سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
عساف المسعود
مر وقت قصير منذُ تولي “جو بايدن” رئاسة الولايات المتحدة ودخوله للبيت الأبيض، السؤال القائم هنا هو: كيف يا تُرى يقيم الرئيس الجديد وضع أميركا على الساحة الدولية وداخليًا؟
يحمل المشهد الداخلي في الولايات المتحدة مقتطفات مما كان المشهد عليه في الستينيات والسبعينيات في نواحٍ عديدة الأوجه وكأنه امتداد تاريخي لتشكلات سياسية تاريخية أميركية لم يتم حلها. فهناك موضوع العدالة العرقية، والبيئة، وحقوق المرأة ما زالت فاعلة ومؤثرة داخل المجتمع والسياسة الأميركية، إضافة إلى قربها من توجهات واهتمامات الرئيس الأميركي “جو بايدن” الذي عاصر تلك المرحلة بأحداثها وتفاصيلها، حيث أوردت صحيفة “النيويورك تايمز” أنه كان مؤيدًا نشطًا لحركات الاحتجاج حينها، وأنه كان يقف ضد الاضطهاد العرقي، ويعتبر حرب فيتنام حربًا غير مجدية وغبية، إلا أنه لم يكن ثوريًا حينها وإنما كان أقرب للراديكالية، وكان يعمل في تجارة العقار.
بدأت إدارة الرئيس “جو بايدن” في أول خمس أيام بحل ما تراه مشاكل داخلية، تعتقد أن بحلها ستحل أمورًا أخرى في الداخل، حيث بدأت بوضع خطة إنقاذ لمواجهة “كورونا” بلغت قيمتها 1.9 تريليون دولار؛ لتعدل بعد ذلك قرارات الرئيس السابق “ترمب” كان أولها، قرار الهجرة وتحديدًا بشأن القادمين من المكسيك، ووكذلك السماح لبعض الفئات – غير المناسبة – للانخراط بالخدمة في القوات المسلحة في تحرك سياسي واضح لإرضاء الناخبين، مقابل استمرار الداعمين للرئيس “ترمب” الذين ما زالوا مستمرين في إطلاق مسيرات احتجاجية في الشارع الأميركي وعلى وسائل التواصل الاجتماعي؛ ليبقى “بايدن” أمام أهم المعضلات القائمة، وهي البطالة التي تتعاظم في كل يوم أمام تحديات “كورونا” الاقتصادية، فهناك 16 مليون عاطل عن العمل، هذا ما دفع “بايدن” ليتخذ قرارًا برفع الحد الأدنى من الرواتب من 7.25 إلى 15 دولارًا. لم تقف الإدارة الجديدة هنا، بل اتحد الديمقراطيون ذوو الأغلبية في المجلسين لإقرار خطة “تسوية الميزانية” التي يحذر منها كثير من الاقتصاديين كونها قد تتسبب في عجز فيدرالي إضافي، كل ذلك يأتي مقابل تحديات تواجه الإدارة الجديدة مع شركات النفط الصخري، بسبب سياسة “بايدن” الخضراء.
يتضح من كل هذا أن المشهد الأميركي الداخلي يحمل متطلبات حاسمة ولن يكون من السهولة تخطيها، ذلك مع استمرار الأصوات المؤيدة للرئيس “ترمب” من فئة البيض والمسيحيين والتقليديين من الأرياف الذين يشعرون أن أسلوب حياتهم التقليدي يتعرض للهجوم بسبب المهاجرين ودعم التشريعات للمثليين، الأمر الذي أشار إليه المفكر اليساري “نعومي تشومسكي”، والذي يخفض من حدة المخاوف تجاه هذه الفئة لتراجع نسبة المواليد البيض التقليديين في الولايات المتحدة.
على صعيد الساحة الدولية كانت أولى قرارات الرئيس “بايدن”، هو إعادة هيكلة حجر الزاوية في السياسة الخارجية وهو “الإعلام”، ليقوم بإصدار قرار تنفيذي بإقالة “ستيف مايكل” رئيس الوكالة الأميركية للإعلام الدولي؛ ليضمن بذلك أن أجندته الخارجية سيكون لها صوت عبر هذه الوكالات، ليبدأ من حينها الرئيس “بايدن” بالعودة للعبة المناخ الدولية وإلى اتفاق باريس.
كان الرئيس “بايدن” يكرر في خطابه الانتخابي بأنه “سيستعيد أميركا” في خطاب تنافسي مع الرئيس “ترمب”، والتأكيد على ناخبيه بأن بلدهم غير موجودة أو غير مرئية وأنه سيستعيد الوطن. الأوروبيون من ناحية يوافقون “بايدن” على أن أميركا يجب أن تعود لحلف الناتو وإلى عدة اتفاقيات أوروبية كان قد خرج أو علق “ترمب” عضوية واشنطن فيها، حيث قال رئيس المفوضية الأوروبية وقتها: “الولايات المتحدة عادت.. وأوروبا مستعدة لذلك”.
كل ذلك يحدث أمام نظر الرئيس “بوتين” الذي رحب بالإدارة الجديدة واختبرها من جهة أخرى، بعد تصريحات السفير الروسي في الولايات المتحدة، التي أشار فيها إلى أن موسكو لا تشعر بالإيجابية بعد حديث “بايدن” الأول في الخارجية الأميركية، علاوة على أن الرئيس “بايدن” عين “أنتوني بلينكن” وزيرًا للخارجية، وموسكو على علم أن “بلينكن” ذو نظرة سلبية بشأن روسيا من قبل تعيينه في منصبه. إلا أن المشهد اختلف بعد عدة أيام ليحظى المتابع بمشاهد دافئة بين الجانبين، حيث صرح “بايدن” بأنه يتطلع للعودة لتمديد معاهدة “نيو ستارت” النووية ليلقى ذلك ترحيبًا وسط الكرملين. بالإضافة إلى أن الجانبين يكثفان الاتصالات بشأن تمديد معاهدة “ستارت -3” المعنية بالأسلحة الاستراتيجية الهجومية.
من جانبها بكين استقبلت بقوة وغضب تصريح وزير الخارجية الأميركي، الذي أشار إلى أن الولايات المتحدة ستحاسب الصين على أي تهديد للاستقرار، خاصة في مضيق تايوان. هذه التصريحات المدوية التي وجدت صدى إيجابيًا في بروكسل، مقر المفوضية الأوروبية.
في المقابل، تعود الولايات المتحدة للشرق الأوسط لتصطدم بالواقع الذي يحدث والأعمال الإرهابية لإيران في المنطقة، والتصعيد المتعمد تجاه السعودية، واستهداف القواعد الأميركية في العراق، إلا أنها تختار أن تأخذ موقفًا ناعمًا بتوقيف تصنيف الميليشيات الحوثية الإيرانية كمنظمة إرهابية، بل وإجراء اتصالات مع شركائها الأوروبيين تعرب فيها عن استعدادها للتفاوض مع إيران. هذا المشهد الدراماتيكي وجد مقاومة من الأعضاء الجمهوريين، حسب وصف مجلة “نيوز ويك” الأميركية. مشهد بالفعل قد يكلف المنطقة الكثير، يحاكي فيه الديمقراطيون خطأ الجمهوريين في غزو العراق، الذي لم يسفر عن أية نتيجة باستثناء انتشار السلاح والدمار والدم في المنطقة.
إن ملف الشرق الأوسط بالنسبة لإدارة الرئيس “بايدن” تحدٍّ دولي كبير، ولا يُعرف أو يمكن التنبؤ بما قد يخرج به الاتفاق النووي الإيراني بعد عودة أميركا، إلا أن المؤكد، هو أن هدف إيران هو الحصول على أسلحة نووية، وهذا خطأ كبير يعيد لنا المشهد التاريخي ذاته الذي سمحت فيه هذه القوى الغربية لـ”هتلر” والنازية بالتمدد في أجزاء من بولندا، ومن ثم اتخاذ قرار المواجهة في الحرب العالمية الثانية التي كلفت الكثير وهدرت حقوق الإنسان.
نستقرأ من كل هذا، أن الداخل الأميركي يحمل ملفات صعبة على “بايدن”. أمَّا على الساحة الدولية، فيجد الرئيس الجديد الدعم الأوروبي الكافي في عدة قضايا دولية، في ظل تهدئة مع الجانب الروسي التي تنطوي على استراتيجية لتوجيه الطاقة والتركيز تجاه الصين، في وقت ستلعب موسكو دور الموفق بين الآراء، فتوحد قوتين مثل الصين وروسيا لمواجهة الولايات المتحدة يشكل هاجسًا استراتيجيًا لواشنطن. كما قد تلعب روسيا على هذا الهاجس للحصول على أكبر عدد من المكاسب في عدة مناطق منها سوريا وليبيا، في وقت تخفف موسكو من الوجود في أوروبا بسبب عودة الولايات المتحدة لحلف الناتو، إلا أن ذلك ما زال رهين التدخل الغربي في الداخل الروسي من خلال ملفات حقوق الإنسان. أمَّا الشرق الأوسط، فسيبقى أسير التجاذبات في الداخل الأميركي مما يحتم وجود تكتل عربي أو خليجي قوي في هذه المنطقة، وأن يتم تأمين الممرات البحرية للنفط والتجارة بشكل أكبر، وأن يتم تشكيل قوات مشتركة عربية بقواعد ثابتة تحمي المنطقة، وأن يتم الاستثمار في تسليحها بالشكل الكافي، وأن تكون موازية في معاييرها وأهدافها لحلف الناتو.
كاتب وباحث أكاديمي سعودي*
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر