لبنان ما قبل الاستقالة.. السيناريوهات المستقبلية | مركز سمت للدراسات

لبنان ما قبل الاستقالة.. السيناريوهات المستقبلية

التاريخ والوقت : الأربعاء, 15 نوفمبر 2017

 عبدالرحمن الشاطري 

 

مقـدمة 

شهد الاقتصاد اللبناني تطورات إيجابية عديدة تزامنًا مع تشكيل حكومة جديدة برئاسة سعد الحريري توّج يوم الخميس 16 أكتوبر 2017 بإقرار البرلمان موازنة للبلاد وصفت بأنها الأولى منذ عام 2005 “تاريخ آخر موازنة”، بسبب الأزمات السياسية المتلاحقة والانقسامات التي حالت دون إجراء مثل هذا التصويت، إذ كانت الحكومات اللبنانية المتعاقبة تعمل دون موازنة إثر فشل ملاحظ في تمرير ميزانية سنوية تتضمن مجموعة من الإجراءات المالية والإصلاحية لتخفيض نسبة العجز وزيادة النمو، الأمر الذي شكّل خللاً اقتصاديًا ندد به كثيرون.

الموازنة جاءت بعد ثلاثة أيام من المناقشات وتمخض عنها موقف متوافق بأغلبية 61 صوتًا لأعضاء مجلس النواب اللبناني، في حين اعترض 4 أعضاء بالرفض، وامتنع 8 عن التصويت.

وكان أبرز المعترضين نواب حزب الكتائب اللبنانية المسيحية والنائب المسيحي بطرس حرب. وامتنعت كتلة حزب الله عن التصويت، وكذلك رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي، والنائبان المسيحيان أنطوان زهرا وشانت جانجيان عن حزب القوات اللبنانية في جلسة حضرها 73 من أصل 127 نائبًا.

رئيس الوزراء سعد الحريري تحدث إلى الصحافيين بعد التصويت، واصفًا إقرار الموازنة، بأنه “إنجاز تاريخي” بعد 12 سنة من دون موازنة. وقال “إن الخلافات السياسية في البلاد كانت سببًا من أسباب عدم التوافق على الموازنة، أمَّا اليوم فإن التوافق السياسي هو الذي يؤمن تصحيح المسار”، في إشارة واضحة إلى أن سياسة النأي بالنفس عن الأزمات الإقليمية تسير بشكل مقبول لدى معسكر 14 آذار، رغم خروقات حزب الله في سوريا وتداعياته المستمرة على الداخل اللبناني التي كانت عامل تقويض يسعى الفرقاء اللبنانيون إلى مقاومتها بطرق غير مباشرة، خاصة أن التسوية السياسية في ديسمبر 2016، أسفرت عن تولي ميشيل عون، المتحالف مع حزب الله، منصب الرئاسة، وتولي سعد الحريري، المتحالف مع قوى 14 آذار، منصب رئاسة الوزراء، وقد اتفقت على التعامل شكلاً مع الحالة المعقدة باعتبارها قضية شائكة مرتبطة بالأوضاع الإقليمية.

خلفيات الاستقالة بدءًا من استراتيجية واشنطن الجديدة

تصريحات الرئيس الإيراني خلال كلمة له بثها التلفزيون الرسمي الاثنين 23 أكتوبر 2017، التي تساءل بثقة مبالغ فيها: “هل من الممكن اتخاذ قرار حاسم في العراق وسوريا ولبنان وشمال إفريقيا والخليج، من دون أخذ الموقف الإيراني في الاعتبار؟”، استفزت رئيس الحكومة اللبنانية المستقيل، الذي كتب في تغريدة له عبر صفحته الرسمية على توتير، ردًا على كلام روحاني، وقال: إن “قول الرئيس الإيراني حسن روحاني أن لا قرار يتخذ في لبنان دون إيران، قول مرفوض ومردود لأصحابه”، مشيرًا إلى أن “لبنان دولة عربية مستقلة لن تقبل بأي وصاية وترفض التطاول على كرامتها”. التصريح الإيراني نقل الحريري إلى خانة حكومة تسير الأعمال تابعة لذراع إيران في لبنان، وبات الوضع يحتاج إلى مشرط جراحة لا مسكنات وقتية لوقف سيل الإهانات التي بدأت منذ إعلان الثلاثاء 18 يوليو 2017 في حديث للرئيس الحريري نقلته الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية في لبنان، “أن الجيش سينفذ عملية في منطقة جرود عرسال شمال شرق لبنان عند الحدود السورية”، من دون أن يحدد هدفها أو توقيتها، مؤكدًا أمام البرلمان عدم وجود أي “تنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري”. لكنه في نهاية المطاف وقّع مرسوم اعتماد سفير جديد للبنان في دمشق، وهو تصرف يوحي بأن الحكومة اللبنانية – التي يرأسها الحريري – تعمل تحت تأثير حزب إيران.

بيد أن ما جرى من أحداث مستجدة على الساحة الدولية حيال إيران، وما أعقبها من عقوبات على كافة تشكيلات الحرس الثوري، لأول مرة كمنظمة إرهابية، من قبل الخزانة الأميركية في استراتيجية جديدة أعلن عنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب في 13 أكتوبر 2017، دفعت بالحريري إلى اتخاذ موقف حازم ومغاير، اعتبرته أوساط سياسية لبنانية غير كافٍ، ويجب أن تتبعه خطوات عملية لوضع حد لتدخل طهران في الشأن الداخلي للبلاد، مطالبين باستدعاء السفير الإيراني في بيروت وتخفيض التمثيل الدبلوماسي للبعثة الإيرانية بالبلاد.

الاستفزاز ثم الاستقالة .. الغضب المكتوم 

زار علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية، بيروت للمشاركة في “المؤتمر الدولي لاتحاد علماء المقاومة”، حيث أعلن بعد لقائه الحريري في مقر الحكومة اللبنانية “الانتصار اللبناني ضد الإرهابيين، والانتصار السوري والعراقي يشكل انتصار محور المقاومة على مستوى المنطقة، وهذا انتصارنا جميعًا”، ما يعني أن لبنان أصبح جزءًا من المنظومة الإيرانية الإقليمية.

الحريري غادر فورًا إلى العاصمة السعودية الرياض، وقدّم استقالته بعد أربع وعشرين ساعة من استقباله ولايتي، ونقل تلفزيون العربية / الحدث عن مصدر لم يسمّه أنه جرى إحباط مؤامرة لاغتيال الحريري في بيروت قبل أيام. وقال المصدر إن “مخططي اغتيال الرئيس الحريري عطّلوا أبراج المراقبة خلال تحرّك موكبه”.

وكانت مصادر سياسية لبنانية قالت إن إيران دفعت سعد الحريري إلى الاستقالة من موقع رئيس مجلس الوزراء في لبنان في سياق ردّها على الاستراتيجية الأميركية الجديدة في الشرق الأوسط. وربطت المصادر بين الاستقالة وتهديدات مباشرة لحياته شعر بها الحريري ولمسها في الأيام القليلة التي سبقت زيارة ولايتي، الذي يعتقد أنه وجه تهديدًا مبطنًا إلى الرئيس سعد الحريري بدعوته إلى الالتزام بالخط المؤيد لإيران والمعادي لما ورد في الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأميركي وما تعتزم الولايات المتحدة انتهاجه في الفترة المقبلة.

الخلاصة

يعيش لبنان على وقع أزمة متفاقمة بعد فشل سياسة احتواء حزب الله إقليميًا، الذي لم يُبدِ في الأصل اهتمامًا بما تسببه تدخلاته الإقليمية من أعباء على لبنان، نظرًا لأن التسوية السياسية التي جاءت بالحريري، المعروف بشعار “لبنان أولاً” باتت تصب في صالح استراتيجية الحزب الذي استفاد من الغطاء الشرعي للحكومة اللبنانية في التنقل بين عواصم عربية تقع في دائرة النفوذ الإيرانية دون أن يحقق المعسكر المقابل اختراقًا كان يأمل في إحداثه، الأمر الذي استدعى تغيير قواعد الاشتباك بعد طيّ صفحة “داعش” في سوريا والعراق.

كاتب سعودي*

 

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر