سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
أحمد عسكر
يمثل الصراع الدائر في إثيوبيا عاملًا حاكمًا لمسار العلاقات الأميركية- الإريترية منذ اندلاعه في نوفمبر 2020، والتي تشهد توترًا ملحوظًا إثر قيام وزارة الخزانة الأميركية بفرض عقوبات، في 12 نوفمبر الفائت (2021)، ضد أربعة كيانات رسمية إريترية واثنيْن من المسئولين الإريتريين على خلفية اتهامات بتورط القوات العسكرية الإريترية في الحرب الإثيوبية وضلوعها في عمليات نهب واعتداءات جنسية وقتل المدنيين ومنع وصول المساعدات الإنسانية للمتضررين في شمال إثيوبيا، الأمر الذي يعكس تطورًا جديدًا في الموقف الأميركي تجاه الصراع الإثيوبي، ربما تبني عليه واشنطن ترتيبات جديدة حول مستقبل التوازنات الإقليمية في منطقة القرن الإفريقي، وإعادة تأسيس علاقاتها مع الأنظمة الحاكمة هناك لاسيما النظام الإريتري في المرحلة المقبلة.
فعقب النجاح في توقيع اتفاق السلام بين إثيوبيا وإريتريا في عام 2018، زادت التوقعات حول إعادة انخراط أسمرة في تفاعلات النظام الدولي من جديد، وإعادة إحياء العلاقات مع القوى الدولية الفاعلة في المنطقة لاسيما الولايات المتحدة الأميركية التي شاركت في فرض مجلس الأمن الدولي حزمة من العقوبات ضد أسمرة في عام 2009. وقد عززت واشنطن هذا الاتجاه بزيارة بعض مسئوليها إلى أسمرة خلال عام 2018، والسماح بتمرير قرار أممي برفع العقوبات الأممية عن إريتريا في نوفمبر من العام نفسه. إلا أن اندلاع الصراع في إثيوبيا وتورط قوات الدفاع الإريترية في هذا الصراع الذي يدخل عامه الثاني وسط سياق أمني وإنساني مفعم بالأزمات المتفاقمة في مناطق الصراع خاصة في إقليم تيجراي شمالي إثيوبيا، شكل تحولًا في طبيعة العلاقات بين واشنطن وأسمرة، وهو ما برز في تورط النظام الإريتري الذي يواجه حاليًّا عقوبات أميركية جديدة مستمدة من القرار التنفيذي للرئيس الأميركي جو بايدن، الصادر في سبتمبر 2021، والذي يمهد الطريق لفرض المزيد من العقوبات ضد الأطراف المتورطة في الحرب الإثيوبية، وهو ما أسهم في العودة إلى المربع الأول بالنسبة للعلاقات الأميركية- الإريترية.
تتضمن تلك العقوبات الأميركية قرارًا بحظر جميع الممتلكات والمصالح الخاصة بالكيانات الإريترية في الولايات المتحدة، وتتمثل هذه الكيانات في:
1- قوات الدفاع الإريترية EDF (الجيش الإريتري): وتنتشر عند الحدود المشتركة مع شمال إثيوبيا، وثمة تقارير دولية تدينها بالتورط في أعمال نهب واعتداءات جنسية وقتل المدنيين وعرقلة المساعدات الإنسانية. وقد تم فرض العقوبة عليها لكونها كيانًا حكوميًا انخرط في أنشطة من شأنها تأجيج الصراع الدائر في إثيوبيا وعرقلة جهود إحلال السلام في البلاد.
2- الجبهة الشعبية الديمقراطية (الحزب الحاكم في إريتريا): والذي يترأسه الرئيس أسياس أفورقي، وهو الحليف الرئيسي لنظام آبي أحمد في الصراع الدائر في البلاد.
3- شركة حيدري ترست: وهى شركة قابضة تضم كافة مؤسسات الأعمال التابعة للحزب الحاكم في إريتريا، وتم تأسيسها في عام 1994. وتعد كيانًا سياسيًّا وأداة تخضع للحكومة الإريترية والحزب الحاكم وتوفر الدعم المالي واللوجستي للقوات المتورطة في الصراع ضد إقليم تيجراي.
4- شركة البحر الأحمر للتجارة: تدير الممتلكات والمصالح المالية للحزب الحاكم في إريتريا، وتعمل كممول للحكومة، وتوفر المساعدة في مجال تكنولوجيا المعلومات، وتم فرض عقوبات عليها كونها يسيطر عليها هاغوس غبريهويت.
5- أبرهة كاسا نيماريام (كاسا): وهو رئيس مكتب الأمن الوطني الإريتري، كما أنه مسئول تنفيذي كبير في الحزب الحاكم الإريتري، وكان مسئولًا عن الأنشطة القتالية للقوات الإريترية المنخرطة في الصراع الإثيوبي منذ اندلاعه في نوفمبر 2020.
6- هاغوس غبريهويت وكيدان: وهو المستشار الاقتصادي للحزب الحاكم الإريتري، والرئيس التنفيذي لشركة البحر الأحمر للتجارة، وما تمثله من أداة اقتصادية داعمة للقوات الإريترية والإثيوبية في الصراع الدائر.
وقد رفضت أسمرة هذه العقوبات الأميركية، واعتبرت أن واشنطن تواصل سياستها العدائية والمضللة ضدها. كما وصفت وزارة الخارجية الإريترية العقوبات الأميركية بأنها غير مشروعة وغير أخلاقية، وتتعارض مع القانون الدولي، وتشكل انتهاكًا صارخًا لسيادة الشعب الإريتري، حيث ادعت أن الهدف منها هو إلحاق المعاناة بالشعب الإريتري، وإحداث اضطرابات سياسية وأمنية في البلاد، فضلًا عن عرقلة الجهود الإقليمية التي تسعى لتعزيز الاستقرار المستدام في القرن الأفريقي بشكل عام وفي إثيوبيا بشكل خاص.
وتزداد تخوفات نظام الرئيس أفورقي من تداعيات تكرار تجربة العقوبات الأميركية ضد بلاده، والتي قد تتسبب مجددًا في عزلة إقليمية ودولية تنعكس بالسلب على التحركات الإقليمية لإريتريا على الصعيدين الإقليمي والدولي، لاسيما في ضوء صعوبة الأوضاع السياسية والاقتصادية في الداخل الإريتري خلال السنوات الماضية، الأمر الذي قد يدفع أفورقي إلى الرد على واشنطن بسبب الإقدام على تلك الخطوة من خلال التقارب مع بعض الأطراف الدولية الفاعلة مثل الصين، في سياق رغبته في وجود حليف دولي قوي يوازن النفوذ الأميركي في المنطقة، حيث وقعت إريتريا مع الصين مذكرة تفاهم في 25 نوفمبر الفائت حول مبادرة الحزام والطريق الصينية، وهو ما تعتبره بكين فرصة جيدة لحصد المزيد من المكاسب الاستراتيجية التي تعزز نفوذها في القرن الإفريقي والبحر الأحمر على حساب النفوذ الأميركي.
كما عبَّر طرفا الصراع الإثيوبي الدائر عن موقفيهما من العقوبات الأميركية ضد أسمرة، فقد نددت الحكومة الإثيوبية بهذا القرار الأميركي، انطلاقًا من اعتقاد راسخ لديها بأن الحكومة الإريترية تمارس حقها في صد المخاطر التي تمثلها جبهة تحرير تيجراي بالنسبة للسلامة الإقليمية للدولة الإريترية وأمنها القومي. كما أكدت أديس أبابا أنها لم تقدم أي شكوى للمجتمع الدولي بشأن الوجود العسكري الإريتري داخل الأراضي الإثيوبية دفاعًا عن سلامتها الإقليمية، خاصة أن القوات الإريترية قد انسحبت من الصراع في أواخر يونيو الماضي، وأنها أضحت لا تشكل عائقًا أمام السلام المستدام في البلاد. لذلك، دعت الحكومة الإثيوبية الإدارة الأميركية إلى إلغاء العقوبات الأميركية المفروضة على إريتريا، واتخاذ إجراءات متصاعدة ضد جبهة تحرير تيجراي التي تعتبرها السبب الرئيسي في زعزعة استقرار إثيوبيا والقرن الإفريقي وقد يعكس الموقف الإثيوبي المؤيد لإريتريا حرص آبي أحمد على الحفاظ على حليفه الرئيسي أفورقي كورقة رابحة يمكنه أن يستغلها ويوظفها خلال المرحلة المقبلة في حالة احتدام الصراع الإثيوبي ربما لفتح جبهة قتالية جديدة في إقليم تيجراي تعمل على تعطيل تقدم قوات دفاع تيجراي الاستراتيجي نحو العاصمة أديس أبابا.
بينما رحبت جبهة تحرير تيجراي بالعقوبات الأميركية التي فُرضت على إريتريا، واعتبرتها خطوة إيجابية في سبيل تخفيف الأعباء على جبهة تحرير تيجراي، مما يعكس ارتياح الجبهة بشأن تحييد طرف رئيسي في الصراع الدائر، بما يعني أن آبي سيظل وحيدًا في هذه الحرب، خاصة في ظل التوقع بعدم مجازفة أفورقي بالانخراط مجددًا في الصراع خشية التصعيد الأميركي بعقوبات إضافية جديدة قد تطال مزيدًا من المؤسسات والمسئولين الإريتريين.
ثمة عدد من الدوافع التي حرَّكت واشنطن لتوقيع عقوبات ضد إريتريا بسبب دورها في الحرب الإثيوبية، ويتمثل أبرزها في:
1- إريتريا شريك رئيسي في الحرب الإثيوبية: تَعتبر واشنطن النظام الإريتري حليفًا إقليميًّا أساسيًّا لآبي أحمد في الصراع الإثيوبي من خلال تقديم الدعم له والاصطفاف ورائه بهدف القضاء على جبهة تحرير تيجراي التي تمثل عدوًّا رئيسيًّا لكل من آبي أحمد وأسياس أفورقي.
2- اتهامات بانتهاكات لحقوق الإنسان: تواجه القوات العسكرية الإريترية اتهامات بارتكاب انتهاكات عديدة لحقوق الإنسان، فضلًا عن التورط في سلسلة من عمليات القتل والسلب والنهب والانتهاكات الجنسية في إقليم تيجراي، الأمر الذي أسفر عن تفاقم الأوضاع الإنسانية، وتزايد موجات النزوح واللجوء إلى مناطق أخرى ودول مجاورة.
3- المخاوف من تفاقم الصراع: فهناك قلق أميركي من استمرار الوجود العسكري الإريتري في إثيوبيا، وما يعنيه من إطالة أمد الصراع في البلاد، فضلًا عن كونه يشكل عقبة أمام وقف أعمال القتال، مما يهدد سلامة وأمن الدولة الإثيوبية التي تثير المزيد من القلق الدولي باعتبارها ركيزة أساسية في منطقة القرن الأفريقي، وانعكاسات ذلك على زعزعة الاستقرار الإقليمي هناك.
4- ضمان وقف الدعم الخارجي: تحاول واشنطن من خلال هذا القرار تحييد الجانب الإريتري في هذا الصراع رغبة منها في تجفيف منابع الدعم اللوجستي والعسكري والمادي التي تغذي الصراع الإثيوبي، وذلك من خلال إضعاف الأجهزة الاقتصادية للنظام الإريتري لكى يتوقف عن توريط قواته العسكرية في الصراع. وربما يدفع ذلك أفورقي نحو التراجع ومطالبة آبي أحمد بإيجاد تسوية للأزمة خلال الفترة المقبلة، في مقابل تخفيف الضغوط الأميركية وإلغاء تلك العقوبات المفروضة على إريتريا.
5- ممارسة الضغط على القوى المنخرطة في الأزمة: من خلال تكثيف الجهود الإقليمية والدولية التي تضطلع بها المؤسسات الدولية والإقليمية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، فضلًا عن المبعوث الأميركي الخاص للقرن الإفريقي، والمبعوث الإفريقي الخاص من قبل الاتحاد الإفريقي، بهدف إنهاء القتال والمضى قدمًا نحو تسوية للصراع.
6- تحييد بعض حلفاء آبي أحمد: تبدو واشنطن عازمة على تضييق الخناق والضغط على آبي أحمد من أجل تقديم بعض التنازلات والرضوخ للمطالبات بوقف إطلاق النار وإيجاد تسوية للصراع بالحلول السياسية، على نحو يزيد من اعتقاد أديس أبابا بانحياز واشنطن لصالح جبهة تحرير تيجراي على حساب النظام الحاكم، وهو ما نفاه المبعوث الأميركي الخاص للقرن الإفريقي جيفري فليتمان، الذي قال أن واشنطن تقف على مسافة واحدة من كافة الأطراف المتورطة في الصراع، وأنها ترفض الحل العسكري في هذا الصراع، الأمر الذي ربما يعكس رسالة طمأنة -تحديدًا لنظام آبي أحمد- حول تدخل أميركي محتمل في الصراع حال تفاقمه لمستوى متأزم قد يصل إلى سقوط العاصمة في يد قوات دفاع تيجراي خلال الأيام القليلة المقبلة.
7- رسالة تحذيرية للأطراف الخارجية: ربما تبعث واشنطن من خلال تلك العقوبات برسالة واضحة إلى طرفي الصراع وبعض الأطراف الإقليمية والدولية التي تتورط في دعم الطرفين عسكريًّا ولوجستيًّا بفرض عقوبات مماثلة، رغبة منها في وضع حد نهائي لهذا الصراع الذي دخل عامه الثاني دون أى تقدم بشأن الوصول إلى تسوية شاملة.
إجمالًا، يتصادم الطموح الإقليمي للرئيس أفورقي الذي يعتبره البعض أنه المدبر الرئيسي لهذا الصراع مع التصعيد الأميركي بقرار العقوبات الأميركية الذي يعكس إدراكًا أميركيًا واضحًا بدور سلبي يلعبه أفورقي في الصراع الإثيوبي الجاري، مما يؤكد الرؤية الأميركية إزاء أفورقي على أنه ليس الحليف الإقليمي الذي يمكن الوثوق به لقيادة المنطقة بدلًا من إثيوبيا، لاسيما أن إريتريا تفتقر إلى المقومات التي تجعلها قوة إقليمية فاعلة في المنطقة، خاصة أنها تعاني العديد من الأزمات على كافة المستويات داخليًّا، كما أن الولايات المتحدة تعتبر أن سياسات أفورقي ورَّطت القرن الإفريقي في أزمات عدة خلال العقود الماضية. ومن ثم؛ ربما تتصاعد الخلافات بين أسمرة وواشنطن خلال الفترة المقبلة خاصة فيما يتعلق بالرؤى حول مستقبل الصراع الإثيوبي، وحول الموقف من جبهة تحرير تيجراي في المشهد السياسي الإثيوبي خلال الفترة المقبلة، الأمر الذي يستبعد معه أي تقارب محتمل في المدى القريب بين الطرفين، خاصة مع احتمال حدوث تصعيد أميركي محتمل قد يشمل إريتريا بسبب إصرار أطراف الصراع الإثيوبي على تحقيق أهدافها بالقوة العسكرية، مما يهدد أركان حكم أفورقي مستقبلًا.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر