العلاقات الصينية الهندية | مركز سمت للدراسات

كيف ستبدو العلاقة بين الصين والهند في عام 2019؟

التاريخ والوقت : السبت, 16 فبراير 2019

سيوي ليو

 

شهدت العلاقات الصينية الهندية حالة مستقرة خلال عام 2018، وهو ما بدا جليًا من خلال ما يعرف بأزمة “دكلام”. ومع ذلك، فإن القضايا التي سوف تلقي بظلالها على العلاقات بين البلدين لم يتم التعامل معها كما ينبغي، لا سيَّما ضعف الثقة المتبادل بين العملاقين الآسيويين. وبالنظر إلى ما يُتوقع 2019، لا تزال هناك فرصة لتحسن العلاقات الثنائية بين بكين ونيودلهي، وهو ما ينطوي على قدر من المخاطر وكذلك الفرص. ذلك أن تحقيق التوازن بين الفرص والمخاطر يتطلب قدرًا من المعرفة بهذه القضايا بالإضافة إلى الرؤية العميقة في إمكانية نقل العلاقات إلى مسار صحي وإيجابي.

وبعد قمة “ووهان”، لم يستأنف البلدان المفاوضات الحدودية بينهما فحسب، ولكن أيضًا قاما بإجراء تدريبات عسكرية مشتركة سميت “يدًا بيد 2018″، فضلاً عن مناورات بحرية كان مقررًا عقدها عام 2017 بالأساس. وعلاوة على ذلك، تمَّ وضع خطة “التعاون الإضافي بين الصين والهند”. ولهذا الغرض، ومع أول مشروع للتدريب الدبلوماسي المشترك، عقد الجانبان أول اجتماع رفيع المستوى بشأن إنفاذ القانون والأمن، فضلاً عن الاجتماع الرفيع المستوى للآلية الصينية – الهندية التي تمَّ تشكيلها حديثًا بشأن التبادل الثقافي والشعبي. وقد حدث كل هذا على خلفية العولمة المضادة والتوجهات الحمائية المتزايدة للتجارة، في حين أن حجم التجارة بين الجانبين كاد يتجاوز حاجز الـ90 مليار دولار.

وانطلاقًا من ذلك، ينبغي أن تظل العلاقات الصينية الهندية في عام 2019 على قدر جيد من الاستقرار النسبي. ومع ذلك، فإنها ستواجه حتمًا تحديات مختلفة. وبالنظر إلى العجز الحالي في الثقة المتبادلة، فإن أي إجراء من أحد الجانبين في المناطق الحدودية، بما في ذلك إنشاءات البنية التحتية وتنمية الموارد واستخدامها، من شأنه أن يثير حالة من الغضب. وبالإضافة إلى ذلك، ستؤثر البيئة الأمنية المعقدة والمتغيرة باستمرار في منطقة المحيط الهادئ والهندي على العلاقات الصينية الهندية. وهو ما يتلخص في الطريقة التي تفسر بها الصين موقف الهند تجاه الرباعية، وخاصة الولايات المتحدة من جهة، والطريقة التي تنظر من خلالها الهند إلى تطور “مبادرة الحزام والطريق” (BRI) التي تقودها الصين من جهة أخرى. إذ من المتوقع أن تستمر المنافسة بين البلدين في منطقة المحيط الهادئ والهندي، بما في ذلك أبعاد الجغرافيا السياسية والاقتصاد البيئي. وقد يتواكب ذلك مع التطورات الأخيرة التي تفرض بدورها ضرورة العمل على القيام بعمل أفضل. لكن من المتعين على البلدين معالجة السلبيات التي تعود إلى السياسات التي اتبعها كلٌّ منهما. علاوة على ذلك، ربَّما تضيف الانتخابات العامة الهندية في عام 2019 عاملاً لتأزم العلاقات بين البلدين، خاصة أن العلاقات الشخصية بين قادة البلدين تميل إلى التفاعل المتبادل.

بجانب ذلك، من غير المتوقع أن يتم حل عدد من القضايا المشتركة بين البلدين مثل الحدود والطاقة. لكن يبقى السؤال: ما مدى حاجة البلدين إلى التعايش وإمكانية التعاون بينهما في المجالات الأخرى؟ وحتى يمكن تجنيب العلاقات الثنائية بين البلدين هذه التقلبات الموسمية، لا ينبغي أن يتركز الهدف النهائي على مجرد ضمان الاستقرار وتجنب الصراعات، بقدر التركيز على هدف أسمى يتمثل في مواجهة كافة التحديات الأخرى بشكل مشترك، بجانب تقاسم المسؤولية وتحديد مجالات التعاون المثمر للجانبين.

كذلك يمكن إيجاد حالة من التوازن في العلاقات الهندية الصينية إذا أدرك كلا البلدين ذلك القدر من التهديد الكبير، فضلاً عن المعضلة الأمنية، التي تتضمن سلسلةً من المعضلات المتعلقة ببقاء الإنسان التي تواجه كلا البلدين. إذ لا تنطوي معضلات “البقاء” على سباق التسلح فحسب، بل تشمل أيضًا نضوب الموارد البيئية والتلوث البيئي وغيرهما. ولمواجهة هذه المعضلات، فمن المتعين على البلدين الاستجابة بأفكار جديدة تقوم على التعاون والمشاركة؛ فعلى سبيل المثال، يمكن لبكين ونيودلهي إعادة النظر في منظومة التعاون في قضايا الحوكمة العالمية أو الإقليمية وزيادتها. وبالنظر إلى المستوى الاقتصادي المتباطئ، فمن غير المتوقع أن تتوفر المزيد من السلع العامة؛ إذ إنه من الضروري أن تعمل الصين والهند معًا على تقديم المزيد من المساهمات التي تستهدف مواجهة التحديات العابرة للحدود، مثل: تغير المناخ، والتلوث البيئي، والكوارث الطبيعية، والأمراض الوبائية.

وبالنظر إلى ما تعانيه العلاقات الصينية الهندية من تراجع مستوى الثقة المتبادلة، فإن ثمة ضرورة لأن يقوم البلدان بإجراء حوار استراتيجي موسع وذي مغزى في عام 2019. كما ينبغي تحديث آلية الحوار الاستراتيجي قدر الإمكان، بالإضافة إلى استحداث آلية جديدة وشاملة تحفز التعاون المشترك بين الجانبين، سواء على مستوى الدبلوماسيين أو المسؤولين في وزارة الدفاع، إذ يمكن إضفاء الطابع المؤسسي على عملية “بناء الجسور” التي قام بها الزعيمان في “ووهان” وهو ما يرتبط بالقدرة على تحويل شكل “ووهان” إلى قمة حكومية تنعقد سنويًا.

غاية القول، إذا توفر للبلدين قدر من احترام المصالح الأساسية لكل منهما، وأدركا أهمية الاستفادة من التجارب الناجحة التي تحققت لديهما في التنمية الوطنية والحكم، فضلاً عن قيامهما بالمزيد من التعاون في قضايا هامة مثل الحوكمة العالمية والإقليمية، فإن العلاقات الصينية – الهندية في عام 2019 ستكون أفضل مما كانت عليه خلال 2018.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: معهد دراسات السلام والصراع

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر