مضى أكثر من ثلاثة عشر عاماً على آخر انتخاباتٍ أجراها الفلسطينيون. بيد أن المستجدّات الأخيرة قد تُتيح فرصةً لتنظيم انتخابات جديدة لاختيار أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني.
في كانون الأول/ديسمبر الماضي، قررت المحكمة الدستورية العليا بأنه يجوز لرئيس السلطة الفلسطينية حلّ المجلس التشريعي القائم الذي لايزاول نشاطه منذ العام 2007. وفي أواخر كانون الثاني/يناير، قدّم رئيس الوزراء رامي حمدالله استقالة حكومته. وفي حين أن هذين التطورَين هما بصورة أساسية من نتائج الصراع السياسي الراهن بين الرئيس محمود عباس وحركة حماس، إلا أنهما يُتيحان فرصة للفلسطينيين بغية إجراء انتخابات لاختيار مجلس تشريعي جديد، والشروع في استعادة الشرعية الديمقراطية لمؤسساتهم الحاكِمة بعدما شهدت تراجعاً في الأعوام الأخيرة. إنما ثمة عوائق كثيرة تعترض طريق الانتخابات الجديدة، وليست الآفاق محسومةً على الإطلاق.
أجرت السلطة الفلسطينية أربع دورات انتخابية وطنية منذ إنشائها في العام 1994 بموجب اتفاقات أوسلو – دورتَين لانتخاب رئيس في العام 1996 ثم في العام 2005، ودورتَين لانتخاب المجلس التشريعي في العام 1996 ثم في العام 2006. وقد استنتج المراقبون الدوليون عموماً أن تلك الانتخابات كانت حرّة ونزية. غير أن انتخابات المجلس التشريعي في العام 2006 أسفرت عن فوز قائمة حماس وأطلقت سلسلة من الأحداث التي أدّت إلى الانقسام الراهن بين غزة الخاضعة إلى سيطرة حماس وبين الضفة الغربية الواقعة تحت سيطرة منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح. وبعد سيطرة حماس بالقوة على السلطة في غزة في العام 2007، لم يتمكَن المجلس التشريعي الخاضع لسيطرة حماس من تحقيق النصاب المطلوب للانعقاد، وعليه يمارس عباس الحكم بموجب مرسوم منذ ذلك الوقت.
احتدم الخلاف بين عباس وحماس في الأشهر الأخيرة. كان الهدف من القرار الصادر عن المحكمة الدستورية الذي يُجيز حل المجلس التشريعي، شأنه في ذلك شأن استقالة حمدالله، إضعاف حماس وتعزيز مكانة فتح. وقد أراد عباس، على وجه الخصوص، إلغاء إمكانية تسلُّم الرئيس الراهن للمجلس التشريعي، وهو عضو في حركة حماس، السلطة خلفاً له وفق مندرجات القانون الأساسي الفلسطيني. فعند حلّ المجلس التشريعي، لايعود هناك خلفٌ معيَّن للرئيس، وبالتالي يصبح هذا القرار فعلياً في أيدي منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة فتح. فضلاً عن ذلك، كانت لدى عباس رغبةٌ شديدة في إنهاء عهد حكومة المصالحة الوطنية برئاسة حمدالله، والتي أبصرت النور نتيجة اتفاقات بين حماس وفتح.
لقد أعلن عباس التزامه بالقرار الصادر عن المحكمة الدستورية، والذي دعا إلى إجراء انتخابات جديدة لاختيار المجلس التشريعي في غضون ستة أشهر. كذلك أبدت اللجنة المركزية في حركة فتح موافقتها على الدعوة إلى تنظيم انتخابات جديدة. غير أن إحدى المشكلات التي سيواجهها عباس هي احتمال أن تحاول حماس تعطيل جولة جديدة من الاقتراع. فقد تمكّنت، في السابق، من استخدام سيطرتها على غزة لمنع إجراء انتخابات في القطاع، بحيث لم يبقَ أمام عباس سوى الخيار غير المحبَّذ بالاكتفاء بتنظيم عملية اقتراع في الضفة الغربية فقط، ماأدّى إلى تأجيج الانقسام بين الضفة الغربية وغزة.
لطالما كان ذلك سبباً في إفشال مساعي الرئيس الفلسطيني. لكن في غياب أي آفاق حقيقية تُبشّر بانتهاء الانقسام، قد يكون عباس مستعداً في الوقت الراهن للمضي قدماً بتنظيم انتخابات في الضفة الغربية فقط بغية التصدّي لحركة حماس. فقليلٌ من الديمقراطية في هذه المرحلة قد يكون أفضل من لاشيء على الإطلاق.
وسوف يكون على الفلسطينيين أيضاً أن يتحسبوا إلى عقبات إسرائيلية تحول دون إجراء عملية الاقتراع. وعلى وجه التحديد، لطالما كان اقتراع الفلسطينيين في القدس الشرقية مسألةً سجالية. لقد نصّت اتفاقات أوسلو على قيام أبناء القدس الشرقية بالتصويت في مكاتب بريدية إسرائيلية معيّنة في المدينة، وسمحت الحكومات الإسرائيلية بهذا التدبير خلال جميع الانتخابات الفلسطينية السابقة. بيد أن السياسة الإسرائيلية تحوّلت إلى درجة كبيرة نحو اليمين منذ العام 2006، وليس واضحاً ما إذا كانت الحكومة الراهنة (أو الحكومة التي قد تنبثق عن الانتخابات الإسرائيلية في نيسان/أبريل) ستسمح بذلك من جديد.
وقد تُبدي إسرائيل اعتراضها أيضاً في حال سُمِح لحركة حماس أو تنظيمات أخرى تعتبرها إرهابية بخوض حملاتها الانتخابية بِحُرية. لقد اشترط عباس دائماً إشراك القدس الشرقية في الاقتراع من أجل إجراء الانتخابات، وهو لن يتخلّى عن موقفه الآن. لكن في حال رفضت إسرائيل الترتيبات السابقة المتعلقة بالتصويت، على الفلسطينيين أن ينظروا في إمكانية الاقتراع عبر الإنترنت، أو في بدائل أخرى، وألا يسمحوا لإسرائيل بممارسة سلطة الفيتو على الانتخابات. في السابق، أدّت الولايات المتحدة دوراً مفيداً في تهدئة المخاوف الإسرائيلية بشأن الانتخابات الفلسطينية، لكن من غير المرجّح أن تُقدّم إدارة ترامب مساعدة كبيرة في هذا المجال في المرحلة الراهنة. قد يتمكّن الاتحاد الأوروبي وأطراف أخرى من ملء الفراغ.
لعل العائق المحتمل الأكثر أهمية أمام الانتخابات الجديدة يتمثّل في انحسار المساحة المتاحة أمام النشاط السياسي داخل السلطة الفلسطينية بحد ذاتها. فمنذ الانتخابات الأخيرة للمجلس التشريعي، أصبحت الساحة السياسية الفلسطينية أشدّ قمعية، وأقل انفتاحاً على حرية التعبير، وأكثر مقاومةً للمجموعات السياسية الجديدة أو المنظمات غير الحكومية التي ترفع تحدّياً في وجه الأفرقاء القائمين. يجب أن تتغيّر هذه الأجواء كي تُقدّم انتخابات المجلس التشريعي مساهمةً مُجدية للديمقراطية الفلسطينية. ولهذه الغاية، يتعيّن على عباس أن يَضمَن قدرة جميع المجموعات السياسية على خوض حملاتها الانتخابية بحُرّية، وأن يسمح للمراقبين الدوليين ووسائل الإعلام الدولية بتثبيت نزاهة العملية الانتخابية.
الانتخابات التي تعاني من الشوائب هي أسوأ من عدم تنظيم انتخابات. ففيما يتخبّط الفلسطينيون في مواجهة آفاق قاتمة لتسوية نزاعهم مع إسرائيل، سيحتاجون إلى مؤسسات سياسية قوية وشرعية لدفع حركتهم الوطنية قدماً في المرحلة المقبلة. بإمكان الانتخابات توليد هذه الشرعية الديمقراطية، إنما شرط أن تكون حرّة ونزيهة بكل معنى الكلمة.