سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
زيد الشكري
الغموض الاستراتيجي أو المتعمد مفهوم اتصالي يعرف في أوساط المتخصصين في الاتصال، لا سيَّما الاتصال السياسي، بأنه واحد من أهم أدوات التأثير. تكتيك خطير في مجال الدعاية والبروباغندا، لأنه لا يؤمن بوضوح الرسالة ودقتها، بقدر ما يراهن على غموضها وأن تكون حمَّالة أوجه، ودافعًا لتحفيز الجمهور نحو تفسير الرسالة على توجهات مختلفة.
“الغموض الاستراتيجي” استراتيجية مهمة جدًا ويحتاجها الخطاب السياسي للدول المؤثرة والفاعلة في سياستها الخارجية. وعلى الرغم أنه – أحيانًا – يبعث على نوع من التناقض في الرسالة، إلا أنه عملي وفعال عندما تنخرط دولة معينة أو عدد من الدول في مفاوضات حول الموضوعات التي تقع على درجة عالية من الأهمية والاستراتيجية، مثل تفاوض الدول الكبرى حول السلاح النووي الإيراني.
فمثلاً، عندما يقول زعيم دولة مثل الرئيس الأميركي ترمب، إنه لن يسمح إطلاقًا بأن تمتلك إيران سلاحًا نوويًا ويعلن عن وضع الخيار العسكري على الطاولة، ثم يخرج في الوقت نفسه وزير خارجيته “بومبيو” ليقول إن الحلّ مع إيران هو الحوار، فإن ذلك يبعث على تفسيرات مفتوحة، وخصوصًا للجانب الإيراني، ومعهم أيضًا المحللون السياسيون والصحفيون، حيث تجعل الباب مفتوحًا أمام كل الاحتمالات. هذه التصريحات الغامضة، أو قل المتناقضة، من شأنها إحداث اختراق في عملية المفاوضات؛ لأنها تشتت الجانب الآخر وتدفعه نحو رسم احتمالات مختلفة لكل سيناريو محتمل أن تنتهي إليه جولة المفاوضات.
كل الدول الكبرى ابتداءً من الولايات المتحدة ومرورًا بروسيا وبريطانيا والصين، استخدمت ما يسمى بـ”الغموض الاستراتيجي” لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية عبر هذا التكنيك الاتصالي.
عندما سرَّب أحد ضباط جهاز الاستخبارات الروسي لمجلة “التايمز”، أن روسيا جاهزة للرد بالسلاح النووي على أي نشاط غير نووي لحلف الناتو في أوروبا، كان الهدف هو تقرير التشويش على موقف كل دولة أوروبية على حدة عبر استراتيجية “الغموض البنَّاء أو الاستراتيجي”؛ لأن المتحدث ليس مصدرًا رئيسيًا، بل مصدر ثانوي، حيث تمَّ تمرير المعلومة تسريبًا على لسان رجل في الاستخبارات، وليس عن طريق مصدر رئيسي كالرئيس الروسي أو الكرملين مثلاً.
الرسالة الاتصالية السياسية عميقة ومركزة دائمًا، لذا تلجأ الدول إلى مثل هذه الحيل الاتصالية؛ لأنها تحقق بذلك أهدافًا معقدة محكومة بالدرجة الأولى للسياق السياسي والاقتصادي والاجتماعي. لكن الواقع أن “الغموض الاستراتيجي” ليس أداة حصريةً للخطاب السياسي فقط، بل هو أسلوب اتصالي يمكن توظيفه في كل المواقف ولصالح كل المنظمات. يعرّف خبير الاتصال المؤسسي “إريك أيزنبرغ” هذا التكنيك بأنه أداة تمكّن المنظمة من التعبير عن نفسها بطريقة جديدة تسمح لها بالحرية في تغيير المعلومات والرسائل التي تفقد قدرتها على التكيف مع السياق والظروف.
متخصص في الاتصال والصحافة*
@alshakri
المصدر:elleven
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر