كيف صعد الإخوان المسلمون في المغرب | مركز سمت للدراسات

كيف صعد الإخوان المسلمون في المغرب

التاريخ والوقت : الأربعاء, 13 سبتمبر 2017

نهى أبو عمرو

 

مرت حركة الإخوان المسلمين في المغرب بمراحل عديدة مكّنتها من السيطرة على نواحي كثيرة من نواحي الحياة السياسية في المغرب، فنشأت هناك من خلال جماعة التوحيد والإصلاح الإسلامية المنبثقة من اتحاد عدة حركات إسلامية، وأسست الذراع السياسي لها، المتمثل بحزب العدالة والتنمية المغربي، الذي وضع حجر أساسه عبد الكريم الخطيب.
البداية كانت عندما حاولت جماعة الإخوان إنشاء شُعب لها في المغرب العربي، واعتمد الإخوان المسلمون في يونيو 1937 ضمن شُعبهم في العالم الإسلامي شُعْبَتين إحداهما كانت في فاس وكان مندوبها محمد بن علال الفاسي، والأخرى كانت في طنجة وكان مندوبها أحمد بن الصديق، إلا أنه تم اعتقال محمد بن علال الفاسي، ونفيه خارج البلاد في عام 1937؛ ما أدى إلى انكماش دعوة الإخوان في المغرب وعدم انتشارها. عادت حركة الإخوان المسلمين ونشطت في الستينيات على يد عبد الكريم الخطيب مؤسس حركة العدالة والتنمية، وكان الخطيب وقتها رئيس البرلمان المغربي، غير أن الحكومة المغربية كانت تعي وتعلم مدى خطورة الحركة التي أسسها الخطيب فمارست التضييق عليه. في العام 1992 وبعد أن تعذّر على حركة الإصلاح والتجديد- الجماعة الإسلامية سابقا- تأسيس حزب التجديد الوطني اتصلت قيادة الحركة بعبد الكريم الخطيب عارضة عليه إعادة إحياء الحزب، ووافق ولكن بشروط، وهي”الإسلام – الاعتراف بالملكية الدستورية – نبذ العنف”، وفي عام 1996 عقد الحزب مؤتمرا استثنائيا لتمكين القيادات الإسلامية من العضوية في أمانته العامة، ومنذ ذلك الحين بدأ ينظر إلى الحزب باعتباره حزبا إسلاميا.
خلال فترة التسعينيات كانت الحركة الإسلامية تدبر مشروعا اندماجيا بين فصيلين هما حركة الإصلاح والتجديد ورابطة المستقبل الإسلامي، وتوّجت هذه الجهود بالإعلان عن تنظيم جديد يضم الفصيلين، وهو “حركة التوحيد والإصلاح” بقيادة أحمد الريسوني فمرت المملكة المغربية بأربع مراحل دستورية، وهي دستور عام 1962 الذي شهد نوعا من تقسيم السلطة التنفيذية بين المؤسسة الملكية والحكومة، ثم دستور 1970 الذي جعل الملك يستأثر بالسلطة، فمرحلة دساتير 1972 إلى 1995 التي نقلت السلطة التنظيمية إلى الوزير الأول، ثم دستور 2011 الذي نقل السلطة التنفيذية بكاملها إلى رئيس الحكومة. أكدت ديباجة الدستور المغربي الأخير على أن المملكة المغربية دولة إسلامية إخوانية ذات سيادة كاملة وجاءت المادة 41 من الدستور المغربي لتؤكد أن الملك هو أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية، ويرأس الملك، أمير المؤمنين فضلا على أن تيار الإخوان المغربي كان غير مرتبط بتيار الإخوان المسلمين في مصر أو بقية دول العالم ولم يعتمدوا العنف في سياستهم إضافة على التقارب الذي أنشؤوه بينهم وبين ملك المغرب فقاموا بمساندته وتقويته ولم يكن لهم أي أطماع في نفوذه أو سلطته بل كانوا يعملون تحت إمرته، فكانت تلك الأسباب من أهم أسباب نجاح تجربة إخوان المغرب. في نوفمبر 2011، قام الملك محمد السادس بتعيين عبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة عن حزب العدالة والتنمية ـ الذي احتل المرتبة الأولى في انتخابات 25 نوفمبر 2011 ـ وكلّفه بتشكيل الحكومة، وظهرت الحكومة بتحالف ضم أربعة أحزاب : حزب العدالة والتنمية، حزب الاستقلال – الذي انسحب فيما بعد وحل محله التجمع الوطني للأحرار- حزب الحركة الشعبية، وحزب التقدم والاشتراكية.

وفي يوليو 2013، انسحب حزب الاستقلال من الحكومة، وطلب من وزرائه تقديم استقالتهم إلى رئيس الحكومة المغربية، وقدم خمس وزراء استقالتهم ماعدا وزير واحد، وفي 10 أكتوبر 2013، عيّن الملك محمد السادس الوزراء الجدد من النسخة الثانية من الحكومة، بقيادة عبد الإله بنكيران، الذين ينتمون إلى الحزب الجديد المنظم للحكومة. وفى دراسة حول تجارب الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، اعتبروا حزب العدالة والتنمية المغربي نموذجا، حيث يرى باحثون أن الحركات الإسلامية تفتقر لبرامج تنهض باقتصاد أي دولة من الدول التي فيها إلى الحكم، وعاجزة عن تحقيق النهضة المنشودة، وعجزها عن تقديم حلول عملية للمشكلات المعقدة التي يعاني منها المجتمع، ولتغيير تلك الصورة قام “حزب العدالة والتنمية” بالمغرب حين استلم رئاسة الحكومة على إصلاحات جذرية بدأها بتحرير الأسعار تدريجيا، ووقف جميع أشكال اقتصاد الريع، وأصدر حزمة من القوانين لتنظيم هذه المجالات وفتح باب المنافسة الحرة استنادا إلى قواعد قانونية محكمة، مع الإصرار على تطبيق قواعد الشفافية في تطبيق هذه الإجراءات، كما فتحت حكومة العدالة والتنمية ملفات الفساد وحولتها إلى القضاء، وشرعت بعض الإجراءات الأخرى بهدف تشجيع الاستثمارات الداخلية والخارجية مما أسهم بتخفيف المعاناة الاجتماعية، منها تعديل نظام المساعدة الطبية الذي أصبح يضمن حدا أدنى من التغطية الصحية للطبقات المحتاجة، ورفع الحد الأدنى للتقاعد، وزيادة منح الطلاب، وتأسيس صندوق التماسك الاجتماعي، وبهذا أثبتت حكومة العدالة والتنمية أنها تمتلك برامج إصلاح عملية، وحقيقية، وأنها قادرة على تنفيذ هذه البرامج، على الرغم من المقاومة الشديدة التي واجهتها من قبل رموز الفساد التاريخيين المنتشرين في كافة مفاصل المجتمع.
فيما اعتبر مراقبون آخرون أن “العدالة والتنمية” كان من ضمن لائحة الأحزاب السياسية التي عقد عليها المغاربة أملا كبيرا، والدليل على ذلك أنه الحزب الذي شد انتباه معظم المواطنين في الانتخابات التشريعية الأخيرة، حتى صوتوا لصالحه في ظروف حرجة ووسط سخط عارم وغليان شعبي، والآن أصبحت حكومة الإخوان في المغرب على وشك الانتهاء لتكون بذلك قد استنفدت مفعولها، وكونت لها صورة وحددت لها موقعا، فإما أنها ستستدرك في مراحلها الأخيرة المتبقية من مدتها في الولاية أخطاءها، وإما أنها ستواصل نهجها لنفس السياسة الموصوفة بـ”العقيمة” وبذلك تكون نهايتها ميلادا لوفاتها. ويرى باحثون مغربيون أن التجربة السياسية لحزب “العدالة والتنمية” التي ما تزال مستمرة، أحدثت جعجعة في بداياتها الأولى، والمتمثلة في الكشف عن اللوائح المستفيدة من اقتصاد الريع في مجال النقـل، والموظفين الأشباح، بينما اكتفت بتشخيص داء الفساد دون علاجه، وهو الأمر الذي فتح مجالا واسعا لاتهامات موضوعية تقول بأنها تحالفت مع الفساد من أجل البقاء على كرسي الحكومة معتبر أن هذا التغيير السريع للأفكار والقناعات والمبادئ، سيولد نفورا وغياب الثقة في المشهد السياسي لدى المغاربة وعدم الثقة في الحركات الإسلامية من جديد ليفتح بذلك باب التكهنات عن فترة ما بعد الإخوان في المغرب.

كاتبة وباحثة فلسطينية*

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر