سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
منير بن وبر
أصدرت منظمةُ “هيومن رايتس ووتش”، مؤخرًا، تقريرًا يتضمن تفاصيل أعمال العنف والإرهاب في مالي خلال عام 2019. ووفقًا للتقرير، فإن مالي تعرضت لأكثر الهجمات فتكًا في مارس 2019، وقع ضحيتها ما لا يقل عن 150 مدنيًّا في قرية أوجوساجو، وارتكبها أفراد ميليشيا “الدوجون”، وتعتبر أسوأ عمل وحشي في تاريخ مالي الحديث ارتكِب لأسباب طائفية. وأشار التقرير إلى مقتل ما لا يقلّ عن 400 مدني في حوادثِ عنفٍ طائفي في وسط وشمال مالي، وفرار أكثر من 85,000 مدني من منازلهم. وعلى مدار العام، تدهورت حالة حقوق الإنسان في الدولة.
تعمل الجماعاتُ المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش، جنبًا إلى جنب، للسيطرة على الأراضي في منطقة شاسعة من غرب أفريقيا، ما أثار مخاوف من احتمال تطور التهديد الإقليمي إلى أزمة عالمية. وقد استخدم المسلحون تكتيكاتٍ متطورة بشكل متزايد في الأشهر الأخيرة، حيث توغلوا في عمق مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو.
وردًّا على التهديد المتزايد بالعنف، جدَّد رؤساء ما يُسمى بمجموعة دول الساحل الأفريقي الخمس، خلال قمة استمرت يومًا واحدًا الشهر الماضي، عزمهم على مواصلة جهودهم لمكافحة الإرهاب. وقد شكَّلت هذه الدول – بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر- إطارًا مؤسسيًا لتعزيزِ الروابط بين التنمية الاقتصادية والأمن.
في يناير من هذا العام، وضع رؤساء دول مجموعة دول الساحل الخمس، وفرنسا، إطارًا جديدًا لتوسيع العمليات العسكرية ضد إرهاب الجماعات الإسلامية في منطقة الساحل. وقد أصبح الإطارُ الجديد ضروريًّا ليس فقط بسبب الزيادة الهائلة في النشاط الإرهابي في المنطقة، ولكن أيضًا بسبب خطط البنتاجون لتقليص الوجود العسكري والاستخباراتي الأمريكي في غرب أفريقيا.
وفي عام 2019، احتلت مالي المرتبة 13 في مؤشر الإرهاب العالمي، ما يجعلها الدولة الأكثر تضرًر بين دول الساحل الخمس، يليها النيجر في المرتبة 23 وبوركينا فاسو في المرتبة 27. ولم تعانِ بوركينا فاسو حوادث إرهابية ومتطرفة، قبل أبريل 2015، ولكن منذ ذلك التاريخ وحتى أكتوبر 2016، شهدت قرابة عشرين هجومًا. وكانت تلك بداية سلسلةٍ من الهجمات التي ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا.
كان من أكثر الهجمات جرأة محاصرة فندق فخم في يناير 2016، ما أسفر عن مقتل 30 شخصًا في العاصمة واغادوغو. نفَّذ الهجوم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وتصاعدتِ الهجماتُ إلى مستوى خطير في بوركينا فاسو في عام 2016 لدرجةِ أنها اضطرت إلى إخطار الأمم المتحدة، بأنها ستقوم بسحب جنودها الذين نشرتهم كقوات لحفظ السلام في دارفور، السودان، من أجل تعزيز الأمن في بلادهم. وقال وزير الخارجية ألفا باري في شهر مايو “نحتاج بشدة إلى جنود متمرسين في المعارك ورجال ذوي خبرة، رجال كانوا في الميدان”. وأضاف “لذلك فإن القوات التي ستأتي من دارفور ستكون ذات أهمية كبيرة لتأمين حدودنا”.
تقع بوركينا فاسو على خط المواجهة في حركة تمرد جهادية تتقدم في منطقة الساحل. ومنذ عام 2015، قُتل حوالي 750 شخصًا وأُجبر نحو 600,000 شخص على ترك منازلهم. ووفقًا للأمم المتحدة، فإن تدهور الوضع الأمني في بوركينا فاسو جعل الدولة واحدة من “أسرع الأزمات الإنسانية نموًا في أفريقيا”. ووقعت آخر الهجمات العنيفة في 17 فبراير 2020، حيث هاجمت مجموعة من “الإرهابيين المسلحين” مجهولي الهوية كنيسة بروتستانتية في بانسي، شمال بوركينا فاسو. وأسفر الهجوم عن مقتل 24 شخصًا وجرح 18 آخرين.
ووفقًا لإحصائيات الأمم المتحدة، قُتل قرابة 4,000 شخص في هجمات جهادية في بوركينا فاسو ومالي والنيجر المجاورتين العام الماضي. وعلاوة على ذلك، تتعمد بعضُ الجماعات الإسلامية استهداف المدارس والمعلمين، تاركة مئات الآلاف من الأطفال دون الحصول على التعليم، ما يعرِّض جيلًا كاملًا للأمية والفقر والتطرف.
وقد تصاعدت إراقة الدماء رغم وجود الآلاف من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة التي تضم الدول المتضررة وفرنسا. وقال الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني الذي ترأس القمة الأخيرة لمجموعة دول الساحل الخمس “إن منطقة الساحل تتطلب أكثر من أي وقتٍ مضى اهتمامًا متزايدًا ومنسقًا من دول المنطقة والمجتمع الدولي لوقف دوامة العنف”
ورغم “الإحباطات” بين قادة دول المجموعة، قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان للقمة “لا يمكننا إنكار المساحات التي غطيناها منذ عام 2014”. وأضاف أن فرنسا تعتبر الاجتماع الذي عقد في العاصمة الموريتانية محطة رئيسة في تنفيذ القرارات التي اتخذت في القمة التي عقدت بينها وبين مجموعة دول الساحل في يناير.
في هذا الصدد، قالت مسؤولة رفيعة المستوى في الأمم المتحدة لأعضاء مجلس الأمن الدولي في نوفمبر الماضي إنه مع تفاقم الوضع الأمني في منطقة الساحل الأفريقي، تحتاج القوة المشتركة لدول المنطقة، أكثر من أي وقت مضى، إلى تلقي الدعم من المجتمع الدولي. وأضافت أن “القوة المشتركة وحدها لا تستطيع تأمين الساحل. هناك الكثيرُ للقيام به لمنع زيادة تدهور الوضع”.
وتُعتبر موريتانيا وتشاد مثالين للتعاون الإقليمي والدولي الفعال في مكافحة الإرهاب والتطرف، بالإضافة إلى التدابير الوقائية. والجدير بالذكر أن موريتانيا كانت من أوائل الدول في المنطقة التي تستفيد من برامج بناء قدرات الشركاء التي تقدمها القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم). وشاركت بصورةٍ مبكرة ومحورية في “الشراكة المعنية بمكافحة الإرهاب عبر الصحراء الكبرى” التي أطلقتها الولايات المتحدة. ولعبت تشاد دورًا قويًا في العمليات العسكرية في البلدان المجاورة. وواصلت حكومة تشاد مشاركتها النشطة في الدورات التدريبية لمكافحة الإرهاب في عام 2018. كما واصلت الشرطةُ الوطنية التشادية السعي نحو الحصول على تدريب الحكومة الأمريكية في مجال التحقيقات، والتعامل مع الأزمات وأمن الحدود.
وختامًا، يمكن القول إن دول الساحل هي دولٌ شريكة وقادرة على حفظ الأمن، إذا تم تمكينها من ذلك. وهي تعاني في الوقت الحاضر نقصَ التمويل، ونقص المعدات، وعدم كفاية التدريب. ومن شأن قيام المجتمع الدولي الآن بالاستثمار وتقديم يد العون إلى هذه الدول أن يوفر المال وينقذ الأرواح في نهاية المطاف.
المصدر: qposts
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر