سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
جيمي ديتمير
يصادف هذا العام الذكرى الثلاثين لتفكك الاتحاد السوفييتي. فقد كان الانهيار الذي حدث في ديسمبر 1991 مزعجًا في سرعته، حيث تبعه انقلاب فاشل من قبل المتشددين ضد الزعيم السوفييتي – آنذاك – ميخائيل جورباتشوف.
وسيحتفل العديد من الروس بهذه الذكرى بشكل منفرد رغم عدم تخطيط سلطات الدولة لذكرى رسمية. أمَّا بالنسبة للرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، فقد كان تفكك الاتحاد السوفييتي “أكبر مأساة جيوسياسية في القرن العشرين”.
لكن المحللين والدبلوماسيين الغربيين يقولون إن هذا الحدث يشغل الكرملين في الوقت الحالي، فهو مثال تاريخي مؤلم لمدى سرعة تفكك دولة استبدادية. إنهم يقولون إن الدرس المستفاد داخل الكرملين هو مضاعفة استخدام سلطة الدولة للحفاظ على السيطرة.
الاستعداد للتحدي
يشير المراقبون إلى أن تسميم الناشط المعارض الروسي “أليكسي نافالني”، الذي حدث العام الماضي، يعتبر تصعيدًا حادًا من خلال حملة الكرملين التي يبدو أنها تهدف إلى سحق المعارضة وإسكات الأصوات السياسية البديلة.
وفي حديثه بمناسبة أجريت عبر الإنترنت استضافها الشهر الماضي مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، قال الخبير في مجال استطلاعات الرأي الروسي، “دينيس فولكوف”، إن الكرملين يهدف إلى “تسريح المنتقدين، وجعلهم سلبيين، وغير نشطين.”
في العام الماضي، قام “بوتين” بتغيير دستور روسيا، مما مهد الطريق أمامه للبقاء في السلطة حتى عام 2036. وقد تمَّ دعم هذا التعديل من خلال استفتاء شارك فيه 79% من الروس الذين أدلوا بأصواتهم، على الرغم من وجود مزاعم بحدوث مخالفات، بما في ذلك إكراه الناخبين والتصويت المتعدد.
لكن لا يبدو أن هذا قد طمأن الكرملين أو جعله أكثر ثقة بشأن المستقبل. إذ يشير تسمم “نافالني” إلى أن الكرملين لا يزال متوترًا بشأن التحديات المستقبلية لسلطته.
ووفقًا لـ”أندريه كوليسنيكوف”، المحلل في مركز كارنيجي بموسكو، فإن الكرملين يواجه عددًا متزايدًا من المشاكل، ويحاول الاستعداد لجميع السيناريوهات المحتملة. وقد أدت الاضطرابات والاحتجاجات الحاشدة في بيلاروسيا المجاورة، التي وقعت منذ أغسطس الماضي، ضد حكم الرئيس “ألكسندر لوكاشينكو”، وكذلك الاضطرابات في قيرغيزستان، إلى زيادة قلق الكرملين.
وكما قال “كوليسنيكوف” فإن “الهدف الوحيد لبوتين ونخبته هو الإبقاء على أنفسهم في السلطة”.
ويقول المحللون إن العديد من التشريعات الأخيرة تؤكد تصميم الكرملين الواضح على مواصلة زيادة الجهود ضد خصوم “بوتين” المحليين قبل أن يُرجح أن يكون عامًا سياسيًا كبيرًا في روسيا، حيث من المقرر إجراء الانتخابات البرلمانية في سبتمبر.
ويرى الكرملين أن الرياح السياسية تتحرك ضد الحكومة، وهو ما يفسر توقيت محاولة اغتيال “نافالني” وإجراءات تقوية سلطة الدولة.
لقد وقع مرض “نافالني” في أغسطس 2020 خلال رحلة عودته من سيبيريا إلى موسكو. إذ قام الطيار بتحويل مسار الطائرة حتى يتمكن “نافالني” من تلقي العلاج المنقذ للحياة. ويتعافى الناشط السياسي في برلين حيث يتلقى علاجه. وقد أوضحت الاختبارات التي أجريت في برلين وجود غاز الأعصاب “نوفيتشوك” في جسده.
وتقول الحكومات الغربية إن “نافالني” قد تسمم بغاز الأعصاب الذي يعود إلى الحقبة السوفييتية، وهو نفس السم الذي يقول المسؤولون البريطانيون إنه تمَّ استخدامه لتسميم الجاسوس الروسي السابق “سيرجي سكريبال” في إنجلترا في عام 2018. وفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على رئيس جهاز المخابرات الروسية (FSB) “ألكسندر بورتنيكوف” ومسؤولون كبار في الكرملين بشأن الهجوم.
الكرملين ينفي أي دور له في التسمم
في ديسمبر، لم يؤكد “بوتين” ولم ينفِ تورط عملاء روس في محاولة اغتيال “سكريبال”، لكنه قال مازحًا “إنهم لو أرادوا قتله لكانوا على الأرجح قد انتهوا من ذلك”. لكن الزعيم الروسي لم يجادل في أن عملاء جهاز الأمن الفيدرالي (FSB) تعرضوا لخداع “نافالني” لسنوات.
تشريع جديد
وقَّع “بوتين”، الأسبوع الماضي، على إجراء لتحديث ما يسمى بـ”قانون العملاء الأجانب”، الذي تمَّ إقراره أول مرة في عام 2012 واستهدف في البداية وسائل الإعلام الأجنبية ومجموعات المجتمع المدني التي تتلقى أي أموال من خارج روسيا.
وبعد ذلك تمَّ توسيع القانون ليشمل الصحفيين والمدونين الأفراد، مطالبًا إياهم، مثل وسائل الإعلام الأجنبية وجماعات الحقوق المدنية الممولة من الخارج، الإبلاغ عن أنشطتهم والخضوع لعمليات تدقيق مالية متكررة. وقد أدى القانون بالفعل إلى إغلاق بعض المنظمات غير الحكومية الرئيسية في روسيا.
كما يوسع التعديل الذي وقعه “بوتين”، أخيرًا، المعايير التي بموجبها يمكن اعتبار الشخص أو الكيان “وكيلاً أجنبيًا”. فقبل ذلك، كان عليهم تلقي تمويل أجنبي. لكن الآن، يمكن تصنيفهم كعملاء أجانب إذا اعتبرت سلطات الدولة أن أنشطتهم “لصالح أطراف أجنبية .”
ووفقًا لمنظمة العفو الدولية، فإن الإجراء الجديد يشير إلى بداية “مطاردة جديدة للسحرة” في روسيا. فقد قالت “ناتاليا بريلوتسكايا”، الباحثة في منظمة العفو الدولية: “إنه يكشف اعتقاد السلطات الروسية بأن الجهات الفاعلة في المجتمع المدني إنما هم عملاء مدمرون للغرب، وعازمون على زعزعة استقرار الحكومة. فقد حرمت السلطات الروسية بالفعل المجتمع المدني ماليًا، وأجبرت العديد من المنظمات على الإغلاق. والآن، هم يزيدون من شيطنة النشطاء الأفراد .”
كما تمَّ فرض قيود جديدة على الاحتجاجات العامة، ومنحت الحكومة نفسها سلطة معززة لحجب المواقع الأجنبية والمحلية التي تقول إنها تفرض رقابة على محتوى وسائل الإعلام الحكومية الروسية.
تصاعد السخط
من المرجح أن تؤدي التداعيات الاقتصادية لوباء الفيروس التاجي، والتي تزيد من عدم المساواة والفقر، إلى إثارة الإحباط العام. وهو ما يأتي وسط مؤشرات على أن دعم الأغلبية لـ”بوتين” حتى الآن ليس شيئًا يمكن للكرملين أن يأخذه كأمر مسلم به.
ويبدو أن المسؤولين الروس فوجئوا بالاحتجاجات المناهضة للكرملين، العام الماضي، في “خاباروفسك” في أقصى شرق روسيا، حيث كان رد فعل السكان المحليين غاضبًا على اعتقال الحاكم الشعبي للمنطقة والناشط السياسي “سيرجي فورغال” بتهم جنائية. وفي استطلاع وطني أجري العام الماضي، ذكر مركز “ليفادا” إن 47% من المستطلعين قالوا إن لديهم وجهة نظر إيجابية تجاه احتجاجات “خاباروفسك”. كما تراجعت معدلات تأييد “بوتين.”
وقد تحدث بوتين، مؤخرًا، عن السنوات الأخيرة من الحقبة السوفييتية؛ إذ قال إنه “كان لدى الاتحاد السوفييتي كل شيء، لكن لم يكن هناك ما يكفي للجميع”. ففي ذلك الوقت، كانت المشكلة بسبب النقص في المنتجات. ولكن الآن، قد يكون ذلك بسبب عدم امتلاك الشعب ما يكفي من المال لشراء منتجات معينة بالأسعار التي نراها حاليًا في السوق.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: صوت أميركا Voice of America VOA
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر