سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
عبدالله بن خالد بن سعود الكبير آل سعود
تهدف هذه الدراسة إلى بيان تأثيرات أزمة “كورونا” على خطابات وتوجهات بعض الجماعات الإرهابية كتنظيمَي داعش والقاعدة، بالإضافة إلى جماعات أقصى اليمين المتطرف؛ كالنازيين الجدد، وبعض جماعات الجريمة المنظمة؛ كعصابات المافيا. وذلك انطلاقاً من فرضية أساسية أن أزمة فيروس كورونا المستجد خلقت مناخاً داعماً وظروفاً موائمة للعديد من تلك الجماعات المختلفة والمتضادة فكرياً للتحرك ومحاولة استغلالها لتنفيذ أجندتها الخاصة.
تنظيم داعش
اعتبر التنظيم أن هذه الجائحة عذابٌ من الله تعالى سلّطه على المشركين، كما أبدى التنظيم فرحته بأن “الأمم الصليبية على وجه الخصوص” أصبحت تواجه ضغوطاتٍ وتحديات هائلة أمنية واقتصادية واجتماعية بسبب هذا الفيروس؛ وتكشف ما كتبه التنظيم عن الفيروس عن محاولة إخضاع أزمة فيروس كورونا لصالحه من عدة جوانب:
أما في الواقع العملي، فقد لوحظ على نشاط التنظيم ما يلي:
تنظيم القاعدة
أصدر تنظيم القاعدة بياناً عاماً اعتبر فيه أن هذا الفيروس عذاب وعقاب من الله، وأنه أصاب العالم والأمة الإسلامية بسبب ذنوبها، كما لم يخفِ سعادته بإضراره بالاقتصاد الأمريكي. وأنه من الواجب على المجاهدين اتخاذ الخطوات العملية لتحريرهم، واتخاذ هذه الأزمة فرصة للتوبة والعودة إلى الله. كما دعا البيان مواطني الدول الغربية إلى التفكر في أزمة فيروس كورونا، ومعرفة أن أسبابه الحقيقية تكمن في فسادهم الأخلاقي، واقتصاداتهم المبنية على الربا، والظلم والقمع اللذين تسببت فيهما حكوماتهم ضد المسلمين والعالم أجمع.
وتباينت طريقة تعامل أفرع التنظيم مع جائحة كورونا؛ فهيئة تحرير الشام، وحكومة الإنقاذ التابعة لها، والتي تسيطر فعلياً في مناطق شمال إدلب وغرب حلب؛ قام التنظيم بنشر التوعية بمخاطر الفيروس، كما اتبعت إجراءات وقائية، كإغلاق الأسواق والأماكن العامة، وتعقيم المساجد والمدارس، والقيام بحملات توعية للعامة وأئمة المساجد، وإيقاف التعليم وصلوات الجمع.
أوجه التشابه والاختلاف بين “داعش” و”القاعدة”
يتضح من استعراض لأبرز ملامح استجابة تنظيمَي داعش والقاعدة لأزمة فيروس كورونا، أنه على الرغم من التشابه بين خطابيهما في ما يتعلق بقراءتهما الأولية للأزمة ومحاولة تطويعها لتتوافق مع أيديولوجيتهما وخدمة أهدافهما؛ فإن هناك فارقاً جوهرياً يتعلق بالكيفية التي استخدمها كلا التنظيمَين في سبيل تحقيق ذلك. ففي حين شدد “داعش” على أن الفيروس عذاب من الله على الأعداء بسبب تسلطهم، وفرصة لشن الهجمات وتحقيق المكاسب على الأرض، ذهب “القاعدة” إلى كونه عقاباً من الله؛ بسبب الذنوب والفساد المالي والأخلاقي، ووجد فيه فرصة لكسب القلوب والعقول من خلال الدعوة إلى التأمل الذاتي والتفكر ودعاء الآخرين للدين و”الجهاد”، وذهب “داعش”، كعادة خطابه ومواقفه الموغلة في التشدد والعنف، إلى استغلال الأزمة من خلال الحض على زيادة وتيرة الهجمات، بينما اختار “القاعدة” تبني نهج أكثر ليونة، مستغلاً الأزمة لدعوة المسلمين وغير المسلمين إلى منهجه. وعلى جانب آخر، فإن جهود “القاعدة” لمحاولة السيطرة على انتشار الفيروس تبدو أكثر وضوحاً وجدية، بغض النظر عن مدى فاعلية ذلك.
ففي حين لا يجد “القاعدة” غضاضة في تبرير إرهابه على أنه مشروع في الإسلام، فإنه غالباً ما يصور نفسه في موقف الدفاع أو “الإرهابي النادم”. في المقابل، لا يرى “داعش” ما يثير أو يستحق الندم في أفعاله.
اليمين المتطرف
يضم “أقصى اليمين” في أوروبا وأمريكا الشمالية تحت لوائه تاريخياً جماعات وأفكاراً متنوعة؛ بل وأحياناً متضادة، من الفاشية الثورية إلى الرجعية المحافظة. ويمكن تعريف أقصى اليمين المتطرف على أنه أيديولوجية تشمل الاستبداد، ومناهضة القيم، والديمقراطية، والقومية الإقصائية، وتضم “رهاب الأجانب” والعنصرية والشعبوية كخصائص مصاحبة للمفهوم. وباختصار، يمكن القول إن أفكار أقصى اليمين المتطرف خليط من كل أو بعض الأفكار؛ الفاشية، والقومية المتطرفة، والنازية، ومعاداة السامية، ومناهضة الإسلام، ومكافحة الهجرة.
وعلى الرغم من الاختلاف الكبير بين جماعات أقصى اليمين عبر الأزمنة والمناطق والطبقات الاجتماعية؛ فإن جميعهم يؤمنون بانتمائهم إلى ثقافة أو عرق متفوق أو رئيسي، وأن هذا التفوق مهدد من خلال التكامل أو التداخل بين الثقافات المختلفة.
وليس كل الجماعات المنتمية إلى أقصى اليمين تتبنى خيار العنف والإرهاب؛ ولكن على الرغم من كون جماعات مثل “اتحاد الدفاع الإنجليزي” في بريطانيا، و”الأوروبيين الوطنيين ضد أسلمة الغرب” في ألمانيا، و”اليمين البديل” في بريطانيا، تحاول النأي بنفسها عن تلك التي تتبنى الإرهاب والعنف كالنازيين الجدد؛ فإنهم غالباً ما يتشاركون في الاعتقاد بحتمية الصراع الثقافي أو العرقي.
وتتمثل أبرز الأفكار التي روجها هذا التيار تجاه أزمة كورونا في صياغة ونشر نظريات المؤامرة، والدعوة إلى الكراهية، وفي بعض الأحيان العنف ضد الأقليات، وتم التعبير عن هذه الآراء عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث تمت إعادة توظيف القضايا التي تشغل التيار سابقاً، كمكافحة الهجرة ومعاداة الإسلام والسامية ومناهضة الحكومات، لتتوافق مع الأزمة الحالية.
وأسهمت أزمة فيروس كورونا وتبعاتها الاقتصادية والاجتماعية في توفير بيئة خصبة لابتداع وانتشار نظريات المؤامرة. وادَّعى بعض مواقع النازيين الجدد، في البداية، أن هذا الفيروس لا وجود له؛ بل هو “خدعة” يستخدمه بعض الجهات للتربح، كالشركات الطبية التي ستستفيد منه مادياً، والحكومات التي تستخدمه لانتهاك حريات الأفراد؛ بينما ظهرت نظرية تدَّعي أن هذا الفيروس جزء من خطة للأمم المتحدة، وفي بعض روايات اليمين المتطرف اليهود؛ للتخلص من 90% من سكان العالم، خصوصاً العرق الأبيض، وذلك من خلال التطعيم الإلزامي القادم الذي سيكون وسيلة للسيطرة، إما على العقول وإما على الإنجاب؛ بينما ذهبت نظرية أخرى إلى أنه سلاح طورته الصين لمهاجمة أولئك المنحدرين من عرق أوروبي.
ويتوافق العديد من هذه الادعاءات مع مفاهيم وقيم اليمين المتطرف؛ خصوصاً معاداته السامية وكراهية الأجانب وعدم الثقة في الحكومات، كما أنها تؤيد نظريات مؤامرة قائمة وشائعة لدى أرباب هذا التيار؛ كنظرية “الإحلال العظيم” أو “الإبادة البيضاء”، وهي التي سبق لها أن ألهمت العديد من أعمال العنف داخل هذا التيار.
وعلى الطرف الأكثر تشدداً في تيار أقصى اليمين المتطرف يقبع بعض جماعات النازيين الجدد، وأولئك الذين يُطلق عليهم “المسرعون”، والذين يؤمنون بأن زرع الفوضى ونشر أعمال العنف ستسرع بانهيار المجتمعات والأنظمة الغربية؛ ما يمكنهم من بناء مجتمع ونظام جديد يقوم على أفضلية وتفوق العرق الأبيض، وبالتالي هم يرغبون في قيام حرب أهلية داخل مجتمعاتهم.
ومع تصاعد أزمة فيروس كورونا، زادت وتيرة دعوات هذه الجماعة، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي؛ وبخاصة منصة التليجرام، لاستغلال الفوضى التي تسببت فيها الجائحة وتسريع آثارها السلبية من خلال أعمال العنف والشغب، ومفاقمة التوترات العرقية.
وعلى الرغم من عدم نجاح جماعات أقصى اليمين المتطرف حتى اللحظة في القيام بعمل إرهابي على نطاق واسع؛ فإن حملتها ورسائلها الافتراضية على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، نجحت إلى حد كبير في التعبئة ضمن أوساط هذا التيار، وإذكاء العديد من جرائم الكراهية والعنصرية ضد الأقليات والأجانب؛ وبالأخص أولئك المنحدرين من أصول آسيوية.
جماعات الجريمة المنظمة
إن استغلال جماعات الجريمة المنظمة، كالمافيا، لفيروس كورونا لم يعتمد بالدرجة الأولى على التنظير الأيديولوجي والدعائي، كما فعلت الجماعات الإرهابية، وأقصى اليمينية المتطرفة؛ بل انعكس ذلك على أفعالها على أرض الواقع، عوضاً عن الأقوال. ويلاحظ أن هذه الجماعات وظفت الجائحة لتحقيق الأهداف التالية:
الخاتمة:
يكشف العديد من التجارب والحوادث التاريخية عن أن الأفكار والجماعات المتطرفة تلقى رواجاً أكبر في بيئات وسياقات الاضطرابات السياسية والمعاناة الاقتصادية، كما في تصاعد شعبية وصعود الحزب النازي في ألمانيا على سبيل المثال، في بدايات العقد الثالث من القرن الماضي، حين كانت ألمانيا تعاني عدم الاستقرار السياسي والتضخم المفرط؛ ولذلك يتوقع أن يكون لـ”كورونا”، بتداعياته الاقتصادية والاجتماعية، تأثيرات مماثلة، وقد سعت جماعات الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة لاستغلاله؛ لتحقيق أهدافها.
المصدر: qposts
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر