سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
عمر الرداد
تلقى حزب العدالة والتنمية الإسلامي المغربي ضربة قاصمة في الانتخابات التشريعية التي شهدها المغرب أمس، فوفقاً لنتائج أولية تكاد تكون نهائية حصل الحزب على “12” مقعداً في كافة الدوائر الانتخابية، من أصل “125” مقعداً كان قد حصل عليها في انتخابات عام 2016، ومكنته من إعادة تشكيل الحكومة المغربية، وفقاً للدستور المغربي المعدل الذي ينص على تكليف الملك لمرشح الحزب الحائز على أعلى الأصوات بتشكيل الحكومة، وبذلك يكون حزب العدالة والتنمية قد فقد “113” مقعداً في هذه الانتخابات، وهو ما يعني ليس تأكيداً لضربة قاصمة تلقاها الحزب فقط؛ بل عدم القدرة أيضاً على تشكيل كتلة انتخابية؛ إذ تنص التشريعات المغربية على ألّا يقل عدد أعضاء أي كتلة عن “20” عضواً.
بالمقابل، حققت أحزاب توصف بأنّها ليبرالية فوزاً في الانتخابات (التجمع الوطني للأحرار “96” مقعداً، الأصالة والمعاصرة “82” مقعداً، الاستقلال “78” مقعداً، الاتحاد الاشتراكي “35” مقعداً، الحركة الشعبية “26” مقعداً”)، ومن المرجح أن يتم تكليف “التجمع الوطني للأحرار” بتشكيل حكومة ائتلافية جديدة؛ إذ تبدو سلة خيارات “التجمع” واسعة، وربما يضم تحالفاً يضم أكثر من نصف أعضاء البرلمان البالغ عدد أعضائه “395” عضواً، ويشار إلى أنّ الدلالات الرقمية والإحصائية، بما فيها عدد المقاعد التي حصل عليها حزب التنمية، ونسبة المشاركة التي بلغت حوالي “50%”، ترسل رسالة واضحة تجيب عن تساؤلات حول حجم شعبية التنمية “الإسلام السياسي”.
الإسلام السياسي يستطيع حصد الشعبية وبناء القواعد وهو خارج السلطة في صفوف المعارضة، لكنه سرعان ما يتهاوى بمجرد وصوله إلى السلطة
ورغم تشكيك بعض قيادات التنمية بإجراءات العملية الانتخابية، وأنها تضمنت تضييقاً على حزب العدالة والتنمية، وتجاوزات في ممارسة الدعاية الانتخابية، إلا أنّ اعترافات متوالية صدرت عن قيادات أخرى تتضمن الاعتراف بالهزيمة، وضرورة إجراء مراجعات معمقة ونقد ذاتي لأسباب الهزيمة، لا سيّما أنّ النتيجة التي حصل عليها الإسلاميون جاءت “حكماً” من الناخب المغربي على إدارتهم للدولة “على مدى 10 أعوام” في عهد عبد الإله بن كيران، وسعد الدين العثماني، وهي مدة كافية لاجتراح برامج ومشروعات تمكن المواطن المغربي من إصدار أحكام واعية، يلمس فشلها على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
ربما تطول قائمة أسباب السقوط المدوّي لإخوان المغرب، ما بين أسباب ذاتية وأخرى موضوعية، تؤكد حقيقة أنّ الإسلام السياسي يستطيع حصد الشعبية وبناء القواعد وهو خارج السلطة في صفوف المعارضة، لكنه سرعان ما يتهاوى بمجرد وصوله إلى السلطة، والانغماس في قيمها وتحدياتها، بما في ذلك الالتزام بشروط اللعبة الديمقراطية، والوقوع في براثن إشكاليات الفصل بين الدعوي والسياسي، ناهيك عن انعدام فرص تحقيق الوعود في تحسين ظروف الحياة الاقتصادية خارج أطر المؤسسات الدولية، والانخراط في المنظومة العالمية الاقتصادية، وما يترتب على ذلك من تغييرات اجتماعية واقتصادية تتعاكس بالضرورة مع صلابة جدران الإيديولوجيات، التي تقاتل في التكيف مع إشكالية القديم والجديد.
خلاصة التصويت وبالصورة العقابية لتجربة الأعوام الـ10 في قيادة حزب العدالة والتنمية للحكومة ارتبطت بسلسلة حلقات فشل متوالية ارتكبها الإسلاميون عبر قرارات صادمة، بما فيها تلك التي مسّت حياة قواعد انتخابية تحسب على الحزب، تنتمي للطبقتين الوسطى والفقيرة، لا سيّما نظام التقاعد، وربما كانت موافقة الحزب على التشريع الخاص بزراعة الحشيش قاصمة الظهر، رغم محاولاته تبرير القرار، وبالتزامن عاش الحزب أزمة داخلية أدت للإطاحة بابن كيران، فيما كان ارتباك موقف الحزب من التطبيع مع إسرائيل أحد أسباب تراجع شعبيته، رغم دعوته لزعيم حركة حماس الفلسطينية إلى المغرب، بعد حرب غزة الأخيرة، واستثمارها في حملته الانتخابية.
10 أعوام مدة كافية لاجتراح برامج ومشروعات تمكن المواطن المغربي من إصدار أحكام واعية، يلمس فشل حكومة العدالة والتنمية على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية
مؤكد أن الضربة التي تلقاها الإسلاميون في المغرب ستكون لها تبعاتها على صعيد الحزب بمراجعات شاملة ربما تسهم في تغييرات بهيئاته القيادية وبرامجه، قد تصل إلى الإجابة عن سؤال الفصل بين السياسي والدعوي، خاصة أن أزمة الحزب غير معزولة عن الأزمة العامة التي يعيشها الإسلام السياسي في المشرق والمغرب، بما في ذلك نسخته “الشيعية” في إيران والعراق بالإضافة إلى لبنان واليمن، رغم أنه يأخذ في بلدان المغرب العربي صوراً أقرب إلى الحسم، تبدو تجلياتها في تونس مع حزب النهضة، وها هي ذي ارتداداتها في المغرب، ولا يُستبعد أن تمتدّ لتصل إلى ليبيا والجزائر قريباً.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر