سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
عماد العباد
ربَّما يكون الوصف الأكثر شيوعًا على ألسنة الناس لجائحة كورونا، بأنها أشبه ما تكون بالحلم الغريب، اعتاد البشر على مفاجآت الحياة، لكن هذه الأزمة تحديدًا لا تشبه تلك التي تصيب الفرد، أو محيطه، أو حتى مجتمعه الكبير، هي كارثة حلت بثقلها على كل البشر مرة واحدة، وبالتالي ما تعاني منه من خوف وحذر وترقب، وما تقوم به من احترازات كغسيل اليدين وتعقيم الأغراض ولبس الكمامة وغيرها، هي ذات الممارسات التي يقوم بها غيرك في تانزانيا والهند وألمانيا والبرازيل وعلى امتداد الكرة الأرضية.
هي كارثة هائلة الفوضى لا تُعرف بدايتها من نهايتها، مراوغة مثل الزئبق، كلما اعتقد العالم أنه أحكم القبضة عليها أفلتت بشكل محبط وعاودت الكر والفر. إلا أن الإنسان، وبرغم سمعته السيئة، خصم شرس أيضًا، ولا يعرف اليأس وتاريخه مليء بالمعارك الطاحنة التي ترنح فيها، لكنه كسبها في النهاية.
المهم هو أن لا تمر هذه الأزمة دون أن تستخلص منها البشرية فوائد قد لا تبدو واضحة مع غبار المعركة، لكنها ستتجلى مع الوقت وستتشكل كدروس ذهبية تفيدنا مستقبلاً على كافة الأصعدة؛ سياسيًا واقتصاديا وصحيًا وعلميًا. ورغم الطاقة الانهزامية السلبية التي تعم العالم الآن، ورغم كل الضحايا الذين وقعوا ضحية للمرض، ورغم الخسائر الاقتصادية الفلكية، إلا أن ما حدث يحمل الكثير من الخير على المدى البعيد.
العالم كان بحاجة إلى صفعة القسوة توقظه من سبات عميق. تخيل مثلاً أن الفيروس الذي أصاب العالم كان أشد فتكًا وأسرع انتشارًا ولا يمكن الاحتراز منه بالصابون والمعقمات وتغطية الوجه، وهذه احتمالية واردة الحدوث، العالم بعد كورونا سيكون أكثر حذرًا واستعدادًا لكوارث من هذا النوع، وسيعرف تمامًا كيف يتعامل مع الجوائح وعزلها قبل أن تنتشر، فهذا الدرس سيظل ساخنًا في أذهان البشر لفترة طويلة جدًا.
هذه الجائحة تمخضت أيضًا عن منجم غني بالمعلومات التي تستحق التأمل والتحليل والدراسة، خصوصًا من قبل علماء النفس والاجتماع. الكثير من الثوابت السلوكية على مستوى المجتمع والفرد تغيرت بشكل مفاجئ، إذ لم يسبق أن شهدت البشرية في العصر الحديث هذا الانكفاء للإنسان، الكائن الاجتماعي بطبعه، على ذاته، خصوصًا أن التعليمات تنص على تحذيره من كل البشر بمن فيهم أقرب الناس له، وأن سبيل النجاة هو أن يتعامل مع كل المحيطين به على أنهم مرضى وأن أنفاسهم وأيديهم موبوءة، بل تعلم حتى الشك في كل الأشياء المحيطة به، هاتفه الشخصي، مقبض الباب، المفاتيح، وحتى يديه. كل شيء مدان حتى تثبت طهارته.
سلوكيات البشر كانت المفاجأة الكبرى في هذه الأزمة، فرغم كل ما ينعم به الإنسان من مظاهر حضارية، إلا أن هذه الأزمة أثبتت أنه لا يزال كائن بدائي ساذج، بغض النظر عن خلفيته الثقافية والحضارية؛ فمن قاموا بتحطيم أبراج الجيل الخامس بدعوى أنها تنقل الفيروس، ومن خرجوا في مظاهرات حاشدة تدعي أن الفيروس مجرد كذبة ومؤامرة، هم مواطنو دول العالم الأول، الأكثر تحضرًا والأفضل تعليمًا.
وأخيرًا، دروس فيروس كورونا لم تظهر بشكل جلي وكامل حتى الآن، ما زلنا نعيش مرحلة المعاناة والألم والإحباط، ولم نرَ بعدُ ما تخبئه هذه الأزمة من إيجابيات سنشكرها عليها في المستقبل، وكما يقال دائمًا “من رحم المعاناة يولد الأمل”.
كاتب سعودي*
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر