لن تلعب دورًا أمنيًا بارزًا في جنوب شرق آسيا في المستقبل المنظور.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: IPP Review
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر