سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
عبير خالد
أثناء دراستي في لندن كنت أقضي بعض الوقت مع صديقتين هندية وباكستانية، وكنا ثلاثتنا نتحدث في الإعلام والسياسة والاقتصاد. وللمصادفة، كان والد الصديقة الهندية ضابطًا ممن يقاتلون في كشمير قرب الحدود الباكستانية الهندية، أمَّا الباكستانية كانت قومية مؤمنة بأن لكشمير هوية باكستانية لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستيلاء عليها أو منحها طابعًا هنديًا/ هندوسيًا. وكنّ ينخرطن في نقاشات جدية وجدلية عن هذا الموضوع حتى بات موضوع كشمير يتردد على ذهني، وشعرت بمدى عمق هذا الصراع الذي قد تعتقد للوهلة الأولى أنه محلي ولا يعنى به سوى الباكستانيين والهنود. هذا الصراع الباكستاني الهندي على كشمير تهتم به الصين وأفغانستان وله أبعاد دينية هندوسيًا وإسلاميًا، وله أبعاد مذهبية سنيًا وشيعيًا، ويدخل فيه العنصر العرقي، وكذلك العامل اللغوي، إذ إن كشمير لا تتكلم الهندية ولا الأردية، بل لها لغتها الخاصة بها. والجدير بالذكر، أن خط الاتفاق الوحيد بين صديقاتي، والذي ينهين به حديثهن دومًا، هو المادة 370 من الدستور الهندي، التي وافقت عليها باكستان أيضًا، والتي تنصّ على أن ولايتي جامو وكشمير تتمتعان بوضع خاص يمكّنهم من سن تشريعاتهم وقوانينهم بشكل مستقل عن الحكومة الهندية. قانون 370 جعل الجزء من كشمير الموجود في الهند مستقلاً ومعزولاً نسبيًا عن بقية مدن الهند.
مطلع هذا الشهر، أغسطس 2019، ألغت الحكومة الهندية هذه المادة 370، وقررت معاملة “كشمير” مثل أي منطقة هندية أخرى خاضعة لإدارة “نيودلهي” من حيث عدم حصر الوظائف والسكن والتجارة لسكان “كشمير”، بل جعله متاحًا لكل سكان الهند. قرار، يقال إنه سيشجع الكثير من الهندوسيين من مناطق الهند الأخرى، ربَّما المناطق التي تعاني اقتصاديًا، للقدوم لكشمير والعيش فيها مما سيؤدي إلى صراع هوية جديد داخل كشمير. رأت باكستان أن في إلغاء هذه المادة خرق للقانون، فطردت على إثره السفير الهندي في “إسلام أباد” وعلقت كل أنواع العلاقات الدبلوماسية والتجارية. الصراعات الهندية الباكستانية وقطع العلاقات التجارية كلها أمور سبق أن حدثت، لكن ما يهم حقًا الآن لفهم قضية “كشمير” هو الهوية والمتمثلة في البعد الديني وكذلك المذهبي. هذا الصراع الدائر حاليًا على الهوية الكشميرية هو جوهر القضية الذي أعتقد أنه يهمنا، من كل المنطلقات السياسية والاتصالية والثقافية.
يغلب على “كشمير” تعداد سكاني مسلم، ولذلك، قالت قبل عشرين عامًا الباحثة في جامعة إكسفورد “Victoria Schofield” عبر كتابها (صراع كشمير٬ الهند، باكستان والحرب غير المنتهية): لن تُقدم الهند يومًا على خطوة إلغاء مادة 370 المعنية باستقلالية “كشمير” الدستورية؛ لأن الهند ترى أن وجود كشمير كمنطقة معظمها من المسلمين مهم لصورتها العلمانية والديموقراطية عالميًا. وتشير الباحثة إلى أن باكستان تعتقد بأنها الأجدر في تقرير مصير “كشمير”؛ لأن غالبية الكشميريين من المسلمين السنة الذين يشاركون باكستان الدين والمذهب. لكن تشير ذات الباحثة، إلى أن باكستان قد ضعف موقفها بعد أن احتارت بين أمرين: الأول الوقوف الكامل مع إخوتهم في الهوية الإسلامية، أو التعامل بحذر مع الهند، الند التاريخي لباكستان. خالف الواقع التوقعات النظرية، وألغيت المادة 370، وتعكس هذه المستجدات الأخيرة رغبة الهند بالخروج عن الخطوط التي رسمتها تقليديًا لنفسها واتخاذ قرارات سياسية أكثر صرامة وذات توجّه يميني. وكذلك، تعكس هذه التغييرات خروج باكستان عن تقليديتها في التعامل مع القضية الكشميرية وتسجيل موقف جريء وفاصل مع الهند. والنتيجة: هل ستطرأ وفقًا لهذه المعطيات السياسية تغييرات على الهوية الكشميرية، وعلى إسلامية “كشمير” كـمجتمع؟ وكيف سيكون وضع الغالبية السنية والأقلية الشيعية هناك؟ كل تلك أسئلة مهمة لها منطلقات اتصالية وثقافية. أمَّا الأجوبة فستتضح خلال السنوات القادمة. حالة “الهوية الكشميرية” جديرة بالنظر بعد كل التغيرات التي طرأت عليها منذ 70 عامًا حتى اليوم، وسيكون من الجيد النظر إلى ماذا يخبئ لها المستقبل. الوقت حاليًا مناسب لإجراء دراسات الملاحظة بالمشاركة (Participant Observation) على كشمير؛ لأن هذا النوع من الأبحاث يكشف الكثير عن التغييرات المجتمعية ويسهّل فهمها من قبلنا، وبالتالي استقراء مستقبل هذه المجتمعات بشكل علمي خلّاق.
كاتبة سعودية*
AbeerKhalid95@
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر