سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
بنيامين إيه. غراهام
تُعدُّ الحرب التجارية الدائرة الجبهة الأبرز في الصراع القائم بين الولايات المتحدة والصين على النفوذ العالمي؛ حيث تُعدُّ سياسات الهجرة، كغيرها من الجوانب مثل التعريفات الجمركية والصفقات التجارية، من بين العوامل التي تحدد أي الجانبين سوف يسود.
فالقدرة التنافسية الأميركية بالأسواق الخارجية تمثل ساحة للمعركة الرئيسية في الصراع. وبينما كانت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة المصدر الرئيسي للاستثمار الأجنبي في البلدان النامية، فقد برزت الصين كلاعبٍ حازمٍ بشكلٍ متزايدٍ في الكثير من المجالات. فمن خلال “مبادرة الحزام والطريق”، تستخدم الصين الاستثمار كأداة لتوسيع نفوذها السياسي في جميع أنحاء آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية.
لكن المهاجرين، وهم يمثلون مجموعات يهاجمها الرئيس دونالد ترمب بشكل متكرر، يسهمون في تزويد الولايات المتحدة بميزة تنافسية قوية بشكل مدهش؛ ذلك أن السياسات التي تحد من عدد المهاجرين، الذين يمكنهم القدوم إلى الولايات المتحدة، قد تكون ضارة بالقدرة والمزايا التنافسية الأميركية على المدى البعيد.
أمة من المهاجرين
في حين أن أميركا تُعدُّ أمةً من المهاجرين، فإن الصين ليست كذلك. فالشركات الصينية لديها عددٌ قليلٌ من المهاجرين الذين تستطيع توظيفهم، إلا أن ذلك ربَّما يؤلمهم. فلا يوجد سوى مليون من المولودين خارج الصين، مقارنة بـ50 مليون في الولايات المتحدة، وذلك رغم أن عدد سكان الصين أكبر أربع مرات. وسواء أكانت شركات أميركية ترغب في الاستثمار بالهند أو نيجيريا أو أرمينيا أو غواتيمالا، فهناك مجتمع مزدهر من المهاجرين بالولايات المتحدة يمكن للشركات الاستفادة منه في مساعدتهم على التنقل عبر بيئات اجتماعية وسياسية معقدة. كما أن عددًا قليلاً من الشركات الصينية يمكن أن تفعل الشيء نفسه؛ وهو ما يعطي الشركات الأميركية ميزة تنافسية. إذ تتيح العلاقات الاجتماعية والسياسية للمهاجرين مع بلدانهم الأصلية، بجانب الروابط المهنية التي يقيمونها بالولايات المتحدة، إمكانية سد الفجوة بين الشركات الأميركية والشبكات القيمة في البلدان النامية.
أشقاء وأصدقاء طفولة
في العديد من البلدان، تلعب المؤسسات الرسمية مثل المحاكم الضعيفة، والعلاقات الشخصية، دورًا كبيرًا في كلٍّ من الاقتصاد والسياسة. فإذا كنت ترغب في الحصول على تصريح سريع، فأنت بحاجة إلى التوجه إلى مكتب التصاريح أو أحد أصدقاء الطفولة ممن أصبحوا الآن يعملون بالسياسة. فالعمل بالأسواق الناشئة يتطلب معرفة وثيقة بالأشخاص المناسبين؛ وهو ما يمكن أن يمثل علاقات معقدة بالنسبة للشركات الأجنبية العاملة في قطاع التطوير والتنمية.
فبينما يلجأ الكثيرون إلى عناصر الدعم المحلي للتنقل في البيئات الصعبة، فإن عملية بناء الثقة مع شخص محلي لا يزال أمرًا صعبًا. فالشخص الذي لا يمكن الوثوق به، هو الشخص الذي لا يمكن الاعتماد عليه. ففي المكان الذي ينشط فيه المهاجرون، غالبًا ما تنعكس عليه الروابط المحلية التي يحتفظ فيها الكثيرون بعلاقات قوية مع أصدقاء الطفولة والمرتبطين بعلاقات أسرية ممتدة عبر الوطن. وفي الوقت نفسه، فإنهم يقومون ببناء روابط قوية قائمة على الثقة مع العديد من الزملاء والأصدقاء في البلاد التي يلجؤون إليها، وهو ما يجعل المهاجرين وسطاء ذات قيمة.
الاستثمار في الوطن
في كتاب جديد حمل عنوان (الاستثمار في الوطن)، أجرى فريق من الباحثين مقابلات مع مديرين لأكثر من 400 شركة متعددة الجنسيات تعمل في الفلبين وجورجيا.
وتُعدُّ كلٌّ من جورجيا والفلبين حالتين ممتازتين لأن كليهما نموذجان جيدان في الأسواق الناشئة من حيث فرص الربح، لكن لديهما قدرًا من المخاطر، بما في ذلك الفساد والبيروقراطية والبيئة السياسة المغلقة التي لا يمكن التنبؤ بها. وقد جمع باحثو الكتاب معلومات حول قوة الشبكات الاجتماعية للشركات، بما في ذلك علاقاتها مع الشركات الأخرى، ومدى تفاعلها مع المسؤولين الحكوميين، وما إذا كان المسؤولون الحكوميون الحاليون أو السابقون يشاركون في مجالس إداراتهم، وبناء على تلك المعلومات قام الباحثون بتقييم الاستراتيجية العامة للشركات، وبخاصة كيفية إدارة الشركات للتحديات السياسية وحل النزاعات مع النظراء.
وقد خلص الباحثون إلى أن الشركات التي يملكها أو يديرها مهاجرون – بغض النظر عن جنسيتهم – كانت أفضل من الشركات الأجنبية الأخرى، كما أن هذه الروابط قد ساعدتهم على البقاء في بيئات صعبة.
فعلى سبيل المثال، كانت الشركات التابعة للمهاجرين أكثر عرضة خمس مرات للإبلاغ عن حل النزاعات التجارية خارج نطاق نظام المحاكم الرسمي. وبدلاً من ذلك، فإنهم لجؤوا إلى الأصدقاء وأشخاص تربطهم بهم علاقات أسرية والاستعانة بهم في إيجاد حلولٍ فعالةٍ؛ وهو ما يُعدُّ أمرًا بالغ الأهمية، بالنظر إلى مدى بطء أعمال المحاكم التي لا يمكن التنبؤ بأعمالها في البلدان النامية.
ووفقًا لما ذكره أحد المديرين في الفلبين، إذا سلّم أحد الموردين شحنة معيبة من البضائع، فلن يتعين على الشركة المتعاملة معها الذهاب إلى المحكمة لاسترداد أموالها؛ إذ إن ذلك ينطوي على تهديد بأن يعلم الجميع أخبار تلك المشكلات في شبكته الممتدة، وهو ما من شأنه التأثير على سمعة الشركة وأعمالها.
كما خلصت الدراسة إلى أن الشركات التابعة للمهاجرين تعتبر أكثر عرضةً بأربعة أضعاف أن يكون هناك موظف حكومي حالي أو سابق يعمل في مجلس إدارتها، كما أنه من المحتمل بنسبة تصل للضعف أن يكون هناك إمكانية لاستخدام العلاقات الشخصية لأصحابها أو مديريها كأداة للتعامل مع العلاقات الحكومية.
لكن هذه الاستراتيجيات القائمة على العلاقات تؤتي ثمارها، حيث كانت الشركات التابعة للمهاجرين أكثر ضعفًا تقريبًا فيما يتصل بقدرتها على التأثير على سياسة الحكومة في البلد المضيف.
بالطبع ، ليس كل المهاجرين لهم روابط اجتماعية قيمة. فقد أظهرت دراسة جديدة أجرتها الخبيرة الاقتصادية، “آنا كوادروس”، أن تدفق المهاجرين بالمهارات الإدارية يشجع الاستثمار الأجنبي على التدفق إلى أوطانهم، لكن الأمر نفسه لا ينطبق على الأشخاص الأقل مهارة. لذلك، فكلما زاد عدد المهاجرين الأثرياء المتعلمين الذين تعترف بهم الولايات المتحدة، زاد عدد الوسطاء المحتملين الذين تستعين بهم الشركات الأميركية.
ومن المرجح أن تجذب تأشيرات H-1Bالمتاحة للعمال ذوي المهارات العالية، وتأشيرات EB-5لرجال الأعمال المهاجرين الذين يؤسسون أعمالاً تجارية ضخمة، نوعًا من المهاجرين الذين يمكن أن يصبحوا وسطاء للشركات الأميركية فيما بعد. وحتى الآن، كانت هذه التأشيرات مقيدة في عهد الرئيس ترمب أكثر من الرئيس باراك أوباما. لكن إدارة ترمب اقترحت الانتقال نحو نظام قائم على النقاط.
ومن الآثار الجانبية المؤسفة أن هذا من شأنه أن يقلل عدد التأشيرات الصادرة لجمع شمل الأسرة. وفي حين أن أي إصلاح لنظام الهجرة يجب أن يتصدى لهذه المقايضات الأخلاقية، إلا أن ثمة حجة اقتصادية قوية لزيادة الهجرة ذات المهارات العالية. فقد يحمل المهاجرون فقط الطريق للولايات المتحدة لتتغلب على الصين في الكفاح من أجل التفوق الاقتصادي العالمي، ما دام خطاب ترمب الملتهب لا يعترض طريقه.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: كونفرزيشن
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر