سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
جيمس هامبلين
في لحظة تاريخية، خلال أحلك أيام جائحة فيروس كورونا المستجد، صوّتت لجنة استشارية تابعة لإدارة الغذاء والدواء “إف.دي.إيه”، لصالح الترخيص بأول لقاح ضد الفيروس، ومن المتوقع أن يبدأ التنفيذ الرسمي لهذه التوصية، والتي من شأنها أن تسمح بإعطاء اللقاح لأي شخص يبلغ من العمر ١٦ عامًا أو أكثر، قريبًا.
ويمثل هذا بداية مرحلة جديدة تبعث على الأمل في أزمة قتلت ما يقرب من ٣٠٠ ألف أميركي وتسببت فى انهيار اقتصادي واسع النطاق، وبعد أن تحملت عدد وفيات أكثر من أي دولة أخرى، صنعت الولايات المتحدة مئات الآلاف من الجرعات تحسبًا لهذه اللحظة، حيث يجب أن تكون اللقاحات متاحة لبعض الأميركيين، الأسبوع المقبل، مع إعطاء الجرعات للعاملين في مجال الرعاية الصحية وكبار السن الأكثر عُرضة لخطر الإصابة بمضاعفات خطيرة من كوفيد-١٩.
ويعد هذا اللقاح نتاجًا للتعاون بين شركتي الأدوية فايزر وبايونتيك، اللتين كانتا تنسقان مع المنظمين منذ بدء تطوير اللقاح قبل أشهر، وفي اجتماع بالفيديو، السبت، للخبراء المستقلين الذين تم تكليفهم بتقييم سلامة وفعالية اللقاح، أعربت اللجنة عن ثقتها الغامرة، مع اعتراض بعض الأعضاء أو امتناعهم عن التصويت بسبب تحديد عمر من يمكنهم أخذ اللقاح.
فيما قدم مسؤولو إدارة الغذاء والدواء الأميركية دعمًا مماثلًا، وقال نائب مدير الإدارة في مكتب أبحاث ومراجعة اللقاحات، دوران فينك: “تجرى إدارة الغذاء والدواء مراجعة مستمرة لجودة التصنيع والتحكم، وقد وجدنا هذا اللقاح مناسبًا لدعمنا ولذا وافقنا على الاستخدام الطارئ”.
وسيتم توزيع اللقاح بموجب ترخيص استخدام الطوارئ، والذي يعد المسار السريع لاستخدام الأدوية التي لا تزال قيد الاختبار بسبب ظروف معينة، وفي هذه الحالة وجود جائحة تودي بحياة أكثر من ٢٠٠٠ أميركي كل يوم، ولإصدار مثل هذه التراخيص، فإن معايير الـ”إف.دي.إيه” تتطلب وجود أدلة “معقولة” على أن اللقاح فعّال، وأن “الفوائد المعروفة والمحتملة تفوق المخاطر المعروفة والمحتملة”. ويقول رئيس قسم الأمراض المعدية في جامعة ولاية نيويورك أبستيت، والذي عمل أيضًا كمشرف رئيسي في التجارب السريرية، ستيفن توماس: “كان تصويت اليوم بمثابة خطوة مهمة في جلب سلاح آخر لمحاربة كوفيد-١٩، ومع ذلك، فإنه لا يزال لدينا مهمة تقديم هذا اللقاح إلى الناس وكسب ثقتهم حتى يشاركوا في عملية التطعيم، فاللقاحات نفسها لا تنقذ الأرواح، بل التطعيم هو الذي يقوم بذلك”.
فلا يعنى التفويض الجديد بالضرورة أن اللقاح سيحصل في النهاية على الموافقة والترخيص من قبل الـ”إف.دي.إيه” إلى أجل غير مسمى، بل ستستمر شركة فايزر فى المرحلة الثالثة من التجارب السريرية العشوائية بمشاركة ٤٣.٤٤٨ شخصًا لتقييم سلامة اللقاح وفاعليته، وحتى الآن، أظهرت النتائج، التي نُشرت في مجلة “ذا نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسين” أن اللقاح فعّال بنسبة ٩٥٪ فى حماية البالغين، وهو ما فاق التوقعات بشكل كبير، فخلال الصيف، قال طبيب الأمراض المعدية الرائد في الولايات المتحدة، أنتوني فاوتشي، إن ٥٠٪ لـ٦٠٪ ستكون مقبولة.
وحتى الآن، أظهر اللقاح عددًا قليلاً جدًا فقط من الآثار الجانبية الخطيرة، حيث يعاني العديد من الأشخاص من أعراض خفيفة تشبه أعراض الإنفلونزا، تستمر يومًا أو يومين، ويبقى أن نرى إلى متى ستستمر هذه المناعة، وذلك نظرًا لأن التجارب السريرية لشركة فايزر قد بدأت مؤخرًا نسبيًا، وفي هذه المرحلة يمكن أن تظهر فقط أن المناعة تستمر لمدة شهرين، لكن من المتوقع على نطاق واسع أن تستمر المناعة لفترة أطول، وستستمر الشركة في مراقبة المشاركين بالتجارب لمعرفة ما إذا كانت الحماية ستبدأ في التضاؤل ومتى. وبافتراض أن اللقاح يظل آمنًا وأن المناعة تستمر، فإنه يمكن اعتبار اليوم بداية لنهاية طويلة للوباء، وتعتمد المدة التى ستستغرقها هذه النهاية بالضبط على التغلب على بعض العقبات الكبيرة والأسئلة المفتوحة، فقد أخبرني جيسون شوارتز، الذي يدرس تطوير اللقاح في كلية ييل للصحة العامة، أن التقدم المحرز حتى الآن “أقرب إلى أفضل سيناريو كنا نأمل في الوصول إليه عندما بدأت أبحاث اللقاح في وقت سابق من هذا العام”. ومع ذلك فهو يقول “إن تحديات برنامج التطعيم الذي سيبدأ فى الأيام القليلة المقبلة، لا تقل أهمية عن التحديات العلمية التي كان يجب التغلب عليها لتطوير اللقاحات بهذه السرعة، فمن المحتمل أن نواجه طريقًا وعرًا للغاية في الأشهر المقبلة”.
وسيكون الهدف الرئيسي لمسؤولي الصحة العامة في تلك الفترة هو كسب ثقة الجمهور بعناية وشفافية، حيث تعتمد فاعلية اللقاح في النهاية على عدد الأميركيين الذين سيستخدمونه، وذلك في ظل انتشار الشكوك حوله، ففي سبتمبر الماضي، أظهر استطلاع للرأي أن ٦٢٪ من الأميركيين يشعرون بالقلق من أن إدارة “الرئيس الأميركي دونالد ترمب” تسرع إدارة الغذاء والدواء للموافقة على لقاح، وقد تم تبرير بعض المخاوف بشأن قيادة السياسة للعلم خلال الوباء عندما أصدرت الـ”إف.دي.إيه” تصريحًا باستخدام الطوارئ لعقار هيدروكسي كلوروكين كعلاج لكوفيد-١٩، ثم ألغته لاحقًا بسبب نقص الأدلة.
ولكن يمكن تهدئة المخاوف الخاصة باللقاحات تدريجيًا حينما يُظهر الأطباء والممرضات ثقتهم من خلال تلقيهم التطعيم، وذلك بجانب تلقي شخصيات عامة بارزة، مثل الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن وترمب للقاح أيضًا.
ومع ذلك، فإنه لا تزال هناك العديد من الأسئلة المشروعة دون إجابة، وأهم هذه الأسئلة هو ما إذا كان اللقاح يمنع العدوى، أم يمنع أعراض العدوى، وبعبارة أخرى، هل من الممكن أن تتم العدوى بعد تلقي التطعيم؟ وتتضمن الأسئلة الأخرى التأثيرات المحتملة للعمر أو الحمل أو الحالات المزمنة أو العدوى السابقة على سلامة اللقاح وفاعليته، وستقوم إدارة الغذاء والدواء وشركة فايزر بتقييم هذه الأسئلة بشكل مستمر، ومن المقرر إجراء دراسات إضافية لاختبار اللقاح لدى الأطفال والنساء الحوامل.
وفي الوقت نفسه، فإنه من غير الواضح كيف يمكن للتجارب السريرية المستمرة لشركة فايزر، التي تضمنت إعطاء بعض المشاركين علاجًا وهميًا بدلًا من اللقاح، أن تستمر، على المستوى الأخلاقي، بعد اعتبار العلاج فعّالًا، فصحيح أن استمرار التجارب السريرية الخاضعة للتحكم الوهمي يفيد السكان، ولكنه قد يعني خلق مخاطر للأفراد المتلقين لهذه الجرعات الوهمية، ويشعر الخبراء بالحيرة بالفعل لمعرفة ما إذا كان ينبغى إعطاء اللقاح للأشخاص الذين تلقوا الدواء الوهمي أم لا، ويقول أستاذ علم الأوبئة بجامعة ستانفورد، ستيفن جودمان، أمام اللجنة: “إنها معضلة أخلاقية، نحن نواجه الاختيار بين إجراءين صحيحين”.
وفي نهاية المطاف، فإنه لن يؤدي تفويض واحد إلى خلق ثقة الجمهور، بل يجب كسب الثقة باستمرار من خلال الشفافية والتوزيع العادل للقاح، كما لن يقضي أي لقاح منفرد على هذا الوباء، فعلى الرغم من التحضير منذ عدة أشهر لتطوير حاويات تبريد للتمكن من توصيل اللقاحات، قالت فايزر، هذا الأسبوع، إن جرعات اللقاح الإضافية، التي تتجاوز ١٠٠ مليون جرعة، قد لا تكون متاحة فى الولايات المتحدة حتى الصيف المقبل، وهذا يعنى أن ٥٠ مليون أميركي “١٥٪ فقط من السكان” هم من يمكن تطعيمهم بلقاح فايزر في الأشهر الستة المقبلة، وهو عدد غير كافٍ لإنهاء الوباء.
لكن بالنظر إلى اللقاحات باعتبارها أداة في ترسانة كاملة للتغلب على هذا الفيروس، فإن اللقاحات لديها القدرة على المساعدة بفاعلية في إنهاء الوباء في غضون عام، وفي الأسبوع المقبل، ستقوم إدارة الغذاء والدواء بتقييم لقاح آخر من شركة الأدوية الأميركية موديرنا، ومن المرجح أن تصرح به أيضًا، وستؤدي التأثيرات التراكمية لهذه اللقاحات وغيرها، بالإضافة إلى التدابير السلوكية والاجتماعية التي ثبت أنها تمنع انتشار الفيروس، لإنقاذ مئات الآلاف من الأرواح، ومع بذل جهد وتعاون كافيين، فإنه يمكن أن يبدو موسم العطلات العام المقبل طبيعيًا، ولكن الجدول الزمني الدقيق، وحجم المشقة التي سنتحملها في هذه الأثناء، هي أمور متروكة لنا.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر