سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
إيلي ليك
كانت الانتخابات التركية يوم الأحد الماضي أشبه بزلزال سياسي مدمر للرئيس رجب طيب أردوغان وتحالفه الإسلامي.
فلقد فقد حزبه الحاكم السيطرة على أنقرة وإسطنبول، التي شغل أردوغان منصب عمدتها بين عامي 1994 و1998. وفاز القوميون الأكراد بالانتخابات في ثماني مقاطعات على الرغم من الحملة الحكومية الشعواء لترهيبهم واضطهادهم. وبرغم خسارة إردوغان في صناديق الاقتراع، كان تصويت الأحد الماضي بمثابة تقريع شديد للزعيم المستبد الذي عزز سلطاته عبر الاستفتاء الدستوري المشكوك في مشروعيته.
ومن غير المستغرب بعد ذلك أن يرفض حزب «العدالة والتنمية» نتائج الانتخابات في كل من أنقرة وإسطنبول مطالباً بإعادة فرز الأصوات في هاتين المدينتين. وتعد هذه المناورة في البلدان الديمقراطية العادية من الأمور الطبيعية، ولكنها تعد إشارة على نذير أكثر شؤماً في دولة مثل تركيا.
والسبب في ذلك هو ميل أردوغان الشديد نحو السلطوية والاستبداد. فلقد سجنت حكومته السياسيين الأكراد بذرائع واهية تستند إلى ارتباطهم السابق بالإرهابيين الانفصاليين. كما نفذت الحكومة التركية عمليات التطهير في جهاز الخدمة المدنية والقوات المسلحة في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016، وأغلقت الشركات الإعلامية الخاصة التي أثارت حفيظة الرئيس التركي.
وخلص فريق مراقبة الانتخابات التابع لمجلس أوروبا إلى هذه الأسباب إثر متابعته للانتخابات التركية الأحد الماضي، ومن نتائجها أن تركيا لم تستوف القيم والمبادئ الانتخابية المعمول بها في أوروبا. وبدا واضحاً أن المجال الإعلامي التركي يميل بشدة لتأييد تحالف إردوغان في الأيام السابقة على الانتخابات، لذا فإن الشغل الشاغل لدى الأطراف الفائزة في أنقرة وإسطنبول يتعلق بمناورة إعادة فرز الأصوات واستغلالها لسرقة الانتخابات الراهنة المتسمة بعدم النزاهة كما هو مفهوم. وهي الشواغل نفسها التي يشاركهم فيها المراقبون الأميركيون سواء بسواء. ويقول إريك إيدلمان، السفير الأميركي الأسبق لدى تركيا إن «تمكنت الحكومة التركية من إلغاء نتائج الانتخابات الحالية فسوف يمثل ذلك نهاية أكيدة للانتخابات في تركيا».
أما أيكان إرديمير، العضو البرلماني التركي الأسبق والزميل البارز لدى معهد الدفاع عن الديمقراطيات، فهو يرى في ذلك احتمالاً كبيراً. ويقول السيد إرديمير إن سيطرة إردوغان على إسطنبول هي من الأهمية البالغة، ليس فقط من الناحية السياسية وإنما من الناحية الاقتصادية كذلك، إذ تعتبر المدينة الركن الركين لنظام الغنائم القائم عليه ممولو حزب العدالة والتنمية الحاكم. كما تعرض أنصار إردوغان لصدمة قاسية إثر الأزمة الاقتصادية التي حلت بالبلاد، وهم في أمسّ الحاجة للإيرادات التي تفيض بها إسطنبول.
ولدى أردوغان جملة من الوسائل الأخرى في متناول يديه وتحت تصرفه إن هو أخفق في العصف بنتائج الانتخابات الحالية عبر مناورة إعادة فرز الأصوات. ومن بين الأدوات المحتمل استخدامها الاستعاضة عن رؤساء البلديات المناوئين بآخرين من الأولياء المؤيدين للحكومة، وهو قد صنع ذلك بالفعل في كثير من البلديات. ويفيد تحليل حديث صادر عن موقع «المرصد» بأن هناك ما يقرب من 40 مليون مواطن تركي يعيشون تحت حكم رؤساء البلديات المختارين بعناية.
تشكل كل هذه التفاعلات تحديات خاصة أمام الرئيس الأميركي دونالد ترمب وإدارته. وحظي أردوغان، منذ الخريف الماضي، بانتعاش متواضع لشرعية حكمه عندما استغل مهارته في اختلاق أخبار منتقاة بعناية ومن ثم تسريبها حول حادثة اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، ثم أطلق سراح القس الأميركي المحتجز أندرو برونسون في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة تبذل قصارى جهدها لتأمين الضمانات من إردوغان بشأن عدم إلحاق الأضرار بالأكراد من حلفاء واشنطن في سوريا، ويخفض فيه الرئيس ترمب من الوجود العسكري الأميركي هناك، ولتثبيط العزم التركي كذلك عن متابعة صفقة شراء نظام الدفاع الجوي الروسي المتطور.
وبرغم أن هذه من جملة الأهداف المهمة، فإن هناك أولوية أكثر إلحاحاً الآن، ألا وهي حماية الديمقراطية في تركيا. ينبغي أن يدرك الرئيس أردوغان مدى الصعوبة التي سوف يلقاها في الحصول على المساعدة المالية من صندوق النقد الدولي لمكافحة الركود الاقتصادي التركي إن اعتزم إلغاء نتائج الانتخابات الأخيرة في أنقرة وإسطنبول، كما ينبغي أن يكون من الواضح تماماً أن ردود فعله على هذه الهزائم الانتخابية هي من العوامل المأخوذة في الحسبان ضمن قرارات العقوبات الصادرة ضد حكومته بشأن جملة من القضايا تتحرك من ابتياع النفط الإيراني إلى مزاعم أخرى تفيد بضلوعه في إخفاء الذهب الفنزويلي.
ومن المسلّم به في هذا السياق، أنه من غير المحتمل أن تزيد واشنطن من تفاقم العلاقات المتوترة مع تركيا بالتعويل على قضية الانتخابات المحلية. وفي الأثناء ذاتها، فإن غض الطرف تماماً عن تدخلات إردوغان السافرة في الانتخابات هو من الأخطاء الفادحة. وكان إردوغان قد أظهر للعالم أجمع استعداده التام لاحتجاز الرهائن الغربيين وابتياع النظم العسكرية المتطورة من خصوم الغرب.
كما أثبت إردوغان للجميع كذلك مدى أولوية وأهمية السلطة بالنسبة له فوق اعتبارات الشرعية الديمقراطية، رغم أن الشعب التركي، بخلاف كل شيء، قد أظهر اهتماماً كبيراً وجدية بالغة فيما يتعلق بالديمقراطية في بلاده. وعند هذه اللحظة الفارقة، ينبغي على المجتمع الغربي بأسره أن يشد من عضد الشعب التركي وأن يقف بجانبه.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر