سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ألفة السلامي
تسببت الكوارث الطبيعية الناجمة عن التغيّر المناخي في ظهور موجات من المهاجرين والنازحين الذين يُطلقُ عليهم خبراء الهجرة مصطلحا جديدا هو “لاجئو المناخ”.
أشارت عدة تقارير صادرة مؤخرا عن منظمات دولية إلى تفاقم ظاهرة هجرة مجموعات سكانية لمناطقهم الأصلية، خلال السنوات الأخيرة، بسبب الأضرار الناجمة عن الكوارث المناخية وضعف استعداد النظم البيئية بهذه الدول في التكيف مع التغير المناخي. وقد سُجلت المستويات الأعلى من حالات التشرد في أكتوبر 2021 ، بحسب المنظمة العالمية للأرصاد، وكلّفت الدول المتضررة من “الطقس المتطرف” إجمالي خسائر تقدّرُ بنحو 100 مليار دولار. ويطالب خبراء البيئة والسياسات العامة وإدارة الأزمات بضرورة التصدي المشترك للتغيرات المناخية وتداعياتها الخاصة بالهجرة باعتباره مسئولية عالمية جماعية. كما يشيرون إلى غياب إطار قانوني دولي وتعريف موحّد لـ “لاجئي المناخ” ما يجعل التحديات مضاعفة خلال التعامل مع هذه الأزمات. فهل يستجيب المجتمع الدولي للتصدي على وجه السرعة لهذه التحديات ويتحرك لصياغة سياسات فعَّالة وناجزة للتعامل مع مشكلة “لاجئ المناخ”، وبناء آلية إنقاذ دولية مشتركة، وإبرام اتفاقيات ضرورية لهذا الغرض؟
تحذيرات المنظمات من تداعيات كوارث تغير المناخ:
اتفقت تقارير منظمات دولية تابعة للأمم المتحدة حول الوضع الكارثي المتفاقم الذي يعيشه ملايين من اللاجئين بسبب تداعيات سوء الأحوال المناخية المنجرة عن التغير المناخي.أكّدَ تقرير لمنظمة الهجرة الدولية لعام 2022 أن المزيد من الأشخاص في جميع أنحاء العالم أصبحوا مشردين الآن في موجاتٍ متكرِّرةٍ بسبب الكوارث الناجمة عن تغيّرِ المناخ. في حين أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين أنَّ أكثر من 20 مليون شخص يضطرُّون إلى الانتقال داخليًا أو اللجوء عبر الحدود كل عام بسبب تغير المناخ والكوارث المناخية. وأشار تقرير آخر لمنظمة الهجرة الدولية إلى أن نحو 30.7 مليون حالة نزوح، تم تسجيلها عام 2020، ناجمة عن كوارث طبيعية في 145 دولة وإقليم. وتوقعت تقديرات البنكِ الدوليِّ، الصادرة في سبتمبر 2021، بأنّ نحو 200 مليون شخص سيهاجرون بحلول عام 2050 بسبب الكوارث المتعلقة بتغيّر المناخ في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا وأمريكا اللاتينية.
ربما كانت الهجرة والنزوح في عقود سابقة دافعهما الرئيسي سوء الأحوال المعيشية، خاصة بسبب النزاعات والحروب، لكن منذ الألفية الجديدة يشهد العالم اتجاهًا تاريخيًا جديداً للهجرة بسبب تداعيات سوء الأحوال الجوية. وقد سجّلت المؤشرات الرئيسة للتغير المناخي أرقاماً قياسية تمثلت في تركيزات غازات الاحتباس الحراري، وارتفاع مستوى سطح البحر، وحرارة المحيطات، وتحمّض المحيطات، وذلك وفقاً لتقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية. وانتقد بيتري تالاس، أمين عام المنظمة، عدم توافّر أنظمة الإنذار المبكر الخاصة بالكوارث المناخية إلا لدى نصف أعضاء المنظمة. لذلك، فإن تزايد الأضرار الناتجة عن تلك الكوارث أمر متوقع خلال العقدين المقبلين.
وفقًا للتقرير الذي أصدرته مؤخرا منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، فإن العواصف تسببت في 14.6 مليون حالة نزوح على مستوى العالم، والفيضانات 14.1 مليون، وارتفاع شديد في درجات الحرارة 46 ألفًا،والجفاف 32 ألفًأ. وفي سياق متصل، أظهرت بيانات المنظمة أيضا في تقريرها، الذي يصدر كل سنتين، أن إجمالي النزوح الداخلي في جميع أنحاء العالم بسبب الكوارث المناخية ارتفع إلى 40.5 مليون في عام 2020 مقارنة بـ 31.5 مليون عام 2019 ، وذلك على الرغم من إجراءات الاحتواء للحد من جائحة كوفيد -19. وأشارت البيانات إلى أنّ الهند، على سبيل المثال، أبلغت عن ما يقرب من 4 ملايين حالة نزوح جديدة بسبب الكوارث الناجمة عن تغيّرِ المناخ عام 2020. وفي مثال آخر، شهدت منطقة جنوب شرق إفريقيا هطول أمطارٍ عزيرةٍ وفيضانات شديدة في الفترة من 11 إلى 12 أبريل الماضي، أدّتْ إلى فقدان أكثر من 40 ألف شخص منازلهم.
وبحسب تقديرات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، فإنَّ الجفاف يؤدي إلى هجرة 22 مليون شخصٍ إضافيٍّ في إفريقيا، و12 مليون في أمريكا الجنوبية و10 ملايين في آسيا بحلول عام 2059 (مقارنة بالفترة 2000 إلى 2015).
الكوارث أرض خصبة للاتجار بالبشر:
من الآثار المترِّتبة على الهجرة نتيجة الكوارث المناخية ظاهرة الاتجار بالبشر أو ما يسميه بعض علماء الاجتماع أيضاً جرائم “العبودية الحديثة” التي تنشأ نتيجة استغلال نقاط الضعف الموجودة في المجتمع، مثل الفقر وظروف الإقامة والجنس، وتتفاقم نقاط الضعف تلك فى أثناء الكوارث الطبيعية مِمَّا يجعلُ الوضع أرضًا خصبة للمتاجرين بالبشر.وأشار مفوض الأمم المتحدة السامي لشئون اللاجئين إلى أن مثل هذا النزوح بعد الكوارث يؤدي إلى أن يصبح الناس أهدافًا سهلة لعصابات الاتجار بالبشر، موضحا أنه لوحظ ارتباط الاتجار بالبشر بالظواهر المناخية المتطرفة في جميع أنحاء العالم في العقود الماضية. على سبيل المثال، ارتفعتحوادث الاتجار بالبشر لأول مرة عقب تسونامي المحيط الهندي في عام 2004، وفقًا لتقرير صدر عام 2016 عن المنظمة الدولية للهجرة. والأمثلة الأخرى عديدة، وفقا للتقرير نفسه: في إندونيسيا، تم اختطاف أطفال ثم عرضهم للتبني. في هايتي، أدى زلزال عام 2010 إلى تفاقم حالات الاتجار بالبشر. في الفلبين – حيث كان الفقر والاتجار بالبشر منتشرين بالفعل – زادت الحالات عقب إعصار هايان في عام 2013 ، حسبما ذكرت المنظمة؛ كما شهدت تايلاند زيادة في الاتجار بالبشر بعد أن ضربها هذا الإعصار.
كتبت مانيكا كامثان، الأستاذة المساعدة في مدرسة القانون،Symbiosis Law School ، في بحث حول هذا الموضوع: “إن الاتجار بالنساء والأطفال يتم في المقام الأول تحت غطاء توفير فرص عمل، مما يضمن موائل آمنة، من بين أمور أخرى”. مضيفةً: “لا ينجو شيء من الأعاصير الموسمية، وحتى إذا نجا شيء فيجب بيعه لجمع المال من أجل توفير لقمة العيش. وقد تستمر هذه المحنة لمدة سنوات. فالإعصار عندما يضرب مكانا فان المياه تغمر المنازل والأراضي الزراعية،كما أن السكان قد يصابون بأمراض نتيجة تراكم المياه وتكوُّن مستنقعات تجلب الأمراض. ولن يجد معظمهم مالاً لتوفير العلاج وتكاليف المستشفى، ويتدهور الوضع المعيشي للأسرة، وقد تضطر النساء للعمل كخادمات في منازل أخرى لإطعام الأفواه. أمًا الرجال والشباب، فمصيرهم الهجرة والنزوح والبطالة، وعندما يصبح وضع الأسرة المالي صعبًا، يفتح أبواباً كثيرة للانحراف، ومنها تتسلل عصابات الاتجار بالبشر”. ليس هذا فحسب، بل إنّ الكوارث الطبيعية تشجع سلوكاً خاطئاً لدى العائلات، يتمثل في تزويج الفتيات القاصرات دون سن الـ 18 ؛ وهناك 12 مليون طفلة يتزوجن كل عام في العالم، 700 ألف طفلة منهن ينتمين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفقا لتقرير حديث لمنظمة اليونيسيف للطفولة. وقد تعرضت فتيات صغيرات تتراوح أعمارهن بين 13 و 18 عامًا للاستغلال الجنسي “من قبل رجال في مواقع السلطة والنفوذ مقابل المال أو الطعام أوغيرها من السلع” ، بحسب دراسة لمنظمة غير حكومية أجريت عام 2002 في دول أفريقية حول زواج القاصرات.
وهكذا، فإن الكوارث المناخية والفقر يغذّيان جرائم الاتجار بالبشر ويجعلان الملايين أكثر عرضة لهذا الفخ.ويقدر برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن الاتجار بالبشر على مستوى العالم يرتفع بنسبة 20-30 ٪ خلال الكارثة. ويتوقع معهد التنمية لما وراء البحار أن يصل عدد من يعانون من الفقر المدقع مع حلول عام 2030 ” نحو 325 مليون شخص يعيشون في 49 دولة هي الأكثر تعرضًا للأخطار الطبيعية والظواهر المناخية المتطرفة، وسيكون ما لا يقل عن 21 مليون شخص ضحايا الاتجار بالبشر، الذي يشمل عادة إما الاستغلال الجنسي أو العمل القسري”.
ما المطلوب لإنقاذ المستقبل:
يشدّدُ الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، بيتري تالاس، على ضرورة ضبط متوسط درجات الحرارة العالمية عند مستوى أقل من 1،5 درجة مئوية أو درجتين ، مقارنةً بمستوياته قبل العصر الصناعي، وهو ما يتطلَّبُ العملَ بجدية على الحدِّ من انبعاثات الغازات الدفيئة، وهي خطوة يجب أن يحرص عليها العالم لمنع الآثار المناخية المتفاقمة كما يقول تالاس. ومن جانبه، يتوقع البنك الدولي أن يجبر تغير المناخ نحو 200 مليون شخص على الهجرة بحلول عام 2050، ومن بين هؤلاء سيكون هناك ما يصل إلى 86 مليون “لاجئ مناخي” داخليا في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، و49 مليونًا في شرق آسيا والمحيط الهادئ، و 40 مليونًا في جنوب آسيا. وأشار الخبراء إلى أن التصدي لتغير المناخ مسئولية عالمية مشتركة، وأن إنشاء آلية مساعدة دولية تتعلق بـ “لاجئي المناخ” يمثل أولوية قصوى.
وقد كان من المفترض أن يساعد التقرير الصادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية والتقارير الأخرى الأممية التي ترصد تزايد ظاهرة “لاجئي المناخي” في تزويد قادة العالم وصانعي السياسات ومتخذي القرار بآخر المستجدات حول حالة المناخ والظروف المناخية في العالم وآثارها السلبية- على اختلافها- وتهديدها لأمن واستقرار العديد من المجتمعات وزيادة المخاطر المحدقة بهم من عصابات الاتّجار بالبشر. ورغم خروج هذه التقارير، لتدقُّ ناقوس الخطر، بمشاركة خبراء من الدول الأعضاء- بما في ذلك الهيئات الوطنية والإقليمية والعالمية للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا والبحوث المناخية، إضافة إلى منظمات الأمم المتحدة المختلفة المعنية بالبيئة والأغذية والزراعة والهجرة واللاجئين ومكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث وبرنامج الأغذية العالمي وغيرها- إلاّ أنه على صعيد السياسات، لم تُسجَّلْ حتى الآن اختراقات إيجابية تذكر في هذا الملف.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر