سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
جون يونج نو
هناك قول مأثور في كوريا الجنوبية مفاده أن “اليابان تعتبر مرآة لما يحدث في كوريا الجنوبية بعد 10 إلى 20 سنة من الآن بسبب بنية اقتصادية وثقافية واجتماعية مماثلة”. أمَّا من الناحية الاقتصادية؛ فكوريا الجنوبية تمر – الآن – بحالةٍ من الركود الممتد منذ 20 عامًا، والتي اجتاحت اليابان منذ تسعينيات القرن الماضي. أمَّا من الناحية الديموغرافية، فكوريا الجنوبية لديها مجتمع يعاني من الشيخوخة المتسارعة، وهي الظاهرة التي دفعت اليابان إلى إعادة النظر في سياسات الهجرة، وسبل رفع معدلات الخصوبة من خلال سياسات الرعاية الاجتماعية، لكن: هل ستتبع كوريا مسارًا مشابهًا؟
بالنظر إلى الحزب الديمقراطي الكوري الحاكم في كوريا، نجد أنه يتشابه في العديد من الجوانب مع الحزب الديمقراطي الياباني؛ فكلاهما ذا توجهٍ يساريٍ، كما أن كليهما يواجه خصومًا من ذوي التوجهات اليمينية مثل حزب “الحرية” في كوريا الجنوبية، والحزب الديمقراطي الليبرالي في اليابان. وقد تمَّ انتخاب الحزب الديمقراطي عام 2017 بعد عزل الرئيس “بارك جيون هاي”، حيث كان هو الحزب الحاكم تاريخيًا خلال إدارتي “روه مو هيون” و”كيم داي يونغ” من 1998 إلى 2008. وعلى الجانب الآخر، كان الحزب الديمقراطي الياباني في السلطة لفترة وجيزة باليابان، عندما قام تحالف من الأحزاب بطرد الحزب الديمقراطي الليبرالي في 1993، وخلال الفترة من 2009 إلى 2012 التي شهدت تنامي المشاعر المعادية للحزب الليبرالي.
وفي السياق نفسه، تتشابه فضائح الرئيس “بارك” التي تنطوي على تدخل من صديقه المقرب، “تشوى سون سيل”، مع عدد من الفضائح الأخرى التي ساعدت الحزب الديمقراطي على الوصول للسلطة عام 2017، في حين أن هيمنة الحزب الديمقراطي الليبرالي التي شابها قدر من الفساد والتناقض في المشهد السياسي باليابان منذ الفترة التالية للحرب، عززت رغبة الشعب الياباني في التغيير، وهو ما دعم الحزب الديمقراطي الياباني في مساعيه نحو السلطة عام 2009. لكن هيمنة الحزب الديمقراطي كانت لفترة قصيرة، وخاصة في أعقاب سوء الإدارة لأزمة تسونامي عام 2011، بالإضافة إلى النزاع حول جزر سيكاكو/ دياويو، والفضائح التي طالت شخصيات شهيرة من أمثال رئيس الوزراء، وكذلك الخلاف العسكري مع الولايات المتحدة.
الحزب الديمقراطي الياباني
وصل الحزب الديمقراطي الياباني إلى السلطة خلال انتخابات 2009، وذلك على خلفية المحاولات الفاشلة التي سعى من خلالها الحزب الديمقراطي الليبرالي إلى تنفيذ الإصلاحات الهيكلية والركود الاقتصادي الطويل الذي اقترن برغبة الشعب الياباني في مرحلة جديدة من القيادة السياسية. ويعزز ذلك عددٌ من الملابسات التي أدت إلى وصول الحزب الديمقراطي الياباني إلى السلطة خلفًا للحزب الديمقراطي الليبرالي عام 2012.
فقد تعهد رئيس الوزراء الياباني “يوكيو هاتوياما” بتحريك قاعدة “فوتينما” الجوية خارج أوكيناوا، وذلك على خلفية فضيحة شخصية تتعلق بقبول المال السياسي بشكل غير قانوني. كما أن “يوكيو هاتوياما”، وهو أول رئيس وزراء للحزب الديمقراطي الياباني خلال العقود الخمسة الأخيرة، قدَّم وعدًا بتحريك القاعدة الجوية الأميركية من “فوتينما” في أوكيناوا، كما أنه تجاوز التقاليد التي سار عليها سلفه في التعامل مع الوجود الأميركي في اليابان باعتبارها حقوقًا أميركية. وفي هذا السياق، يقول “توم شيفر” السفير الأميركي لدى اليابان بين 2005 و2009، إن هاتوياما “واجه تحديات مع الشعب الياباني، فقد كان يُنظر إليه باعتباره يعمل على زعزعة أمن اليابان؛ إذ يرتبط أمن اليابان بتحالفها مع الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية”. وعلاوة على ذلك، فقد تمَّ استبعاد التيار البيروقراطي من عملية صنع القرار، ولم يكن حزب اليابان الديمقراطي على قدرٍ كافٍ من التنظيم الذي يسمح له بإدارة العملية السياسية، وهو ما أدى إلى استقالة رئيس الحزب من السلطة خلال أقل من عام.
وفي أعقاب تسونامي اجتاح زلزال “توهوكو” الأجزاء الشمالية من اليابان، فتسبب في انهيار مفاعل “فوكوشيما” النووي، وهو ما أعقبه تراجع في شعبية رئيس الوزراء “ناوتو” وسط انتقادات له على بُطء وتيرة جهود الإعمار وضعف مستوى حكومته في التعامل مع الحادث النووي. وعلاوة على ذلك، فقد تعرض “ناوتو” لانتقادات بسبب خضوعه للضغوط الصينية من أجل الإفراج عن قبطان سفينة الصيد بالقرب من جزر سينكاكو/ دياويو المتنازع عليها، وأخيرًا استقال “ناوتو” في أغسطس 2011.
وعلى ذلك، قام رئيس الوزراء “يوشيهيكو نودا” بشراء جزر سينكاكو / دياويو وتأميمها، إلا أنه واجه الكثير من الجدل باعتبار أن قراره مثَّل انتهاكًا للتفاهم طويل المدى مع الصين، إذ لم يقم الجانبان بشيءٍ لمعالجة أزمة الجزر. إضافة إلى ذلك، فقد تسبب قيام الحكومة اليابانية بمضاعفة ضريبة المبيعات الاستهلاكية على مدى السنوات الثلاث المقبلة في حدوث انشقاقات داخل الحزب الديمقراطي الياباني، ثم إنها واجهت موجةً من المعارضة السياسية، إذ يعتقد الكثيرون أن رفع ضريبة المبيعات من شأنه أن يشل الاقتصاد الياباني.
وقد أسفرت كل تلك الأزمات التي واجهت الحكومة عن انتصارٍ ساحقٍ للحزب الديمقراطي الليبرالي في ديسمبر 2012؛ فاتسع نطاق أحزاب المعارضة في اليابان، بخاصة بعد أن فاز الحزب بأكثرية المقاعد في الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أجريت في أكتوبر 2017 ولا يزال في السلطة، وقد حصل رئيس الوزراء “شينزو آبي” على فترة ولاية ثالثة خلال الانتخابات التي أجريت في سبتمبر 2018؛ مما يجعل “آبي” أطول رؤساء الوزراء بقاءً في المنصب منذ الحرب العالمية الثانية. وفي النهاية، فقد كان عدد المقاعد التي حصل عليها الحزب الديمقراطي الياباني يفوق ما حصل عليه الحزب الديمقراطي الليبرالي عام 2009، إلا أن الأول عجز عن العودة إلى السلطة.
الحزب الديمقراطي الكوري
وفي كوريا الجنوبية، يسيطر الحزب الديمقراطي الكوري على السلطة منذ أكثر من عامين، إذ سبقته إدارتا كلٍّ من “لي ميونغ باك” و”بارك جيون هاي”، إلا أن ثمة عددًا من العوامل التي من شأنها أن تعيق عمل الحزب الديمقراطي الكوري؛ فقد أجرى الحزب العديد من الإصلاحات السياسية الرامية لإعادة تنشيط الاقتصاد الكوري، ومن بينها ما يعرف بـ”استراتيجية النمو المرتبط بالدخل”، إذ من المفترض أن يؤدي الإنفاق المتزايد على الرعاية الاجتماعية لمساعدة الفقراء إلى إعادة تنشيط الاقتصاد الكوري. وبعيدًا عن التفاصيل، فإن الإحصاءات الأخيرة تكشف عن الصورة السلبية التي تتضمن تباطؤ معدل البطالة، وتراجع النمو الاقتصادي. وعلى النقيض من الأداء القوي للاقتصاد الياباني، الذي منح رئيس الوزراء “آبي” فترة أخرى في السلطة، فإن الركود الذي يلوح في أفق الاقتصاد الكوري الجنوبي، ربَّما يشكل ضربة قاصمة للحزب الديمقراطي الكوري.
توتر العلاقات مع كوريا الشمالية
إن أحد الإنجازات التي حققها الرئيس “مون جاي” يكمن في تمكنه من جذب كوريا الشمالية إلى طاولة المفاوضات على غير المتوقع، فمنذ قمة سنغافورة التي جمعت “كيم جونغ أون” والرئيس الأميركي دونالد ترمب، في يونيو من العام الماضي، طرأ تغير ملموس، ولا سيَّما على مستوى المساعدات التي أرسلتها كوريا الجنوبية إلى جارتها الشمالية. ومن ثَمَّ، فإن درجة من التوتر في العلاقات مع “بيونج يانج”، من شأنها أن يُخيِّب ظن الكوريين الذين اعتقدوا أنها قد تكون مختلفة هذه المرة عمَّا سبقها. فقد بذل “مون” جهدًا سياسيًا كبيرًا لتحسين العلاقة مع كوريا الشمالية؛ لذا، فإذا لم تنجح هذه الجهود، فسيشعر الكوريون الجنوبيون بأن مواردهم قد أُهدِرَت مرة أخرى، إذ يعول الكثيرون على القمة الثانية المرتقبة في فيتنام.
غير أنه دائمًا ما يكون لمثل هذه السياسات تكاليف ومزايا، فعادة ما تستغرق تأثيراتها وقتًا أطول حتى تتبلور. ومع ذلك، يشعر البعض بأن مثل هذه الخطط يتم دفعها بسرعة كبيرة، ذلك أن نزع السلاح النووي بشكل متعجل يتسبب في شكاوى البعض في الصيف، ثم إن إدارة الحزب الديمقراطي الكوري من شأنها أن تواجه مخاطر وآثارًا جانبية كبيرة تترتب عن سياساته إذا لم يتم تنفيذها بعناية.
وفي النهاية، نجد أنه من الصعب التوصل إلى مقاربة كاملة بين الحزبين الليبراليين في اليابان وكوريا الجنوبية. فكلاهما يواجه تحديات واحتياجات مختلفة. ومن ثَمَّ، فمن الصعوبة بمكان الوقوف على تنبؤات دقيقة لمآلات الأوضاع في كوريا الجنوبية انطلاقًا مما يحدث باليابان. ومع ذلك، من الواضح أن ما يُبقي الحزبين في السلطة ليس ما فعلته الأحزاب السابقة، بل بالأحرى قدرة كليهما على تحقيق إنجازات أفضل مما سبقهما. ففي الواقع، بلغت نسبة الموافقة على الرئيس “مون” 48%، وهو أدنى مستوى له على الإطلاق منذ توليه المنصب في مايو 2017. ووفقًا لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة “ريل ميتر” Realmeterفي ديسمبر 2018، انخفضت تلك النسبة إلى أكثر من 30%؛ وهو ما يدفع المرء للانتظار كي يعرف: هل يمكن الحزب الديمقراطي الكوري أن يتجنب مصير نظيره الياباني، عن طريق تحقيق إنجاز أفضل في المستقبل القريب؟
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر/ آسيا تايمز
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر