سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
إنريك كراوز
“المرة الثالثة هي التي تحتسب”، قول مكسيكي شهير كرره الرئيس المكسيكي المنتخب أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، كثيرًا خلال حملته الانتخابية.
لم يتمكن أوبرادور من الفوز في السباق الرئاسي لعام 2006، وخسر مرة أخرى عام 2012، لكنه استمر في طريقه الديمقراطي حتى وصل إلى أعلى منصب منتخب في بلاده.
نجح أوبرادور في تكوين شبكة واسعة من العلاقات مع العديد من الاتجاهات بالمجتمع المكسيكي، وقد ساعدته تلك الشبكة في فوزه بالانتخابات.
وقد رأى الملايين من المكسيكيين الذين سئموا أسلوب الرئيس السابق الشهير بـ”إميلو” AMLO، في أوبرادور، أملاً في تحقيق ما يرونه “تغييرًا حقيقيًا”. ومع ذلك، فقد تعرض برنامج أوبرادور لانتقادات واسعة، على الرغم من احتوائه على نقاط قوة محتملة. فهو يتجاوز الأهداف السياسية حينما يعبر عن آماله بأن تتحول المكسيك إلى “دولة عظمى”، وهو ما يتسق مع توجهاته كزعيم يساري. وفي مواجهة الولايات المتحدة، يمكن للمكسيك أن تجسد آمال الديمقراطية والسلام والعدالة الاجتماعية بالمكسيك لإخراجها من مشكلات الفقر وعدم المساواة على المستوى الاجتماعي. وبجانب ذلك تعاني المكسيك من مشكلة الفساد التي تسعى وسائل الإعلام إلى عرضها بشفافية كبيرة.
تكمن المشكلة، التي أثرت في الجميع، في العنف الإجرامي الذي تشهده البلاد منذ قرن، وخاصة منذ اضطرابات الثورة المكسيكية. فمنذ عام 2000، مات أكثر من ربع مليون شخص بسبب الجرائم المنظمة. ولهذا، كثيرًا ما يوجه اللوم إلى الدولة بحجة أنها تخلت عن مسؤوليتها لتوفير الأمن لمواطنيها.
ويتضمن المشروع الاجتماعي لأوبرادور، دعمًا ماليًا لكبار السن فوق 65، وكذلك تقديم المنح الدراسية والدورات التدريبية للشباب الذين يفتقرون إلى التعلم والعمل. غير أن هذه المقترحات تتعارض مع جوانب أخرى من برنامجه، مثل علاقته بـ”رابطة العاملين في التعليم”، وهي المنظمة التي تتضمن عددًا من المعلمين الراديكاليين، حيث يفضِّل أوبرادور خصخصة عدد من المؤسسات التعليمية، وهو ما يتناقض مع مكانة المكسيك المتدنية في مجال التعليم عالميًا.
ولمواجهة الأزمة الاقتصادية في الولايات الجنوبية، اقترح الرئيس المنتخب دعم الزراعة وبناء مصافٍ نفطية جديدة. لكن بعض المراقبين يشيرون إلى أن مثل هذه السياسات الحمائية، يمكن أن تضفي المزيد من الأعباء الناتجة من المزايا التنافسية في مجال الإنتاج الغذائي والطاقة. كما يعبر المراقبون – أيضًا – عن قلقهم من احتمالات عودة أوبرادور إلى إصلاح الطاقة الذي فتح الباب لاستغلال النفط والغاز الطبيعي للاستثمارات الأجنبية بما يمكنه من جذب ما يصل إلى 200 مليون دولار؛ إذ تنبني هذه المخاوف على أسس جيدة، خاصة في ظل عدم اليقين بمستقبل اتفاقية التجارة الحرة لأميركا اللاتينية “نافتا”.
وعلى أية حال، فإن الاقتصاد المكسيكي يتسم بدرجة أكبر من الثراء والتنوع والديناميكية حاليًا، مقارنة بما سبق. لكن يبدو أن أوبرادور، المعروف بشخصيته الصارمة، لن يتجه لإجهاد الموازنة العامة وتأميم المؤسسات؛ إذ يقول “إذا كان الرئيس أمينًا، فإن سلوكه الصحيح سوف يتبعه ويقلده مرؤوسوه”. لكنه على الجانب الآخر، يقلل من قيمة النضال الذي تخوضه منظمات المجتمع المدني لمواجهة الفساد. أمَّا ما يتعلق بمسألة الجريمة، فقد أعلن التزامه بحضور اجتماعات “المجلس الأمني” يوميًا. وأخيرًا، تبقى إشكالية جدلية تتمثل في العفو عن فئة محدودة من المجرمين.
وتنبع هذه الإرادة الطوعية من ثقافة سياسية متجذرة منذ عهود طويلة في المجتمع المكسيكي؛ إذ يمكن أن يكون ذلك رادعًا للمسؤولين الفاسدين والمتورطين في قضايا الفساد بمن فيهم أباطرة المخدرات. لكن مواجهة انتشار العصابات الإجرامية، تتطلب إصلاحًا مؤسسيًا عميقًا لا يعتمد – بالضرورة – على شخصية واحدة، بغض النظر عن مدى قوته أو نفوذه. وبدلاً من ذلك، ينبغي إحداث درجة أكبر من التقارب بين جميع الأجهزة والمؤسسات الحكومية والأجهزة المعنية بتحقيق العدالة في المجتمع بما يضمن مجتمعًا قويًا ومتشاركًا.
والملاحظ في ضوء الكثير من الخبرات التاريخية السابقة على كافة المستويات السياسية والاقتصادية في بلد لا يكاد يتجاوز عقدين من الخبرة الديمقراطية، أنه من غير المستبعد أن تتركز السلطة في يد أوبرادور بشكل غير عادي. ورغم أن بعض المراقبين يرون أن أوبرادور جاء للقيام بدور “المنقذ”، فإن التجربة التاريخية أثبتت أن السياسة لا يمكن أن تكون الطريق الحتمي للخلاص. ففي أفضل الأحوال، تعد السياسة وسيلة للتحسن التدريجي. وهنا يبقى السؤال: هل سيقبل الرئيس الجديد، الذي يميل إلى توجيه الإهانات والنقد لمنتقديه، أن يضع حدودًا خاصة على قدراته الشخصية؟
واليوم يجب أن ننظر إلى المستقبل بشكل أكثر جدية؛ إذ ينبغي أن يقوم السيد أوبرادور بتحويل مكاسبه الشخصية إلى انتصار عام للمكسيك. وعليه أن يضع نصب عينيه ضرورة البدء في حقبة تاريخية يسود فيها التسامح والاحترام الكامل لحرية التعبير على حساب الاستقطاب والحقد والرقابة. فإذا تبنى هذا الموقف، وتمكن من تقوية المؤسسات الديمقراطية، فسوف يقدم مثالاً للقيادة الأخلاقية والديمقراطية. فالمكسيك تستحق ذلك، والعالم يستحق ذلك أيضًا، وكلاهما في حاجة إلى ذلك.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات*
المصدر: صحيفة نيويورك تايمز
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر