لماذا جاء لافروف إلى الخليج | مركز سمت للدراسات

لماذا جاء لافروف إلى الخليج

التاريخ والوقت : الخميس, 7 سبتمبر 2017

د. تامر هاشم

 

أعلن سيرجي لافروف وزير خارجية روسيا الاتحادية، في إيجاز صحفي في ختام زيارته إلى الكويت، اليوم الإثنين 28 أغسطس 2017، أن لموسكو والكويت مواقف متقاربة أو حتى متطابقة بشأن أهم القضايا الإقليمية المتعلقة بسوريا وليبيا واليمن والوضع حول قطر، وأضاف: “نحن مستعدون للمساهمة في ذلك بنشاط بشكل يناسب جميع الأطراف”. وأضاف الوزير الروسي: “ندعم مبادرة الكويت، ولا نريد أن ننافس أحدا، ولدينا علاقات جيدة مع كل الدول التي باتت في هذا الوضع الصعب”. وتأتي تلك التصريحات في إطار زيارة يقوم بها لافروف للعديد من الدول الخليجية يهدف من ورائها لتسويق الدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط.
لماذا جاء لافروف إلى المنطقة في هذا الوقت؟ وماذا يمكن لروسيا تقديمه أكثر مما قدمته كل من الكويت والولايات المتحدة لحل الأزمة الخليجية؟ وهل هناك ارتباط بين تلك الزيارة وبين لقاء نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل بالرئيس الروسي بوتن في سوتشي؟
إجابة هذه الأسئلة ترتبط بتطورات الملف السوري والدور الإيراني هناك وهذا ما يسعى التحليل التالي لتوضيحه.
بداية تعد سوريا أهم موطئ قدم للنفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط وفق تصورات الرئيس بوتن، الذي يضع على رأس أولوياته الآن التوسع في قدرات القوات البحرية الروسية حيث يعتبرها محور أهداف فترة رئاسته الثالثة، حيث يرى أنه يمكن خلق نواة لقوة بحرية ضاربة ومؤثرة في البحر المتوسط من خلال ربط ميناء طرطوس السوري الذي به آخر القواعد العسكرية الروسية في البحر المتوسط، بميناء سبستوبل حيث يقع مقر أسطول البحر الأسود الروسي. ناهيك بما يحمله هذا الربط من استثمارات اقتصادية مهمة للاقتصاد الروسي في مجالات المعادن والنفط والغاز والفحم الحجري والنحاس،
بالنسبة لروسيا تعد مدينة طرطوس بالغة الأهمية بعد خروج ليبيا من دائرة النفوذ الروسي إثر إسقاط نظام معمر القذافي والتي (ليبيا) تعد جوهرية في أي استراتيجية لتطويق أوروبا من الجنوب. كذلك الحال بعد إجهاض واشنطن مساعي بوتن للتقارب ائتلاف سيريزا (اليسار الراديكالي) اليوناني في العام 2015 أبان ذروة الأزمة اليونانية.

الجدير بالذكر أن هناك خطوات روسية قوية ومتسارعة من أجل تنفيذ استراتيجيتها الجديدة في البحر المتوسط، فمن جانب تنفق بسخاء على تعزيز نفوذها في البحر الأسود من خلال عمليات لبناء سلسلة من الجسور والكباري بطول 19 كيلو لربط شبه جزيرة القرم بباقي الأراضي الروسية، من المتوقع إتمام بناء الجسر قبل انتهاء عام 2018. ومن الجانب الآخر تبذل جهودا سياسية وعسكرية حثيثة من أجل أن تُوجد في دمشق نظاما سياسيا يؤمن القاعدة العسكرية الروسية في طرطوس، غير عابئة بما يفرض عليها من عقوبات أمريكية وأوروبية.
الا أن أي مراقب للأحداث في سوريا سيلاحظ بالتأكيد أن التغير في هيكل القوة على الأرض يقلق روسيا ويؤثر على دورها هناك وهذا يعود لعدد من العوامل نوجزها في التالي: –
أهم عامل بالنسبة للروس هو وصول النفوذ الأمريكي إلى هناك، فقد نجح الرئيس ترامب بالفعل في تضليل الروس وإيهامهم بعلاقات السلام والتعاون وفوجئوا به موجودا كطرف فاعل على الأراضي السورية من خلال إمساك واشنطن بملف الأكراد هناك. فواشنطن تعتبر وحدات حماية الشعب الكردية YPG الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديموقراطي الكردي PYD الحليف الذي يمكن الاعتماد عليه على الأراضي السورية، نظرا لكونها من أقوى الفصائل المحاربة تأثيرا في سوريا؛ خاصة بعد تمكن تلك القوات من انتزاع عشرات المدن السورية من يد داعش. وقد بدأت العلاقات الأمريكية الكردية تتوطد بشكل كبير بعد الانتصار الذي حققوه العام الماضي في مدينة عين العرب كوباني، ذلك الانتصار الذي تم بتنسيق مباشر بين القيادات الكردية والأمريكية في العمليات الجوية والأرضية، ويُلخص هنري باركي -المحلل السابق للخارجية الأمريكية والمحلل السياسي لمركز ويلسون للدراسات – طبيعة العلاقة بين أمريكا ووحدات حماية الشعب الكردية YPG في تلك العبارة: “لقد أصبحت أمريكا تمثل القوة الجوية لـ YPG، وأصبحت الـ YPG تمثل القوات الأرضية لأمريكا في سوريا”.
هذا التطور يدل على أنه أصبح للولايات المتحدة أجندة خاصة في سوريا لم تتضح كامل معالمها حتى الآن، لكن يأتي على رأس أولــوياتها بالتأكيد احتواء النفوذ الروسي في البحر المتوسط واستمرار هيمنة الأسطول السادس الأمريكي على أهم ممر ملاحي.

العامل الثاني هو حجم التمدد الإيراني الذي وصل لمرحلة لم تعد مقبولة إقليميا او دوليا. فإيران تحتفظ بوجود عسكري مؤثر في سوريا عن طريق فيلق القدس التابع للحرس الثوري والذي يقوده قاسم سليماني، هذا الفيلق يعمل على الأرض السورية بتنسيق مع وحدة الاستخبارات بالحرس الثوري الإيراني وبدعم من وزارة الاستخبارات والوزارات والأجهزة الإيرانية المعنية الأخرى. في نفس الوقت الذي تمثل فيه تلك القوات النواة التي يستمر تدفق المقاتلين عليها من أفغانستان ولبنان والعراق وإيران. وأصبح الوجود الإيراني في سوريا يمتد من محيط مطار دمشق الدولي، والسفارة الإيرانية في دمشق، وصولا إلى موقع على جبل قاسيون وفي محيط قصر الشعب الرئاسي. ويعتمد فيلق القدس في نقل شحنات المساعدات العسكرية جوا وبحرا، على الهلال الأحمر الإيراني بنفس الطريقة التي سبق لإيران أن اعتمدتها في لبنان والسودان واليمن. كما أنها تمكنت خلال السنوات الماضية من نقل كميات كبيرة من الأجهزة العسكرية المطورة بحرا تحت غطاء توريدات تجارية، عبر شركات مرتبطة بالمؤسسة الوطنية الإيرانية للنقل البحري “IRISL”.

ووفق تقارير استخباراتية غربية فإن التواجد العسكري الإيراني قد أخذ بعدا جديدا من خلال بدء طهران في تشييد البنية التحتية لصناعات عسكرية تابعة لها في سوريا ولبنان، بما في ذلك مصانع لإنتاج صواريخ بعيدة المدى، إضافة إلى ورش للتجميع وتفريغ الشحنات العسكرية القادمة من إيران وذلك في مجمعات عسكرية إيرانية على الساحل شمال غربي سوريا. ولم يقف النفوذ الإيراني عند حدود سوريا ولكنه ممتد أيضا إلى جنوب لبنان من خلال حزب الله الذي – لا ينكر هذا التعاون – إلى غزة التي أعلن أحد قادة حركة حماس لbbc بأن إيران هي أكبر داعم لكتائب القسام.

مجمل ما سبق يؤكد على أن إيران جاءت إلى سوريا ليس لمساعدة نظام الأسد ولكنها جاءت كقوة احتلال لها أجندتها الخاصة تخدم طموحاتها التوسعية. فهي مهتمة بمفاقمة الانقسامات الطائفية في سوريا لكي يصبح نظام الأسد دولة تابعة لطهران لا يمكنه اتخاذ قرارات مستقلة، والدليل على ذلك اتفاق حزب الله والنظام السوري مع مقاتلي داعش في نهاية شهر أغسطس على نقل مقاتلي داعش وأسرهم من الحدود اللبنانية السورية إلى الحدود العراقية السورية دون أدنى تنسيق مع الحكومة العراقية أو باقي القوى الفاعلة على الأرض. كل ذلك يؤكد أن الأوضاع في دمشق قد بدأت تميل لصالح طهران على حساب موسكو، بمعنى آخر يمكن القول إن إيران قد نجحت بالفعل في استغلال سياسة النأي بالنفس التي التزمت بها إدارة أوباما، والتدخل العسكري الروسي المحدود والعاجز عن تحقيق السيطرة الكاملة على الأرض، في بناء هيكل نفوذ قوى يجعلها حاضرة في أية تسوية تطال ملفات الشرق الأوسط.

هذا الوضع بالتأكيد لا تقبله إسرائيل التي عبرت عنه بشكل مباشر من خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى روسيا في نهاية الشهر الماضي، للقاء الرئيس فلاديمير بوتين في مدينة سوتشي، والتي اصطحب فيها رئيس الموساد، ومستشار الأمن القومي، سعيا منه لعرض معلومات أمنية موثقة لإقناع بوتين بالمخاوف الإسرائيلية بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب سوريا، والتخوف من سماح الاتفاق، الذي ترعاه روسيا والولايات المتحدة، بترسيخ الوجود الإيراني في هذا البلد. لقد تحدث نتنياهو مع بوتن عن تهديدات فعلية للأمن القومي الإسرائيلي وهو يعلم جيدا عن عجز الأخير عن لجم السلوك الإيراني. فهل كان المقصود إطلاع الروس على إمكانية توجيه إسرائيل لسلسلة ضربات جوية لمواقع إيرانية في سوريا أو جنوب لبنان أو غزة ومطلوب من موسكو أن تغض الطرف عنها كما فعلت روسيا سابقا مع ضرب إسرائيل لمواقع لحزب الله؟
العامل الثالث والأخير هو طبيعة العلاقات الروسية الإيرانية نفسها. فجوهر العلاقات الإيرانية الروسية هو الشك وعدم الثقة حيث كان النظام الإيراني الحاكم يعتبر الولايات المتحدة الشيطان الأكبر، والاتحاد السوفيتي الشيطان الأصغر، ولم يبدأ التعاون بينهما إلا بعد وصول الرئيس بوتين الى الكرملين ورفضه للهيمنة الأمريكية. هنا حدث الاتفاق الروسي الإيراني لمواجهة الهيمنة الأمريكية. بالتأكيد لا ترغب موسكو في إيران نووية أو أن تمتلك برنامجا صاروخيا متطورا، ولكنها ترغب فقط في أن تمتلك إيران قدرا من القوة ما يؤهلها لعرقلة المشاريع الأمريكية في الشرق الأوسط هذا من جانب، من جانب آخر فان وجود مصلحة مشتركة بين الدولتين لا يعني وجود استراتيجية مشتركة تجمعهما، ففي الوقت الذي تعمل فيه روسيا على توسيع مجال نفوذها على الساحة الدولية، واستعادة مكانتها، بتوظيف منطقة الشرق الأوسط ككل (بما فيها إيران) ضمن استراتيجياتها، فإن إيران تسعى إلى توسيع مجال نفوذها إقليميا على حساب باقي القوى الفاعلة على الأرض، وتحديدا في المنطقة العربية، وهو ما يعتبر سببا مباشرا للشك وعدم الثقة ومدعاة للخلاف بينهما. الا أن سياسة ضبط النفس من جانب الروس وغض الطرف على السلوكيات الإيرانية المثيرة للجدل في الشرق الأوسط يعود للدور الذي تلعبه طهران لصالح روسيا في منطقة بحر قزوين، حيث تعد إيران – جارة روسيا على بحر قزوين – مجالا حيويا لمصالح موسكو من الناحية الجيوسياسية هناك، حيث إنها تقع في وسط “قوس الأزمات” الشهير، وتضمن العلاقات المتينة مع طهران لروسيا الحماية من الأدوار الخفية التي تلعبها الولايات المتحدة هناك، وتساعدها إلى درجة ما في التحصن ضد وصول “الإرهاب” والمخدرات وغيرها من الأخطار الآتية من الجنوب. فموسكو لا تمتلك القدرات لا العسكرية والاقتصادية التي تمكنها من مجاراة الحركة الأمريكية على كامل الحدود الروسية بمفردها.

العوامل الثلاثة السابقة شكلت الدافع للزيارات التي قام بها وزير الخارجية الروسي لدول الخليج والتي هدفت في الأساس لإعادة تفعيل الدور الخليجي في الملف السوري من أجل موازنة الدور الإيراني هناك. ورغم ان عنوان الزيارة المساهمة في حلحلة الأزمة الخليجية، إلا أن إعلان لافروف من قطر أنه لا يحمل مبادرة روسية مختلفة عن المساعي الكويتية والأمريكية ويفضل الحل في إطار مجلس التعاون الخليجي، يدل على أن هناك هدفا آخر يرتبط بالجولة القادمة من المفاوضات بشأن تسوية الأزمة السورية.

وقد عبرت الإمارات بقوة عن الرؤية الخليجية الحكيمة للحل في سوريا حين أعلن سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي في المؤتمر الصحفي مع وزير خارجية روسيا لافروف “أنه تم بحث تطورات الأوضاع في اليمن وسوريا وليبيا” وأكد سموه “أنه لكي تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه في سوريا، فإن الحل يتضمن جزءين، الأول حل سياسي في سوريا والآخر يتمثل في خروج أطراف تحاول أن تقلل من هيبة وسيادة الدولة السورية”، وقال: «هنا أتحدث بصراحة وبوضوح عن كل من إيران وتركيا». وقال سموه: «إذا استمرت إيران وتركيا بالأسلوب نفسه والنظرة التاريخية أو الاستعمارية أو التنافسية بينهما في شؤون وقضايا عربية سنستمر في هذا الوضع سواء الآن في سوريا أو في دول أخرى بعد ذلك».

أكاديمي وباحث في العلوم السياسية*

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر