سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
أندرو رينيمو
لقد كانت البداية المضطربة لعام 2020 بإحدى أبرز الشركات العائلية في المكسيك. فمنذ شهر يناير، كافحت عائلة ” أوسويجيرا جونزاليس”Oseguera González للحفاظ على العمل كالمعتاد. فقد أغلقت جائحة” كوفيد ـ 19″ أعمال الموردين وأغلقت أسواق التصدير الرئيسية. كما ظهرت مشاكل التوظيف والجرد بشكل مفاجئ. وقد تسببت الإشكاليات القانونية في الكثير من المآسي العائلية. ومن المحتمل أن تتأثر الأوضاع المالية للعائلة. ومن المؤكد أن مثل هذه التحديات لها صدى لدى ملايين الشركات المدارة عائليًا في جميع أنحاء المكسيك، حيث تفرض القيودالمفروضة بشأن “كوفيد ـ 19” خسائر عديدة. لكن عائلة “جونزاليس” ليست مجرد عائلة، حيث تدير واحدة من أخطر مجموعات الجريمة في العالم وهي تكتل “دي جاليسكو نوفا” Cártel de Jalisco Nueva Generación (CJNG).
وقد بدأت الصعوبات التي تواجه العائلة المكسيكية الأكثر خطورة في يناير، عندما بدأت تدابير الصحة العامة الصينية لمكافحة” كوفيد ـ 19″ في تعطيل التجارة في العقاقير الاصطناعية. وتستورد هذه الشبكة المواد الكيميائية من الصين لتصنيع الـ”ميتامفيتامين” والـ”فينتانيل”، وتعمل الصين كسوق تصدير رئيسي للمنتجات النهائية. ومع ذلك، فقد وجد شريك صيني بارز في هذه الشبكة أن عملياته واتصالاته مقيدة بسبب الإغلاق الناتج عن الفيروس، وذلك فقًا للتقارير الصادرة في 5 مارس عبر الإذاعة المكسيكيةالتي استشهدت بمصدر استخبارات في مكتب المدعي العام المكسيكي.
وفي الوقت الذي عانت فيه هذه الشركة من أزمات العرض واجهت عائلة”جونزاليس” مشاكل قانونية. ففي 20 فبراير، قامت المكسيك بتسليم “روبين أوسويجيرا جونزاليس”، نجل زعيم الشبكة، إلى الولايات المتحدة بتهمة تهريب المخدرات واتهامات بالاتجار في الأسلحة بمقاطعة كولومبيا. وفي الأسبوع التالي، ظهرت شقيقة “روبين” في محكمة اتحادية بالعاصمة لرؤية شقيقها، وتم القبض عليها على الفور بسبب انتهاكات مزعومة لقانون العقوبات الأميركية.
وبعد أقل من أسبوعين، كشفت السلطات الأميركية عن إجراءات ضد موزعي هذه الشبكة. وأعلنت إدارة مكافحة المخدرات(DEA) عن القبض على أكثر من 600 من المتصلين بهذه الشبكة في جميع أنحاء الولايات المتحدة وضبط مخدرات بقيمة تزيد على 22 مليون دولار. واستهدفت الغارات على وجه التحديد بصمة الشبكة في نيويورك، كما تواصل شعبة إدارة مكافحة المخدرات في سانت لويس التحقيق في العمليات التي تقوم بها في القطاع الغربي من البلاد.
وقد أثيرت العديد من الأسئلة بخصوص هذه النكسات، التي يمكن القول إنها أقوى ضربة إجرامية في المكسيك.. أسئلة يمكن التنبؤ بها من جانب المحللين الأمنيين ووسائل الإعلام، ومن بينها: هل ستضعف الاعتقالات الجماعات المتمردة؟ هل تتجنب المكسيك تكرار أعنف الأعوام بالنسبة لها على الإطلاق؟ وكيف سيبدو المشهد الإجرامي للبلاد في عهد “كوفيد ـ 19″؟ هنا توفر البيانات الأولية والحسابات القصصية إجابات جزئية. حيث يمكن القول إن شبكة “دي جاليسكو نوفا” ستحافظ على موقع القطب في اقتصاد الجريمة سريع التطور.
ذلك أن هذه الشبكة ذات تأثير عائلي، وبسبب هذه السمة فمن المحتمل أن يكون للاعتقالات الأخيرة التي تستهدف المجموعة تأثير محدود. ومن المتصور أن العائلة التي تجلس على رأس هذه الشبكة، و”أوسويجيرا” وأقاربهم، وعائلة “جونزاليس”، تشرف على مؤسسة لها عمليات في الأميركتين وأوروبا وآسيا، ولديها تدفقات ضخمة للإيرادات بما في ذلك الاتجار بالمخدرات وسرقة النفط والابتزاز والسلع المقلدة. وتوفر العائلة الممتدة وقيادتها المستمرة لتلك العمليات، الدفع الذي يربط بين كبار قادة الشركة مع مساعديهم، حيث تؤثر على مسار الشبكة بقراراتها. ومع ذلك، تعتمد العائلة على تكتل عميق من الموظفين الخارجيين لإدارة العمليات اليومية، مثل إنتاج الهيروين، الذي بلغ ما يقدر بـ106 أطنان مكعبة في عام 2018، وفقًا لمسؤول في إدارة مكافحة المخدرات حسب ما جاء في “رويترز”.
ويساعد هذا الهيكل على التخفيف من مخاطر الأشخاص الرئيسيين، حيث يمكن أن يقلل فقدان شخصية بارزة مثل “روبين أوسويجيرا جونزاليس”، الذي يُقال إنه ثاني مسؤول في الشبكة وقت اعتقاله، من فعالية أدائها. وفي الواقع، فقد فقدتالشبكة العديد من أفراد عائلة” جونزاليس” بسبب الاعتقال بين عامي 2015 و2017، بما في ذلك أولئك الذين غسلوا أموال التكتلات ومولوا صعود أسهم الشبكة في عام 2010. كما واجه التكتل انقسامين داخليين على الأقل في السنوات الثلاث الماضية، مع وجود خلايا تطلق على نفسها “كارلت نويفا بلازا” و”لوس كابوس” ينفصلان في ولايتي جاليسكو وباها كاليفورنيا، على التوالي. ومع ذلك، لم تؤدِ أي من تلك الخسائر إلى إبطاء نمو التكتل ماديًا، مما يشير إلى أن المرونة في مواجهة الاعتقالات الأخيرة هي النتيجة الأكثر ترجيحًا.
وتشكل سلسلة التوريد المتأثرة للتكتل مخاطر تشغيلية بشكل أكثر جوهرية، حيث تستورد المنظمة الكميات الصناعية من الكيماويات من الصين عبر أربعة موانئ بحرية على الأقل في المكسيك، مع ضبط 23 طنًا من “الفينتانيل” في أغسطس 2019 بما يوحي بحجم العملية. وستؤدي اختلالات العرض المماثلة، هذه المرة من قيود “كوفيد ـ 19″، إلى رفع سعر الأدوية الاصطناعية للتكتل على المدى القصير. وفي الواقع، فقد أخبر أحد المتاجرين المكسيكيين أحد النواب في منتصف مارس أن أسعار رطل الـ”ميتامفيتامين” في المكسيك قد زادت بالفعل إلى أكثر من الضعف. وإذا طال أمدها، يمكن أن تؤدي هذه الزيادات إلى أن يبحث تجار الجملة لدى التكتل في مكان آخر عن أسعار أكثر تنافسية. وسيؤدي الإغلاق الجزئي للحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، والتي تحد من الوصول إلى أهم سوق للأدوية الاصطناعية في “دي جاليسكو نوفا”، إلى تفاقم المشكلة فقط.
وللتعويض، سيحاولالتكتل على الأرجح مضاعفة تدفقات الإيرادات داخل المكسيك. ولا شك في أن زيادة حصتها في سوق أدوية البيع بالتجزئة ستكون ذات أولوية، وكذلك استمرار الابتزاز للتجارة في المنطقة التي تسيطر عليها، ولكن هذه الأهداف يجب أن تنتظر حتى يُعاد فتح معظم الشركات المحلية. وفي الوقت نفسه، قد يحاول التكتل الاستفادة من الوباء من خلال استهداف القطاع الصحي. وتشير التقارير الصحفية المكسيكية، نقلاً عن معلومات مكتب المدعي العام، إلى أن”دي جاليسكو نوفا” يوزع الأدوية المسروقة والمزيفة ويجبر الصيدليات الصغيرة والمتوسطة الحجم في مدن خاليسكو، وغواناخواتو، وغيريرو، وميشواكان على بيعها.
كما يؤكدالتكتل على الإيرادات المحلية، فإنه سيدخل في منافسة محصورة بقيمة صفر للأراضي والموارد والعملاء مع المجموعات الأخرى التي تواجه أيضًا قيودًا على الخدمات اللوجستية والإمداد. وستؤدي هذه المنافسة إلى تفاقم الصراعات الموجودة مسبقًا، مثل الحرب التي شنتهاتكتل “دي جاليسكو نوفا” ضد تكتل “سانتا روزا دي ليما” من أجل السيطرة على سرقة النفط في ولاية “غواناخواتو” منذ عام 2017. كانت هذه الهجماتضد الجماعات المتنافسة محركًا مهمًا للمكسيك في إطار أكثر من 34.500 جريمة قتل في عام 2019.
وتشير بيانات الحكومة المكسيكية إلى أن 2020 ستبقى عنيفة بنفس القدر، وأنتكتل “دي جاليسكو نوفا”نشط بنفس القدر، على الرغم من التدابير التقييدية لمواجهة “كوفيد ـ 19” خلال أسبوع من 23 إلى 29 فبراير، عندما سجلت المكسيك أول حالة إصابة “بكوفيد ـ 19″، كان هناك 543 جريمة قتل في جميع أنحاء البلاد بمتوسط 77 حالة في اليوم، وفقًا لإدارة الأمن المكسيكية. وعلى الرغم من إجراءات التباعد الاجتماعي، لا يزال الشهر التالي هو الأكثر عنفًا على الإطلاق منذ أن بدأت الحكومة المكسيكية في جمع بيانات جرائم القتل في عام 1997. وسجلت البلاد 2.585 جريمة قتل بمعدل 83 في اليوم خلال شهر مارس. والجدير بالذكر أن ما يقرب من ربع عمليات القتل هذه وقعت في “غواناخواتو”، حيث يواصلتكتل “دي جاليسكو نوفا” الكفاح من أجل السيطرة على سرقة النفط، وفي دولة المكسيك، حيث تتنافس على سوق المخدرات بالتجزئة مع الخلايا الإجرامية التي تديرها العائلة والمجموعات المنشقة من الكارتلات البارزة.
أخيرًا، فمع تحويل التمويل الأمني لمكافحة العنف في المكسيك إلى الاستجابة للوباء، ترى واشنطن انفتاحًا لوضع ضغط إضافي على كارتل “دي جاليسكو نوفا” ومنافسيها وإضعاف التكتلات التي ترى أنها ضعيفة. وقد أعلن البيت الأبيض في 1 أبريل عن تخصيص موارد إضافية لوزارة الدفاع في منطقة البحر الكاريبي لاعتراض شحنات المخدرات. وفي الوقت نفسه، من المرجح أن تستمر زيادة عمليات تسليم الشخصيات الإجرامية المكسيكية إلى الولايات المتحدة، التي بدأت في ديسمبر، مع وجود تعاون مكسيكي مدفوع بتهديد واشنطن في نوفمبر 2019 بتعيين الكارتلات كمجموعات إرهابية.
وبالنسبة لعائلة” أوسويجيرا جونزاليس”، فإن هذا يعني أن الأشهر المقبلة هي الأكثر صعوبة، مع التحديات التي ستواجهها في الأعمال التجارية بالمحكمة، وفي الشوارع. ولكن بالنسبة للعائلة يعتقد أنها كانت تعمل في مجال المخدرات منذ عقود، فإن الضغط ليس بالأمر الجديد.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: جيوبوليتيكال مونيتور
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر