كيف سيؤثر تصاعد التوترات بين القوى العظمى على آسيا الوسطى | مركز سمت للدراسات

كيف سيؤثر تصاعد التوترات بين القوى العظمى على آسيا الوسطى

التاريخ والوقت : الخميس, 6 مايو 2021

أكرم عمروف

 

يعتبر التصعيد الأخير في التوترات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا تطورًا غير مرحب به في آسيا الوسطى، فمع الزيارة المعقدة الأخيرة لموسكو التي قام بها الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية “جوزيب بوريل” والتي شابها خطاب ثنائي عدواني، حيث وصف البيت الأبيض الصين بأنها منافسها الرئيسي، بالإضافة إلى الصراع اللفظي الأخير بين الرئيس بايدن والرئيس بوتين، فيبدو أن “الستار الحديدي” الجديد ينزل قد بسرعة بين الغرب من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى، وتشير هذه الدول إلى استعدادها للانخراط في منافسة استراتيجية من المحتمل أن تنتشر في مناطق مختلفة من العالم بما في ذلك آسيا الوسطى.

قد يبدأ الشركاء الإقليميين الخارجيون في الإصرار على اختيار أحدهم كحليف “سياسي اقتصادي رئيسي” مما يؤدي إلى فشل الجهود الحالية في تعددية الاتجاهات، وستؤدي مثل هذه السياسات إلى زيادة الضغط على قادة آسيا الوسطى، لعرض تحالفاتهم السياسية بوضوح وللالتزام بالمعايير الموضوعة داخل هذا المعسكر.

وقد بدأ هذا في الحدوث بالفعل من خلال خطاب الرئيس “بوتين” في ملعب لوجنيكي في موسكو حيث صرح بشكل لا لبس فيه قائلًا: “لن نتسامح أبدًا مع أي شخص يستخدم هدايا روسيا الثمينة لإلحاق الضرر بالاتحاد الروسي”، وبينما لم يذكر اسم أي دولة بعينها في خطابه، بدا أن حديثه كان موجهًا إلى جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، مُحذرًا لها من الحفاظ على أي شراكات وثيقة مع خصوم روسيا، ونظرًا لأن العديد من دول ما بعد الاتحاد السوفيتي مثل أوكرانيا وجورجيا ومولدوفا دخلت في مواجهة طويلة الأمد مع روسيا، لذلك هي تسعى إلى عقد تحالفات مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية، في حين أن موسكو تكثف من جهودها في الاحتفاظ بمجال نفوذها من خلال دمجهم في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي وفي منظمة معاهدة الأمن الجماعي.

في الوقت نفسه حاول وزير الخارجية الأميركي السابق “مايك بومبيو” حشد آسيا الوسطى ضد بكين، وذلك من خلال زيارته للمنطقة في فبراير 2020 والتي تتعلّق بوضع حقوق الإنسان في شينجيانغ، حيث شجَّع دول المنطقة على الانضمام إلى الضغط من أجل إنهاء فوري لهذا القمع.

في وقت سابق من أكتوبر 2019 حذر وزير التجارة الأمريكي “ويلبر روس” من أن رغبة أوزبكستان في الانضمام إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي قد تُعَقِّد عملية انضمام البلاد إلى منظمة التجارة العالمية وتمددها، ورغم حقيقة أن الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة الرئيس “بايدن” لم توضح بعد سياستها الخاصة بآسيا الوسطى، إلا أن مقاربته لن تتغير بشكل جوهري عن نهج الإدارة السابقة، وستسعى واشنطن للحد من النفوذ الروسي والصيني في دول منطقة آسيا الوسطى.

الصين عادة ما تحاول تجنب الانتقاد الصريح لأنشطة القوى الخارجية في المنطقة، وتفضل مناقشة القضايا الحساسة خلف الأبواب المغلقة من خلال الاجتماعات الثنائية، ومع ذلك يبدو أن البيانات الرسمية المشتركة بين الصين وآسيا الوسطى التي تظهر استعداد المعارضة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى لدعم العدالة في العالم والتي تستهدف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى ذلك فغالبًا ما يعرب المسؤولون الصينيون عن قلقهم بشأن تنامي الوجود العسكري الأميركي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وتتمثل إحدى طرق تقليل القوات الغربية في توسيع المشاركة الأمنية في آسيا الوسطى.

كما أن النزعة الإقليمية آخذة في الارتفاع في آسيا الوسطى منذ وصول “شوكت ميرزيوييف” إلى السلطة في أوزبكستان في عام 2016 الذي صار بعيدًا عن العزلة أو المواجهة مع المنطقة، بل ويسعى إلى تأسيس نهج تعاوني جديد تجاه جيرانه، وقد أطلقت جمهوريات آسيا الوسطى الخمس منبرًا للاجتماعات التشاورية السنوية بين رؤساء الدول في عام 2018، في مبادرة هي الأولى من نوعها دون دعمٍ من القوى الخارجية، قبل ذلك كان الاتجاه السائد في المنطقة هو المفاوضات الدبلوماسية الثنائية في حل القضايا الملحة هو ما يوفر أملًا متجددًا في أن تتمكن دول آسيا الوسطى بشكل جماعي من مواجهة التحديات المشتركة، مثل توزيع المياه، وترسيم الحدود، وانخفاض الاتصال، وتغير المناخ، وضعف البنية التحتية.

إن التعاون الإقليمي المعزز في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، يمكن أن يُؤدي إلى تعزيز آسيا الوسطى بشكل كبير وإلى الحفاظ على مرونتها، في مواجهة التحديات والتهديدات المعاصرة بما في ذلك منافسة القوى العظمى، وستسمح التعددية للمنطقة بتطوير صوت قوي وموحد في تعزيز مصالحها مع تجنب الانجرار إلى ألعاب القوى العظمى ذات المحصلة الصفرية.

ومع ذلك، فقد أعطت روسيا والصين الأولوية بشكل أساسي للعلاقات الثنائية مع المنطقة، إلى جانب المنظمات متعددة الأطراف مثل كومنولث الدول المستقلة ، ومنظمة شنغهاي للتعاون، ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي المذكورة أعلاه.

من المحتمل أن يؤدي إنشاء آليات تعاون إقليمي فعال إلى مواجهة جهود القوى العظمى لربط الدول الإقليمية بعلاقات التبعية، فحقيقة أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يروجان لمزيد من تعميق التعاون الإقليمي، قد تدفع بروسيا والصين إلى اعتبار ذلك تهديدًا، وهذا ما يُفسّر قيام منصة روسيا وآسيا الوسطى الجديدة في عام 2018 ونظيرتها بين الصين وآسيا الوسطى في عام 2020.

أخيرًا، قد يهدد تصعيد المواجهة بين القوى العظمى الخارجية عملية الاستقرار السياسي الداخلي للفاعلين الإقليميين، ويمكن للقوى الكبرى أن تدعم وترعى بشدة الجماعات السياسية الداخلية التي ستدعم مصالحها، وهذا ما يحدث بالفعل في قيرغيزستان فبالإضافة قضية الوجود العسكري للولايات المتحدة وروسيا كان هناك عامل مهم في زعزعة استقرار البلاد خلال السنوات الـ15 الماضية، فقد واجهت قيرغيزستان ثلاثة تغييرات ثورية في النظام، علاوة على ذلك فقد أصبح من المعتاد لجميع المرشحين الرئاسيين لقيرغيزستان، زيارة موسكو وبعض العواصم الأجنبية المهمة الأخرى في عشية كل انتخابات حاسمة أو أحداث سياسية حاسمة، ووفقًا لبعض التقارير فقد ألغى الرئيس القيرغيزي السابق “جون بيكوف” زيارته المقررة إلى الولايات المتحدة بعد محادثات في سبتمبر 2019 مع القيادة الروسية، ويشير الخبراء أيضًا إلى أن “صدير جيباروف” عمل شخصيًا مع مواطنين صينيين حيث جمع حوالي مليون سوم- عملة قرغيزستان بما يعادل 11،794 دولارًا أمريكيًا- خلال حملته الرئاسية في عام 2020 والتي تبرع بها مستثمر صيني يحمل الجنسية القيرغيزية.

إجمالاً، تدخل آسيا الوسطى في فترة من التنافس الجيوسياسي المستعر بين شركائها الخارجيين الرئيسيين، ومن المحتمل أن يؤدي هذا إلى نشر المواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا والصين في آسيا الوسطى، وإلى إقامة تحالفات لإجبار الجهات الفاعلة الإقليمية على الانحياز لجانب واحد، مما يزيد من زعزعة الاستقرار ولكن لا تزال هناك خيارات بديلة للمنطقة مثل تعميق التعاون في آسيا الوسطى، وتنسيق السياسة الخارجية، وإجراءات بناء الثقة التي ستكون مثابة حصن ضد زعزعة استقرار القوى العظمى.

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: Foreign Policy Research Institute

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر