لماذا تعدُّ الانتخابات العامة هي السبيل الوحيد لبريكست؟ | مركز سمت للدراسات

لماذا تعدُّ الانتخابات العامة هي السبيل الوحيد لبريكست؟

التاريخ والوقت : الأحد, 9 ديسمبر 2018

توم كيباسي

 

مع كل يوم يمضي، فإن احتمال فوز الحكومة في التصويت يصبح ذات مغزى أعمق بالنسبة لرئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي. فقد انتشرت الكثير من الآراء حول فكرة أنه إذا خسرت الحكومة التصويت في المرة الأولى، فربَّما تحاول تمريره مرة ثانية. ويعتبر هذا السيناريو ممكنًا فقط إذا كان التصويت في المدى المنظور. لكن في حالة الخسارة، فإن صفقة “ماي” سوف تنتهي نهائيًا. إذًا: ماذا يحدث بعد ذلك؟

إن الخيارات تتجه نحو التضيق، فكما أكد بنك إنجلترا أخيرًا، فإن شعار “لا صفقة” إنما هو بمثابة الخدعة السياسية، ذلك أنه سيضر الاقتصاد الوطني بشكل أكثر عمقًا مقارنة بالانهيار المالي الذي حدث قبل عشر سنوات، فأسعار المنازل ستنخفض، وسيتراجع سعر الجنيه الاسترليني، كما سيرتفع التضخم. وفي هذا الحالة، فمن غير المتوقع أن يقوم سياسي مسؤول، ولا حتى رئيس الوزراء، بإيقاع مثل هذا الضرر بلا داعٍ على مواطنيهم. ومن غير المعقول – أيضًا – أن يرفض البرلمان اتفاق “ماي” خلال شهر ديسمبر، وأن يقضي أربعة أشهر في انتظار حدوث الكارثة، وذلك مع مواجهة البلاد إمكانية حدوث نقص في الغذاء والدواء، إذ ربَّما يكون هناك توترات اجتماعية.

وهو ما يقودنا إلى البديل أو الخطة (ب)؛ ذلك أنه من الواضح أن الاتحاد الأوروبي لن يعيد التفاوض على الاتفاق الخاص بالانسحاب مع هذه الحكومة، كما أنه ضرب من الخيال المحض أن نتصور أن الاتحاد سيعترف بأهم هدف تفاوضي له وهو ضمان عدم وجود حدود على أيرلندا. فأي احتمال لإعادة التفاوض من شأنها أن تقتصر على الإعلان السياسي، ويجب أن تكون في اتجاه واحد، أي نحو علاقة اقتصادية أوثق، مع المزيد من الحقوق والمزيد من الالتزامات أيضًا. ونتيجة لذلك، فإن هناك جدل متنامٍ بالمملكة المتحدة حول “النموذج النرويجي” الخاص بالمشاركة في السوق الموحدة من خلال المنطقة الاقتصادية الأوروبية إلى جانب الاتحاد الجمركي، المعروف بـ”EEA+” بالرغم من رفض رئيس الوزراء مرارًا وتكرارًا لهذا الأمر.

لكن المشكلة تكمن في عدم وجود تفويض لهذا الخيار؛ لكن البقاء في الاتحاد الاوروبي لم يكن مطروحا في استفتاء عام 2016، وهو ما لم يكن يرضي لا الراغبين في الاتحاد أو الداعين إلى الخروج منه وهو الترتيب الذي من المستبعد أن يترتب عليه استقرار من الناحية السياسية. كما أنه سيكون من غير المقبول ديمقراطيًا أن يخضع لقواعد الاتحاد الأوروبي دون أن يكون له أي رأي بشأنها ولا قدرة على الاعتراض. بالإضافة إلى ذلك، فإن أحد أوجه الخطر يكمن في أن المملكة المتحدة ستخرج من المنطقة الاقتصادية الأوروبية في عام 2020، وهو ما من شأنه أن يزعزع استقرار الاتحاد، بالتوازي مع مساعي إسكتلندا على وجه الخصوص إلى الاستقلال كسبيل للانضمام الكامل إلى الاتحاد الأوروبي.

علاوة على ذلك، وبالنظر إلى الثغرة الهائلة التي تعتري عملية التنفيذ، فإنه من المتعين على أعضاء الجماعة الاقتصادية الأوروبية اعتماد أنظمة سوقية موحدة، إلا أنه لا توجد آلية لضمان القيام بذلك؛ فمن غير المرجح أن يقبل الاتحاد الأوروبي المملكة المتحدة في تلك المنطقة الاقتصادية الأوروبية. وبدلاً من ذلك، من المرجح أنهم سيقدمون نموذجًا مشابهًا لحالة النرويج، ولكن بشروط أكثر صرامة، مما يجعله غير جذاب بالنسبة لمؤيدي الانسحاب من الاتحاد وبخاصة أولئك الأكثر اعتدالًا. ومع الإعلان السياسي المصاحب لاتفاق الانسحاب الذي يفتقر إلى القوة القانونية (بمعنى أنه يمكن تخريبه من قبل حركة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي خلال الفترة الانتقالية)، فإنه من غير المحتمل أن يحصل على أغلبية في البرلمان.

وفي حالة رفض اتفاق “ماي”، فإن خيار “لا صفقة” يمثل كارثة، كما أن الخطة البديلة (ب) لا يمكن الوثوق بها، ويبقى السؤال: ما هو المخرج؟ لقد ناقش العديد من النشطاء فكرة إجراء استفتاء ثانٍ كحل بديل. ولكن هناك مشكلتان رئيستان يجب التغلب عليهما. أولًا، من غير الواضح ما إذا كان هناك أغلبية في البرلمان لتمرير التشريع من أجل سحب أو توسيع الفصل 50 وتنظيم الاستفتاء. لكن إذا ما خسرت الحكومة في هذا التصويت الذي ينطوي على مغزى مهم، فإنه سوف ينقلب الأمر على مؤيدي الاستفتاء، لكن الأرقام التي تؤكد ذلك ليست موجودة في الوقت الراهن. ثانيًا، ليس من الواضح أن الاستفتاء يمكن أن يحل المشكلة البرلمانية. فإذا تمَّ دعم اتفاق “ماي” في استفتاء، فهل سيكون الحزب الاتحادي الديمقراطي مستعدًا للتصويت له على الرغم من احتمال وجود حدود على الجبهة الأيرلندية؟ وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن هذا استفتاء، فهل سيكون النواب مستعدين للتصويت نظرًا لما ينطوي على عواقب خطيرة ؟ ومن ثَمَّ، فإن هذا الطريق ليس المسلك البسيط الذي يدعي البعض أنه سيكون عليه وقتها.

إن ما سبق يفسر كيف أن الانتخابات العامة تعدُّ هي الحل الأنسب بالنسبة للمشكلة البرلمانية. ففي حين أن المملكة المتحدة ليس لديها دستور مكتوب، إلا أن لديها بعض المبادئ الدستورية الواضحة. فإذا لم تكن الحكومة قادرة على الحكم، فعندئذ يجب إمَّا تشكيل حكومة جديدة من الأعضاء الحاليين، أو إجراء انتخابات جديدة. ذلك أن قانون “البرلمانات الثابتة” هو نفسه يمثل عائقًا أيضًا، لكنه ليس عائقًا مطلقًا. فالانتخابات العامة ستكون أكثر ملاءمة من الناحية الدستورية، حيث تسمح بمجموعة خيارات أكثر دقة من الخيار المزدوج المتضمن للاستفتاء. إذ يمكن للأطراف المختلفة تحديد أهدافها وما ستفعله في ظل سيناريوهات مختلفة، مما يسمح للجمهور بأن يكون له قول أكثر وضوحًا.

ومن المؤكد أن الانتخابات العامة ستشكل تحديات كبيرة لكلا الحزبين الرئيسيين، مع التزام كل منهما بتمديد المادة 50، حيث لم يستطع المحافظون تبني وتقديم عرض خروج بريطانيا القوي (بريكسيت)؛ وبوجود أغلبية كبيرة من أعضائهم والناخبين الملتزمين بمغادرة الاتحاد الأوروبي، فإنهم سيضطرون إلى تبني عملية الخروج “بريكسيت”، أو ربَّما حتى بدون صفقة منظمة. ونتيجة لحالة الحذر من استعداء مؤيدي الخروج، فمن المرجح أن يعد حزب العمل باحترام استفتاء عام 2016 من خلال التفاوض حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكنهم يختلفون حول صيغة المحافظين من خلال وعدهم بإجراء استفتاء على الصفقة النهائية مع البقاء كخيار في ورقة الاقتراع. إذا هُزِم اقتراح الثقة وتمَّ تجنب إجراء انتخابات عامة، فإن فرصة إجراء استفتاء ثانٍ سوف تتنامى إلى حد بعيد.

وإذا حدث ذلك، فسيكون الاستفتاء الثاني هو الملاذ الأخير لحكومة غير قادرة على الحكم، لكنها مصممة على التمسك بزمام السلطة. وقتها سيعرف الناس أن الممارسة كلها قد أجبرتهم على فشل قادتهم السياسيين. فالغضب الشعبي سيرتفع بالتأكيد. وبغض النظر عما سيحدث بعد ذلك، ستشهد الأشهر القادمة أزمة مستمرة، وحالة مشتتة تدعو إلى المزيد من الانفصال.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: الجارديان البريطانية

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر