سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
Dennis Shasha
بعد انتهاء موسم الانتخابات الصاخب لعام 2020 في الولايات المتحدة الأميركية، كتب صحفيون باستفاضة عن عدم دقة استطلاعات الرأي التي أُجريت قبل الانتخابات. ولم يكونوا الوحيدين الذين فعلوا ذلك، فوفقًا لتقرير صدر عن الرابطة الأميركية لأبحاث الرأي العام بعنوان “استطلاعات ما قبل انتخابات عام 2020: تقييم استطلاعات الرأي الخاصة بالانتخابات العامة لعام 2020″، سجلت استطلاعات الرأي الخاصة بالانتخابات العامة لعام 2020 أقل عدد مشاركات منذ عدة عقود من الزمن سواء كان على المستوى الفيدرالي، أم على صعيد الدولة. على سبيل المثال، توقع استطلاع رأي لشبكة “سي إن إن” الأميركية أن يتفوق “جو بايدن” على “دونالد ترمب” بنسبة 12%، وهو ما لم يحدث، إذ تفوق “بايدن” بنسبة 4.5% فقط.
اقترح كُتَّاب التقرير بعض الأسباب المحتملة وراء تراجع المشاركة في استطلاعات الرأي في ذلك العام، منها:
1- توجيه “دونالد ترمب” بعض الانتقادات للعديد من استطلاعات الرأي ووصفها بأنها وهمية، وهو ما شجع مؤيديه على عدم المشاركة في هذه الاستطلاعات. ربَّما لم يقم مناصرو “ترمب” بالإجابة عن هذه الإستطلاعات بشكل كافٍ مقارنة بإجابات مؤيدي “جو بايدن”، مما منح “بايدن” تقدمًا واضحًا عليه.
2- قد يكون الديموقراطيون الذين شاركوا في استطلاعات الرأي أكثر تفضيلاً لـ”بايدن” من أولئك الذين لم يفعلوا ذلك. وعلى نحو مماثل، قد يكون الجمهوريون الذين شاركوا في تلك الاستطلاعات أقل تفضيلاً لـ”ترمب”.
وأشار التقرير إلى أن استطلاعات الرأي لم تبالغ فقط في تقدير الدعم المقدم لـ”جو بايدن”، بل بالغت أيضًا في تقدير الدعم الديمقراطي في مجلس الشيوخ. وقد يشير هذا الأمر إلى ظاهرة “الجمهور الخجول” التي قد يكون لها سببان: السبب الأول عدم ثقة بعض الجمهوريين في مؤسسات الاقتراع، كما أخبرني “ناثانيال راكيش” من موقع فايف ثيرتي إيت – FiveThirtyEight . يمكن تصحيح هذه الأسباب بشكل جزئي من خلال تكوين منظمات الاقتراع من مختلف الأطياف السياسية، ولكن على الرغم من ذلك، من المحتمل ألا يرغب الأشخاص المشاركون في استطلاعات الرأي في ذكر اختياراتهم لشخص غريب، حتى فيما يتعلق بحرية اختيارهم وحقهم الجمهوري في ذلك.
مع بدء العام الانتخابي لعام 2022، تتمثل إحدى طرق مواجهة مشكلة “الخجل” في قيام منظمي استطلاعات الرأي بإعطاء الأشخاص الذين اُستُطلِعت آراؤهم إمكانية الإنكار المعقول. بمعنى أنه يجب أن يكون الشخص قادرًا على الرد على سؤال ما بصدق، مع منع القائم بالاستطلاع من معرفة إن كانت تلك الإجابة هي رأي الشخص الفعلي أم لا. وقد يكون هذا الأمر مفيدًا بشكل خاص في البلدان التي تمتلك رؤساء وقادة استبداديين قد ينتقمون من المعارضين. السؤال هو: كيف نقوم بالإنكار دون الإخلال بالدقة؟ والمثير للدهشة أن القيام بعمل القرعة بالعملة المعدنية عدة مرات قد يساعد في هذا الأمر. ها أنا أستعير بعض الأفكار من أعمال “ستانلي فيرنير” عام 1965 والخصوصية التفاضلية. وقد تم استخدام هذه الأساليب في إجراء الاستبيانات والدراسات الاستقصائية.
سأعطيكم مثالاً.
دولة يخوض فيها الرجل الصفيح الانتخابات ضد الفزاعة. لا يريد الناخبون الخجولون الاعتراف بدعم للفزاعة على الرغم من أن الكثيرين يحبونه سرًا. لذلك قال منظمو استطلاعات الرأي لكل مشارك: “من فضلك لا تقم بالاقتراع على الفور. بدلاً من ذلك، انتقل إلى مكان تكون فيه بمفردك وقم بقلب قطعة النقود لتحسم أمر اقتراعك. إذا كانت النتيجة نقشًا، فارجع وأخبرني باختيارك الحقيقي. إذا كانت طرة، فالرجاء إخباري باختيارك للفزاعة بغض النظر عن اختيارك الحقيقي”. كان هذا هو المخطط الذي ابتكره “فيرنير” لإجراء استطلاعات الرأي التي قد تطرح بعض الأسئلة المحرجة على المقترعين مثل: إن كان قد تهرب – على سبيل المثال – من سداد الضرائب، أو أخلَّ بالآداب العامة، وما إلى ذلك. لنفترض أن مئتي شخص أجابوا عن الاستطلاع: قام 140 شخصًا منهم باختيار الفزاعة مقابل 60 شخصًا ممن اختاروا الرجل الصفيح. بالنظر إلى ما قاله منظمو الاستطلاعات للمقترعين، لنقل إن 100 شخص قاموا باختيار الفزاعة مع وجود احتمالية صواب 50% من تلك النسبة، حيث قام هؤلاء باختيار الطرة. وتقاسمت النسبة المتبقية من بين 60 شخصًا قاموا باختيار الرجل الصفيح و40 شخصًا قاموا باختيار الفزاعة، ومن هذه النسبة نجد أن الرجل الصفيح هو الاختيار المفضل لدى المقترعين.
ما هي ميزة الخصوصية؟ إذا قام شخص بذكر تفضيله للفزاعة، فقد يكون ذلك ناتجًا فقط عن قلب العملة، لأن العملة المعدنية هي مجرد طريقة واحدة لإدخال الصدفة في هذا الأمر. الاحتمال الآخر هو أن تطلب من أحد المشاركين التفكير في أفضل صديق له أو لها، فإذا كان عمر هذا الصديق المقرب عددًا مفردًا يرد بكلمة “الفزاعة”، أو الإجابة بصدق إذا كان عددًا زوجيًا.
بعد أسابيع قليلة، أضرّت فضيحة بشدة بسمعة الرجل الصفيح لدرجة أنه أصبح من الخطر في بعض الأحياء أن يقول الناس إنهم يفضلون “الرجل الصفيح”. لذا، فإن السؤال المطروح الآن هو: هل كان من الممكن إجراء استطلاع رأي جديد بحيث يكون لأي إجابة يقدمها أحد المشاركين إمكانية إنكار معقولة؟!
لنفترض أن الجهة المنظمة لاستطلاعات الرأي قامت بتوجيه المقترعين بالقيام أثناء التصويت في استطلاع رأي جديد بما يلي: “من فضلك لا تقم بالاقتراع على الفور. بدلاً من ذلك، انتقل إلى مكان تكون فيه بمفردك وقم بقلب قطعة النقود تلك مرتين لتحسم أمر اقتراعك. إذا كانت النتيجة التي ظهرت لك في كلتا المرتين هي النقش فقل لي إنك قمت باختيار “الرجل الصفيح”، وإذا كانت طرة في كلتا المرتين، فالرجاء إخباري باختيارك للفزاعة بغض النظر عن اختيارك الحقيقي”. ولكن إذا حصلت على واحدة مختلفة في كل مرة من المرتين، فيرجى إخباري باختيارك الحقيقي”.
لنفترض أن هناك 200 شخص أجابوا عن الاستطلاع: قام 122 منهم باختيار الـرجل الصفيح و78 منهم قاموا باختيار الفزاعة. ولكن من بين 122 شخصًا الذين قاموا باختيار الـرجل الصفيح كان هناك 50 منهم لصالح الـرجل الصفيح وذلك بسبب تقليب العملة (نقشتان). وعلى نحو مماثل، كان هناك 50 لصالح الفزاعة بسبب تقلب العملة (طرتان). لذا، فإن نتائج الاستطلاع الفعلية هي 72 لـرجل الصفيح و28 لـلفزاعة، وبذلك يكون رجل الصفيح هو الأكثر تفضيلاً.
ماذا علَّمنا هذا اللغز؟ من الناحية الأولى، هو أنه يمكن للأشخاص المشاركين في استطلاعات الرأي أن يتمتعوا بإنكار معقول من جميع جوانب القضية (بالنسبة للمرشحين في مثالنا السابق). ومن ناحية أخرى، إذا اتبع المشاركون القواعد، فستكون نتائج الاستطلاع دقيقة، على الرغم من أن المزيد من الأشخاص قد يحتاجون إلى الاستطلاع لتحقيق نفس القوة الإحصائية. ما يتبقى هو معرفة إن كان الأشخاص الذين قد يشاركون في استطلاعات الرأي سيستجيبون حتى لمستطلعي الرأي، وإذا فعلوا ذلك، فهل يستجيبون بأمانة عندما تُشير العملة إلى ضرورة ذلك أم لا. لقد بدأ موسم الانتخابات، الأمر يستحق المحاولة.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: scientificamerican
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر