سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
جود ديفيرمونت
إن ما يحدث في نيجيريا يهم – بالطبع – الولايات المتحدة والمجتمع الدولي؛ ذلك أنه من المستحيل تحقيق الأهداف الاستراتيجية للمجتمع الدولي في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، من دون تحقيق حالة من السلم والازدهار والديمقراطية في نيجيريا، التي يتوقع أن يصل عدد سكانها نحو 411 مليون نسمة بحلول عام 2050، متخطية بذلك الولايات المتحدة بنحو 20 مليون نسمة.
ويعدُّ الاقتصاد النيجيري هو الأكبر في القارة الإفريقية، إذ يجتذب اهتمام المستثمرين الأجانب ومديري الصناديق الذين يبحثون عن فترة استرخاء من الاضطرابات الأخيرة في الأسواق الناشئة. كما أنها حليف ثابت للولايات المتحدة، إذ توافق على أصوات مجلس الأمن الدولي المثيرة للجدل، وتُوجَّه إليها الدعوات من البيت الأبيض منذ إدارة كلينتون – وهو تميز لا يُمنح لأي بلد آخر في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
ومع ذلك، إذا فشلت نيجيريا في الإصلاح والتصدي للتحديات الكبرى التي تواجهها، فإنها ستشكل خطرًا على الأمن الإقليمي والعالمي. فلديها القدرة على التأثير في جميع منطقة غرب إفريقيا، كذلك لديها إمكانية أن تغرق جيرانها بآلاف اللاجئين والمهاجرين العائدين إلى أوطانهم. ففي الثمانينيات، على سبيل المثال، تسببت نيجيريا في أزمة إقليمية عندما قامت السلطات بطرد مئتي ألف من الغانيين بعد انهيار قطاع النفط فيها. ومن ثَمَّ، إذا تفاقمت المشاكل الحالية في نيجيريا، فإنها ستدفع في اتجاه نشر التطرف، وتعطيل إنتاج النفط، وكذلك تقويض اقتصادات المنطقة، وذلك من منطلق مكانتها القارية المحورية.
وهنا يثار السؤال: لماذا يتوقع أن تلقى الانتخابات المقبلة في 2019 اهتمامًا محدودًا من أصحاب المصلحة الدوليين؟
الملاحظ على التجربة الديمقراطية ومسارها العام في نيجيريا، أنها بعيدة تمامًا عن الأمان، فالواقع يشير إلى أن الانتخابات الأخيرة تؤكد هشاشة التجربة الديمقراطية في نيجيريا. فقد حدد معهد الولايات المتحدة للسلام، عدة دول مرشحة للعنف الانتخابي، ومن بينها منطقة “دلتا النيجر” الغنية بالنفط؛ حيث يبدي الفاعلون السياسيون سلوكًا ينذر بالخطر واللاديمقراطية. فعلى سبيل المثال، شهدت الانتخابات الأخيرة عملية شراء كبيرة للأصوات، أدانها المفوض السامي للمملكة المتحدة ووصفها بأنها “سيئة تمامًا”. وخلال الانتخابات الأخيرة التي شهدها إقليم “أوسون” في شهر سبتمبر الماضي، قام الحزب الحاكم بنشر 40 ألف من قوات الشرطة في مناورة ينظر لها على نطاق واسع أنها غير متناسبة، بل وهدفت للتضييق على ناخبي المعارضة.
وبطبيعة الحال، فإن الانتخابات تدور حول أكثر من مجرد اتجاهات ديمقراطية؛ فبغض النظر عمَّن سيفوز في فبراير المقبل، سيكون لدى الرئيس القادم قائمة مهمة ومرهقة من المهام التي تفرض نفسها عليه. فنيجيريا تكافح من أجل هزيمة حركة “بوكو حرام” وتنظيم “داعش” الإرهابي في منطقة غرب إفريقيا، حيث لا يزال هاتان الحركتان تسيطران على عدد من النيجيريين منذ 2018. كما أن نيجيريا تعاني واحدة من أشد الأزمات الإنسانية في العالم؛ حيث يحتاج نحو 7.7 مليون شخص للمساعدة، فضلاً عن وجود حوالي 1.7 مليون نازح داخلي.
إضافة إلى ذلك، لا يزال اقتصاد نيجيريا يعاني هزات عنيفة. فقد أشار البنك الدولي، أخيرًا، إلى أن معدلات النمو كانت بطيئة جدًا نتيجة تعطل إنتاج النفط وتقلص القطاع الزراعي. ومن ثَمَّ سيتعين على الرئيس القادم مواجهة هذه التحديات، والعمل على إطلاق القدرات الكامنة لنيجيريا كقوة اقتصادية، بالإضافة إلى تعزيز قطاع التكنولوجيا الذي شهد قدرًا من الازدهار بما فيه من طفرة في مجال صناعة الأفلام الغزيرة تحت مسمى “نوليوود” Nollywood.
يقدم كلٌّ من الرئيس محمد بوخاري، وخصمه أتيك أبو بكر، رؤى مختلفة جدًا للمجتمع النيجيري. “بوخاري”، وهو رئيس عسكري سابق، يتحدث عن حملة لمناهضة الفساد، لكنه يتباطأ في تنفيذ القرارات التي يتخذها، كما أنه يتشبث بنهج حكومي للسياسات النقدية، وهو ما يفزع المستثمرين الأجانب. أمَّا أبو بكر، وهو نائب سابق للرئيس، فلديه مزاعم كبيرة حول مواجهة الفساد، لكنه يواجه اضطرابًا حينما يتعلق الأمر بالشبكات التجارية والسياسية. وعلى ذلك، فإن النيجيريين لديهم صعوبة في قراراتهم بشأن الاختيار، ذلك أن لتصويتهم القدرة على تدعيم التجربة الديمقراطية وتشكيل مستقبل بلادهم.
يتعين على أصحاب المصلحة في المجتمع الدولي، تركيز اهتمامهم في هذا الصدد، فعلى أقل تقدير هناك دليل عملي يمكن التعويل عليه، ألا وهو الانتخابات التي أجريت عام 2015، حيث كانت لدى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي مخاوف من تكرار العنف والتلاعب بالنتائج التي شابت الانتخابات في 2003 و2007 و2011. وقد زار وزير الخارجية الأميركي جون كيري، نيجيريا، وبث الرئيس السابق باراك أوباما رسالة مرئية (فيديو) دعا فيها للتدخل من أجل انتخابات حرة ونزيهة وسلمية. كما هدد المسؤولون الأميركيون بفرض قيود على منح التأشيرات للنيجيريين. وقد ساهمت هذه الجهود في دعم أول انتقال ديمقراطي في التاريخ النيجيري.
كذلك ينبغي للمجتمع الدولي أخذ مثل تلك الإجراءات في الحسبان، بالإضافة إلى التوسع في استخدام أساليب جديدة وتوسيع نطاق ارتباطاته. وهذا ما يوجب على الجهات الدبلوماسية الاهتمام بصناعة السينما في نيجيريا، والتطور الفني، وخاصة في المجال الموسيقي، وكذلك يمكن الاستعانة بنجوم كرة القدم النيجيريين المحترفين دوليًا وإقناعهم بالتصويت في صالح هذه القضية. كذلك هناك دور للفضاء الإلكتروني، حيث وافقت شركة فيسبوك Facebookأخيرًا، على العمل مع مؤسستي “إي إف بي”، و”أفريكا تشيك” AFP and Africa Check، وهما مؤسستان مستقلتان تعملان في مجال التحقيقات والفحص الخاص بمكافحة المعلومات المضللة. ومن ثَمَّ ينبغي أن تعمل شركات التكنولوجيا مع المجتمع المدني للاستفادة من البيانات ووسائل التواصل الاجتماعي لضمان إجراء انتخابات موثوق بها.
تجدر الإشارة إلى أنه بعد الانتخابات النيجيرية الأخيرة كان الشاغل الأهم هو كيفية حشد وتوجيه المواطنين الذين كانوا يصرون على الإدلاء بأصواتهم. أخيرًا، ففي عالم تتراجع فيه الديمقراطية، فإن التزام نيجيريا بالقيم الديمقراطية يجعل هذه الانتخابات تستحق المزيد من الاهتمام.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر