كيف نبدد الشكوك حول رؤية ٢٠٣٠؟ | مركز سمت للدراسات

كيف نبدد الشكوك حول رؤية ٢٠٣٠؟

التاريخ والوقت : السبت, 28 أكتوبر 2017

د. خالد عمر الرديعان

 

كسعودي يضايقني كثيرًا الشكوك التي تثار حول رؤية ٢٠٣٠، والنظر فقط للجانب الاقتصادي منها؛ كرفع أسعار بعض السلع والخدمات، والخصخصة، وضريبة القيمة المضافة. البعض يختزل الرؤية في هذه الجوانب، وهذا – بتقديري – ظلم فادح لها. فهي بالإضافة إلى ذلك، تعدُّ عملية تحول اجتماعي وثقافي جبارة لنقل المجتمع من حالة الاعتماد على الدولة، إلى حالة المجتمع المنتج ذي الموارد المتعددة والبدائل الاقتصادية التي لا تنضب بمرور الوقت، كالنفط مثلاً. يعلم الجميع أننا دولة نفطية ريعية؛ بمعنى اعتمادنا التام على مورد واحد تقوم الدولة بإنفاقه على مشاريعها وأفرادها، إن بصورة مبالغ للمشاريع والمؤسسات الحكومية، أو بصورة مرتبات وإعانات تقدم للأفراد دون أن يكون هناك مردود استثماري لكل ذلك. هذا النمط لم يعد له مكان في الاقتصاد الحديث الذي يقوم على تنويع الإنتاج، واستنهاض أفراد المجتمع للعمل والكسب، وبالتالي المشاركة في التنمية المستدامة بمفهومها الشامل، وذلك بصورة شراكة بين الدولة وأفرادها.
وينقسم المشككون في جدوى الرؤية إلى فئتين: فهناك المؤدلج الذي لن يرضيه شيء مهما فعلت (حتى لو اقتلعت عينيك وقدمتهما له)، فهو ما يفتأ يشكك بأي خطوة إصلاحية، وينظر فقط إلى جوانبها السلبية، وهي – بالتأكيد – نظرة مجتزأة وغير موضوعية، بل ونظرة مضرة للغاية؛ لأنها تشيع اليأس والإحباط والنقمة. ولا يكتفي المشكك المؤدلج بطرح شكوكه ومخاوفه، بل إنه يلجأ للتأجيج وبث فكرته على أوسع نطاق ممكن بهدف إثارة البلبلة، وبهدف عرقلة أي خطوات تصحيحية. هذا الصنف لا يطرح وجهة نظره على أسس علمية لكي يكون مقنعًا، وإنما يبني وجهة نظره على توقعات لا يسندها دليل علمي ملموس. كل ما يقلق هذا الصنف، هو مسألة التغريب والانفتاح على العالم، وقلق الهوية، وتمكين المرأة؛ فهذه هي مخاوفه الحقيقية.
الصنف الثاني من المشككين، هم مجموعة من الاقتصاديين ممن يطرحون رؤى اقتصادية تقليدية؛ فيقولون كيف لنا أن نقفز إلى اقتصاد المعرفة والنانو والتقنية العالية، وتعليمنا لا يزال يراوح في مكانه، وكيف لنا أن نحرق جميع المراحل للقفز إلى حالة اقتصادية غير مألوفة وغير مسبوقة دون أن يكون لها قاعدة علمية. ويتبعون ذلك بالسؤال التقليدي: من أين للدولة أن تغطي تكلفة هذه المشاريع الجبارة التي تعلن عنها، وكيف يمكنها تمويلها، وهي التي تعاني في تقديم بعض الخدمات الأساسية؛ كالإسكان والرعاية الاجتماعية في ظل زيادة معدلات البطالة. لست مؤدلجًا ولا أدّعي أنني اقتصادي، لكني أعلم أن خياراتنا المستقبلية – حتمًا – ستكون محدودة للغاية إن استمررنا على إنتاج النفط وبيعه، وهو العمل الذي نقوم به منذ سبعين عامًا دون أن نُحدث النقلة الاقتصادية النوعية التي تحمينا من تقلبات أسعار النفط، أو شبح نضوبه، أو الاستغناء عنه. وهي احتمالات واردة جدًا في ظل التطور السريع في بدائل الطاقة التقليدية، وزيادة الكميات المعروضة من النفط، وتوسع بعض الدول في إنتاجه، ناهيك عن اكتشافات نفطية جديدة نسمع عنها بين الفينة والأخرى. يُفترض أن يكون كل ذلك مقلقًا لنا؛ أي المسألة النفطية وتقلباتها ومستجداتها، وفوق ذلك تسييس إنتاج النفط بدرجة تجعل من إنتاجه وبيعه عملاً محفوفًا بالمخاطر. إذًا ما العمل؟ أعتقد أننا يجب أن لا نضيع أي فرصة سانحة لتنويع الدخل، وعمل ما يلزم على المستوى الاقتصادي لخلق الاطمئنان والأمان المالي للأجيال القادمة. هذا الهاجس هو ما يحرك الأمير محمد بن سلمان، ويعمل من أجله للبحث عن بدائل اقتصادية مناسبة، وهو ما يدفعه للتفتيش عن مصادر جديدة وبدأب منقطع النظير، وذلك للخروج من هيمنة الاعتماد على مصدر دخل واحد مشكوك باستمراره.
وفيما يتعلق بتمويل المشاريع الضخمة والطموحة التي تثير الشكوك، فإن البعض يتناسى أن كثيرًا من تلك المشاريع، ليس من الضروري أن تقوم بها الدولة منفردة ومن خلال مواردها المحدودة؛ وبالتالي فهي قد تدخل في شراكات واسعة مع دول أخرى، وشركات عابرة للقارات، ومن أجل ذلك قد تستقطب جهات خارج الحدود للدخول معها في مشروعات استثمارية تعود على جميع الأطراف بالخير العميم. وليس الأمر كذلك فحسب، بل إن هذه الشراكات، وعلى المستوى السياسي، تلعب دورًا لا يُستهان به في التخفيف من حدة التوترات بين الدول والشركاء، وتساعد في خلق درجة عالية من حالة السلم الذي قد تعجز عن القيام به أدوات السياسة المعاصرة، كالأحلاف العسكرية، والتجارب الوحدوية الفاشلة التي لم نجنِ منها سوى الخيبات والمرارات طيلة العقود الماضية.
الشكوك التي تُثار حول الرؤية، ليس لها مكان من الإعراب، وبالتالي يُفترض الاصطفاف خلف الجهود المخلصة التي تطمح إلى خلق حالة جديدة غير مسبوقة سنجني ثمارها – إن شاء الله – في القريب العاجل. يتبقى مسألة أخرى في غاية الأهمية، وهي أن يكون هناك تواصل إعلامي مستمر بين صانع القرار والجمهور، فهذا عامل جذري وأساسي في تبديد الشكوك التي تُثار من آن لآخر حول الرؤية.

أكاديمي سعودي – جامعة الملك سعود*

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر