سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
كارلوتا جال
بينما كان يقف على متن حافلةٍ تابعةٍ لحملَتِه أمام حشدٍ كبيرٍ من مؤيديه عشية الانتخابات، عانق “أكرم إمام أوغلو”، رئيس بلدية إسطنبول المنتخب – الرجل الذي هزم الرئيس رجب طيب أردوغان ورجله القوي مرتين – صبيًا ساعده في الفوز برئاسة بلدية المدينة.
في شهر مارس الماضي، وخلال الحملة الانتخابية، ركض الصبي، “بيركاي جيزجين”، بجانب الحافلة الانتخابية وهو ينادي “أوغلو” قائلاً: “لا تقلق يا أخي أكرم، كل شيء سيكون على ما يرام”. وهو النداء الذي أصبح شعارًا للحملة، حيث استحوذ على المشاعر العامة التي كان السيد “أكرم إمام أوغلو”، يحاول استحضارها فعليًا.
فاز السيد “إمام أوغلو” (49 عامًا) على مرشح أردوغان في المرتين: الأولى بآخر شهر مارس الماضي، والثانية، في الجولة التي أُجرِيَت أخيرًا، حيث كانت الرسالة التي حملها فوزه بمثابة رسالة للتفاؤل والمحبة التي سعى من خلالها جذب التيار المحافظ والمتدين الذي طالما شكل قاعدة شعبية لأردوغان، وكذلك القوميون والأقلية الكردية.
يقول السيد “أتيس إلياس باسوي”، مدير الحملة الوطنية لحزب الشعب الجمهوري، الذي قاد تحالف المعارضة، إنه “كانت لدينا قاعدتان بسيطتان، تجاهلهما أردوغان. إننا نحب أولئك الذين يحبون أردوغان، إن استراتيجيتنا كلها تعتمد على ذلك”.
سنتان من التضخم وتدهور النمو وانهيار العملة، وغيرها من السلبيات السياسات الاقتصادية لحكومة أردوغان، كانت دوافع مهمة خلف توتر الأجواء المحيطة بالانتخابات.
لكن مسؤولي الحملة من كلا الجانبين قالوا إن نجاح السيد “إمام أوغلو” في جولة الإعادة كان أيضًا نتيجة لخطوات الحزب الحاكم والقرارات السيئة التي اتخذها السيد أردوغان، بما في ذلك الضغط من أجل إجراء الانتخابات.
وكما يقول السيد “باسوي”، فإن الأمر اختلف مع تركيز المعارضة في نقدها لأردوغان، ما جعله يتشابه مع الإهانة التي قدمها “روبرت دي نيرو” للرئيس ترمب في حفل توزيع جوائز “توني” العام الماضي، وذلك بغرض تحفيز مؤيدي ترمب الذين لحقتهم الإهانة. وقد قام السيد “باسوي” بنشر كُتَيب حول كيفية جذب الناخبين بما أسماه “الحب الراديكالي”، وقد حثَّ فيه مرشحي المعارضة على الخروج والتحدث مع الجماهير، ولكن بتجنب الغطرسة والسخرية والسياسات رفيعة المستوى.
لقد قال السيد “أكرم إمام أوغلو”: “كن طبيعيًا. حيث بدا طبيعيًا نتيجة للتنبؤ الدقيق من قبل فريق خارجي لمعارضة إسطنبول، وجد أنه يتمتع بمزيج من السمات، فضلاً عن الحد الأدنى من المبادرات السياسية التي عملت على جذب شريحة واسعة من الناخبين في إسطنبول”.
أمَّا بالنسبة لخصم “إمام أوغلو”، “بن علي يلدريم” (63 عامًا)، وهو رئيس وزراء سابق وحليف مقرب من أردوغان، فقد قال “باسوي” بشأنه إنه يتساءل لماذا اختار الرئيس “رجلًا ضعيفًا جدًا”. وأضاف “باسوي” بأن “يلدريم أكبر من عمر “إمام أوغلو” بـ16 عامًا كما أن صورته قديمة”.
لعب “يلدريم” دورًا كبيرًا في ضوء خبرته التي امتدت على مدار 25 عامًا من الحكم، لكن رغم ذلك، فإن الكثيرين قاموا باختزال مسيرته في محسوبية أردوغان التي يقول ناقدوه إنها دمرت صورة حزب العدالة والتنمية الحاكم. بينما يتعرض رجال “يلدريم” لاتهامات بالتورط في تعاملات فاسدة، وقد سُئل عنهم في مناظرة تلفزيونية، حيث قال إنهم فازوا بعدة دعاوى قضائية، وأن غيرها من الدعاوى قيد التحقيق.
يقول المراقبون السياسيون إن اختيار السيد “يلدريم” يتسق مع اتجاه أردوغان الذي يعتمد بشكلٍ متزايدٍ على الجماهير في ولائهم، بدلاً من قدراتهم. فيقول عددٌ من الأعضاء السابقين في الحزب الحاكم إن هذا الأمر يبدو بعيد جدًا عن السنوات الأولى، وذلك حينما كان الحزب يمثل مزيجًا رائعًا من الأفكار، وهو المكان الذي تجمع فيه مواهب وخلفيات مختلفة، سواء كانوا رجال أعمال أو مثقفين؛ فقد كتب “كمال أوزتورك”، وهو كاتب صحفي كبير وعضو في الحزب الحاكم، انتقادات حول تراجع الحزب قائلاً: “إن ذلك التراجع بدأ قبل خمس سنوات عندما ظهرت الانقسامات داخل الحزب لأول مرة حول كيفية التعامل مع الاحتجاجات الشعبية في حديقة إسطنبول المركزية في عام 2013. كما بدأ الحزب في التراجع عن مبادئه وفلسفته، ما أفقده القدرة على إقناع الناس”.
كما قال “أتيلجان بايار”، مستشار الحملة الاستراتيجية السابق للحزب الحاكم، الذي انضم إلى حملة المعارضة هذا العام، إن محاولة الانقلاب الفاشلة أعقبها تحوّل أردوغان إلى التفكير الذي قاده في النهاية إلى فشل الانتخابات. مضيفًا أن أردوغان كان على حق في التحرك ضد أتباع الداعية الإسلامي، “فتح الله غولن”، الذي تسلل إلى المؤسسات الحكومية وكان يحاول الحصول على السلطة، لكنه مضى في ذلك بعيدًا حيث اعتقل عشرات الآلاف، ذلك أن الخطاب الهجومي الذي تبناه الحزب الحاكم أصاب مع الوقت الخطاب الوطني برمّته.
ونظرًا لأن أردوغان سيطر على مؤسسات الإعلام الرئيسية، فقد أغلق العديد من القنوات الاخبارية وأجبر أصحابها على بيعها لرجال الأعمال المقربين من حزبه، كما حلت الدعاية المؤيدة للحكومة محل التقارير المستقلة، وخاصة على شاشة التلفزيون.
وبمرور الوقت، أصبح الهجوم الشرس على المعارضين والنقاد في وسائل الإعلام الموالية للحكومة وعلى البرامج الحوارية التليفزيونية، فضلاً عن أساليب البلطجة الهائلة لمقدمي البرامج، ضعيفة جدًا. وكذلك، جاء حديث السيد أردوغان العدائي، لتعكس فشل رسالة حملته الانتخابية في شهر مارس التي اعتبرت أن الانتخابات المحلية كانت مسألة “بقاء وطني” لكنها فشلت إلى حد بعيد. وبالتالي يشعر ناخبو العدالة والتنمية بالإحباط والقلق من رؤية العالم تفسر بنظريات المؤامرة والدين.
ويصف المحللون تصويت إسطنبول بأنه تحول جذري في المجتمع التركي. ورغم أن الحزب فاز بالأغلبية في 39 مقاطعة بلدية في إسطنبول بانتخابات مارس، فإن الناخبين قاموا بتغيير ولائهم بشكل كبير خلال جولة الإعادة. فقد تغيرت اتجاهها في 12 مقاطعة كانت قد صوتت لصالح “يلدريم” في مارس، لكنها انتقلت لدعم “إمام أوغلو” في يونيو، بما في ذلك أكثر المناطق محافظة، وهي المناطق التي تعتبر معاقل للحزب الحاكم، مثل مركز “الفاتح الديني”، و”توزلا”، ومسقط رأس السيد “يلدريم”، و”أسكودار” التي يعيش فيها أردوغان. وقد عزا المحللون جزءًا من التحول إلى الاستياء العام من إلغاء انتخابات مارس التي فاز فيها السيد “إمام أوغلو” بـ13000 صوت.
وكما يقول “جالفيم سيدان سانفر”، المستشار السياسي لحملة المعارضة، إن مجموعة العمل التي كانت تديرها المعارضة في أبريل أظهرت أن ناخبي الحزب الحاكم لم يعارضوا إعادة فرز الأصوات، لكنهم عارضوا بشدة إعادة الانتخابات؛ حيث كان ذلك من القضايا المهمة التي أسهمت في ضياع إسطنبول من العدالة والتنمية.
كما يقول “يوكسل تاسكين”، أستاذ العلوم السياسية والعضو البارز في المعارضة، إنه “في 31 مارس، خرج علينا المحافظون المتعلمون، وفي 23 يونيو فقد طفا على السطح دور المحافظين من أبناء الطبقة العاملة يتجهون نحو حزب الشعب الجمهوري”.
كما حدثت واحدة من أهم التقلبات بين النساء، ولا سيَّما النساء اللواتي ينتمين للأسر المحافظة ذات الدخل المنخفض والمتوسط، التي أسهمت في صعود حزب أردوغان الحاكم.
ففي حين أن حزبه قد شن حملةً شرسة ضد الحظر على الحجاب في المؤسسات والجامعات العامة، وتراجع عنها في النهاية، فتحولت تلك النساء اللائي يرتدين الحجاب ضد الحزب.
ويقول الاستشاري في حملة “إمام أوغلو”، إن هدفهن كان التحرر، لكن في الوقت الراهن، لا يمكن لهؤلاء النساء اللائي يرتدين الحجاب أن يجدن مكانًا لأنفسهن في حزب يستخدم بشكل متزايد لغة استبدادية، ذلك أنهن أكثر توجهًا نحو الحرية ويردن أن ينخرطن في الحياة الاجتماعية بشكلٍ أكبر من ذلك، كما أنهن اختبرن أداء الحزب بشكل عملي، لذا فإنهن لن يتحملن الظلم.
في النهاية يقلل الحزب الحاكم من شأن خصمه السيد “إمام أوغلو” حيث قالت السيدة “سانفر”، المتخصصة في استطلاعات الناخبين وجمع التعليقات، إن الاتصالات داخل الحزب قد انهارت وفُقد التواصل بين مؤيديه.
وبعد دراسةِ غالبيةِ الحملات الانتخابية لحزب العدالة والتنمية منذ عام 2007، قالت “سانفر”، “يمكنني القول بسهولة أن هذه كانت أسوأ حملة سياسية قاموا بها على الإطلاق”.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: نيويورك تايمز
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر