سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
مايك لفيرجن
منذ عام 1960، عملت الكونغرس 78 مرة لزيادة الحد القانوني للديون لتجنب التخلف عن سداد الحكومة. وفي الواقع، عندما كنت أعمل في الكونغرس، من منتصف الثمانينيات إلى عام 2011، بعد قليل من التظاهر، زادت الكونغرس دائمًا سقف الديون، وخلقت توقعًا بأن معارك الديون كانت مجرد طقوس موسمية في واشنطن، مثل زهور الكرز أو ماراثون مشاة البحرية، ولا تمثل أهمية جوهرية.
ولكن رفع الديون لم يعد مسألة روتينية تقريبًا، هذه هي الحال الآن: لم تتحقق أي حركة تذكر حول كيفية إنهاء الجمود المتعلق بالديون الفيدرالية.
يبدو أن المواقف حول ما يعنيه التخلف عن سداد الديون السيادية تغيرت لدى بعض أعضاء مجلس النواب، الذين يمتلكون الإيمان الكامل والائتمان للولايات المتحدة. يُربكون غالبًا تصويت حد الديون مع إغلاق الحكومة، أو يقنعون أنفسهم بأن التخلف عن سداد الديون السيادية ليس أمرًا بالغ الأهمية.
إن روسيا والصين هما المستفيدان الوحيدان من التخلف عن سداد الديون. ولتجنب حدوث هذه النتيجة المحتملة، ينبغي أن يتخذ الرئيس “بايدن” جميع التدابير المتاحة لتفادي وقوع مثل هذه الكارثة.
يشتهر مجلس النواب الجمهوريين بسوء السمعة بسبب تطرفهم الأيديولوجي؛ إذ أقروا مشروع قانون يحلّ الأزمة عبر إبطال جزء كبير من أجندة “بايدن”، وفرض تخفيضات في الإنفاق تصل إلى 20 في المئة على بعض الوكالات، بينما يستعدون بشكل ملائم لأزمة ديون أخرى قبل انتخابات عام 2024.
لقد أثار التخلف عن سداد الديون السيادية دائمًا قلق الاقتصاديين، الذين يستعرضون مجموعة من السيناريوهات التي قد تتسبب في الفوضى مثل: الركود الاقتصادي، وانخفاض الدولار الذي قد يزيد من التضخم في ظل ارتفاع أسعار الفائدة، وهبوط الأسهم، وتوقف مدفوعات الضمان الاجتماعي، والذعر في صناديق أسواق المال. وستواجه البنوك أيضًا فيما يتعلق بالسيولة مخاطر كبيرة على إثر انهيار بنك الجمهورية الأولى، وهو ثاني أكبر فشل لبنك أميركي في التاريخ.
ولكن يبدو أن هذه المخاوف، مهما كانت خطيرة، لا تكفي لإقناع بعض أعضاء مجلس النواب. لذا قد ينظرون إلى سيناريو آخر محتمل؛ فمنذ أن قام الرئيس “ريتشارد نيكسون” بفصل الدولار عن الذهب، تنبأ المتشائمون بانهيار وشيك للدولار كعملة احتياطية عالمية. ولم تتحقق هذه النبوءة حتى الآن؛ فهيمنة الدولار ليست أقل مما كانت عليه في عهد “نيكسون”، وفعليًا عززت مكانته كملاذ آمن خلال الوباء.
لقد سمحت حيازة العملة الاحتياطية العالمية للولايات المتحدة بتحقيق عجز كبير في الموازنة والتجارة السلعية والحساب الجاري على مدار عقود. وتحتاج الدولارات التي تتدفق إلى الخارج نتيجة لذلك العجز إلى دول أخرى لشراء سلع أولية مثل النفط وإجراء تجارة أخرى. ولا يمكن للدول التي لديها فائض من الدولارات أن تحتفظ بها؛ بل يعيدون استثمارها في الولايات المتحدة. وهذا هو السبب في أن نيويورك تمتلك أكثر أسواق المال سيولة في العالم. وتشجع هذه الأسواق القوية العديد من البنوك المركزية الأجنبية على الاحتفاظ بأصولها في نيويورك أيضًا.
حاولت دول مثل الصين وروسيا لسنوات إزاحة الدولار عن عرشه كعملة احتياطية عالمية، ولكن حتى الآن لم تحقق نجاحًا يذكر. وتعدُّ تسوية معظم المستحقات المالية الدولية بالدولار، وسيطرة الولايات المتحدة على النظام المصرفي الدوليSWIFT ، رغم العقوبات الاقتصادية التي تفرضها واشنطن على الأنظمة المارقة، تهديدًا حقيقيًا.
وتعتبر الترتيبات الاقتصادية الملائمة مثل هيمنة الدولار على العالم مستقرة و”مؤمنة” بما يكفي لدفعنا إلى التفكير بأنها أبدية. وبناءً على هذا المنطق، إذا حدث تخلف عن سداد الديون، فستتجاهل مراكز المال في أوروبا وشرق آسيا الأمر وتستمر في إجراء معاملات بالدولار وشراء الديون الأميركية كما كانت تفعل من قبل.
ولكن كما هو الحال مع الجنيه الإسترليني، العملة العالمية حتى الحرب العالمية الأولى، فإن استعداد الدول لاستخدام عملة معينة يستمر حتى تفرض الظروف خلاف ذلك. ولا يحتمل أن يؤدي التخلف عن سداد الديون إلى نهاية العالم. ولكن من الممكن، وربما من المحتمل، أن يساهم ذلك في التفكك التدريجي. وسيبدأ المستثمرون الأجانب في التراجع عن شراء الديون الأميركية، أو البحث عن استخدام اليورو أو سلة من العملات المستقرة. ومن المحتمل بعد التخلف عن سداد الديون أن يقبل مصدرو النفط الدفع بأدوات أخرى غير الدولار.
وربَّما تكون عواقب التخلف عن سداد الديون في عام 2023 أكثر خطورة مما تنبأ به الاقتصاديون بشأن الجمود السياسي في الماضي؛ وذلك بسبب الأحداث التي شهدها العالم في الثلاث السنوات الماضية، إلى جانب تعطل سلاسل التوريد والتضخم العالمي وتقسيم العالم إلى كتل وقوى معادية وحرب أوروبية كبرى لا نهاية لها في الأفق. وقد يكون تخلف سداد الديون السيادية للولايات المتحدة تتويجًا لـ”أزمة متعددة الجوانب” على مستوى العالم، وهو مصطلح يشير إلى الأزمات العالمية الحالية المتشابكة.
سيتعين على اقتصاد الولايات المتحدة بعد التخلف عن سداد الديون أن يتقلص، إذ لن تتمكن بقية العالم من امتصاص عجز التجارة الهائل. وستحتاج أميركا إلى المزيد من الإيرادات من التصنيع والخدمات القابلة للتصدير، في حين ستضطر إلى تقليص الاستهلاك. ومن المحتمل أن ينخفض معيار المعيشة الأميركي حتى يتوازن الإنتاج والاستهلاك المحليان.
لقد اعتمدت أميركا جزئيًا على ما يسميه الكثيرون بـ”امتياز الدولار الباهظ” لمدة 75 عامًا. وكما حدث مع انسحاب بريطانيا من الإمبراطورية بعد الحرب العالمية الثانية، قد تجعل مشاكل ميزان المدفوعات الهيمنة العالمية للولايات المتحدة غير مقبول.
في مارس، اتفقت الصين والبرازيل على التخلي عن الدولار في التجارة الثنائية. وفي حال تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها، قد تصبح هذه الصفقات نماذج لتحرك دولي أوسع نطاقًا بعيدًا عن الدولار.
حث الخبراء الدستوريون الرئيس “بايدن” على استخدام التعديل الرابع عشر الذي يلزم وزارة الخزانة على سداد الديون القانونية، ويؤكد على عدم جواز التخلف عن السداد. ويبدو أن مستشاري “بايدن” منقسمون حول هذه المسألة، ولكن عواقب التخلف عن سداد الديون خطيرة لدرجة أنه إذا لزم الأمر، يجب على “بايدن” – مثل لينكولن – تجاهل المشورة الضعيفة واستخدام الأدوات المتاحة لحماية المصالح الحيوية للبلاد.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: nytimes
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر