سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
حسام إبراهيم
شهدت العلاقات الأميركية الإيرانية، في الأسبوع الأول من يناير عام 2020، أزمة حادة على خلفية قرار الرئيس “ترمب” بتنفيذ عملية عسكرية محدودة لاغتيال “قاسم سليماني” قائد فيلق القدس الإيراني. ويُعد الدور الذي لعبه مجلس الأمن القومي الأميركي في إدارة هذه الأزمة، أحد المحددات الرئيسية في ضبط سياسة إدارة “ترمب” تجاه الأزمة، فقد لعب المجلس دورًا مهمًّا في تقديم البدائل للرئيس، وتنسيق الاتصالات بين مؤسسات الإدارة المختلفة.
لقد مثلت هذه الأزمة اختبارًا فعليًّا لفاعلية ودور المؤسسات الأميركية في ظل إدارة الرئيس “ترمب”، الأمر الذي يرجح احتمالات تزايد دور المجلس خلال الفترة القادمة في إدارة عملية السياسة الخارجية، خاصة في ظل عملية إعادة الهيكلة التي تجري حاليًّا داخل المجلس، والتي بدأها “روبرت أوبراين” مستشار الأمن القومي منذ توليه مهام منصبه في سبتمبر 2019.
ذراع الرئيس:
يُعتبر مجلس الأمن القومي الذراع اليمنى للرئيس في إدارة السياسة الخارجية، فالمجلس The National Security Council هو جزء من المكتب التنفيذي للرئيس The Executive Office of The President، ويعتبر الجهاز الذي يساعد الرئيس في إدارة شؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية.
ويقوم مجلس الأمن القومي بمسؤولياته تلك في إطار هيكل ينقسم إلى أربعة مستويات، يضم: مستشار الأمن القومي National Security Advisor، وهو الذي يدير عمل المجلس اليومي والمسؤول الذي يقدم البدائل ويرفعها للرئيس. وطاقم فريق الأمن القومي ويطلق عليه في الأوساط السياسية والإعلامية الأميركية National Security Team، ويقصد به الوزراء والمسؤولون الحكوميون ضمن تشكيلته، خاصة وزير الدفاع، ورئيس هيئة أركان الجيش الأميركي، ووزير الخارجية، ومديرة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وغيرهم من المسؤولين، ثم اللجان الرئيسية والفرعية ولجان التنسيق التي تقوم بدراسة البدائل المختلفة، وأخيرًا الفريق المعاون داخل مجلس الأمن القومي National Security Staff ويقصد بهم الأشخاص الذين يقومون بإدارة عمل المجلس بشكل يومي وتسيير مهام العمل المرتبطة بإعداد أوراق السياسات والدراسات والتقارير وغيرها من جوانب عمل المجلس.
وتجري حاليًّا عملية إعادة هيكلة للمجلس، بدأها مستشار الأمن القومي الحالي “روبرت أوبراين”، وتهدف إلى تقليص عدد موظفي المجلس، وزيادة فاعليات اللجان الرئيسية والفرعية ولجان التنسيق، وأن يضطلع المجلس بدور أكثر فاعلية في السياسة الخارجية الأميركية.
إدارة الأزمة:
لعب مجلس الأمن القومي الأميركي بمستوياته الأربعة (مستشار الأمن القومي، فريق الأمن القومي، لجان الأمن القومي، الفريق المعاون) دورًا محوريًّا في إدارة أزمة اغتيال “سليماني”، خاصة التصعيد بين الطرفين خلال الأسبوع الأول من يناير، سواء من خلال التنسيق بين مؤسسات الإدارة المختلفة، أو من خلال اجتماعات الرئيس “ترمب” مع فريق الأمن القومي.
فخلال هذه الفترة قام المجلس بإدارة وتنسيق الاتصالات بين مؤسسات الإدارة، خاصة بين البيت الأبيض ووزارتي الخارجية والدفاع، ووكالة الاستخبارات المركزية، وتنسيق الاتصالات مع الوكالات الفيدرالية الأميركية، خاصة وزارة الأمن الداخلي، لتحديد الخطط والبدائل للتعامل مع التهديدات الداخلية. كما عمل المجلس على تقديم بدائل للرئيس حول كيفية التعامل مع الموقف، بالإضافة إلى وضع سياسات التعامل مع الموقف على الساحة الداخلية، وكيفية التحرك إعلاميًّا والرسائل التي يتم إعدادها، بالإضافة إلى صياغة خطابات الرئيس “ترمب” الرسمية بشأن الأزمة.
وعقد المجلس خلال هذه الفترة ثلاثة اجتماعات رئيسية، تم خلالها إدارة الأزمة وتحديد الوسائل المناسبة للتعامل مع الموقف، وذلك على النحو التالي:
1- اجتماع منتجع “مارالاجو”: عُقد هذا الاجتماع يوم الخميس 2 يناير 2020 بمقر إقامة الرئيس “ترمب” الخاص في منتج “مارالاجو” بولاية فلوريدا، لبحث تداعيات الموقف بعد اقتحام المتظاهرين العراقيين من ميليشيات “حزب الله” العراقي مقرّ السفارة الأميركية في بغداد، وشارك في هذا الاجتماع -سواء بالحضور شخصيًّا أو عبر الفيديو كونفرانس- أعضاء فريق الأمن القومي، خاصة “روبرت أوبراين” مستشار الأمن القومي، و”مايك بومبيو” وزير الخارجية، و”مارك إسبر” وزير الدفاع، و”جينا هاسبل” مديرة وكالة الاستخبارات المركزية، وعدد آخر من المسؤولين.
وخلال المشاورات في هذا الاجتماع عرضت على الرئيس “ترمب” معلومات استخباراتية بشأن عمليات خطط “قاسم سليماني” لتنفيذها ضد المصالح الأميركية في المنطقة، وتحديدًا في سوريا ولبنان والعراق، يتم خلالها استهداف أهداف ومصالح ومدنيين أميركيين، وقدمت له بدائل للتعامل مع الموقف من بينها الهجمات على السفن الإيرانية أو بطاريات الصواريخ أو الميليشيات الإيرانية في العراق. وأيضًا تنفيذ عملية عسكرية محدودة لاغتيال “قاسم سليماني” باستخدام طائرات الدرونز.
وبعد تبادل وجهات النظر والتأكيد على أهمية القيام برد فعل على الاستفزازات الإيرانية، اتخذ الرئيس “ترمب” قراره بالقيام بعملية الاغتيال. وقد ذكرت تقارير صحفية أن البدائل التي عُرضت على الرئيس “ترمب” خلال هذا الاجتماع تم إعدادها سابقًا، وكانت جزءًا من خيارات الرئيس “ترمب” في الرد على الاستفزازات الإيرانية بعد استهداف إيران لناقلات ومنشآت نفط في المنطقة، وإسقاط طائرة درونز أميركية.
2- اجتماع الجناح الغربي بالبيت الأبيض: عقد هذا الاجتماع بـ”غرفة الموقف” Situation Room، بالجناح الغربي بالبيت الأبيض، يوم الثلاثاء 7 يناير 2020، قبل ساعات من القصف الصاروخي الإيراني لقاعدتين عسكريتين في العراق، واستمر عدة ساعات بعد القصف، وعُقد في البداية بمشاركة المسؤولين في فريق الأمن القومي، ولاحقًا انضمّ إليهم الرئيس “ترمب”.
وشارك في هذا الاجتماع “مايك بنس” نائب الرئيس، و”روبريت أوبراين” مستشار الأمن القومي، و”مايك بومبيو” وزير الخارجية، وعبر الفيديو كونفرانس “جينا هاسيبل” مديرة وكالة الاستخبارات المركزية، والجنرال “مارك ميلي” رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، والجنرال “كيث كيلوغ” مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس، و”جوزيف ماجوير” القائم بأعمال مدير الاستخبارات الوطنية، و”مايك مولفاني” القائم بأعمال كبير موظفي البيت الأبيض.
بدأ الاجتماع الساعة الثانية ظهرًا بعد وصول رسالة تحذيرية من أجهزة الاستخبارات بأن هجومًا إيرانيًّا على القوات الأميركية بات شبه مؤكد، وأن الميليشيات العسكرية المدعومة من إيران ربما تحاول الهجوم على قاعدة عين الأسد العسكرية في العراق. ودفعت تلك الأنباء نائب الرئيس ومستشار الأمن القومي وبقية مسؤولي فريق الأمن القومي للمشاركة في الاجتماع الذي بدأ بالفريق المعاون لمجلس الأمن القومي، ثم لاحقًا انضم الرئيس “ترمب”.
وتركّز الاجتماع على متابعة الموقف، ثم لاحقًا بعد توارد أنباء القصف الإيراني، لتقييم الخسائر وتحديد أفضل البدائل للرد على الاستفزاز الإيراني، خاصة مع توالي التقارير من المؤسسات الأميركية -خاصة وزارة الدفاع- حول تقييم الخسائر في القاعدتين العسكريتين اللتين استهدفهما القصف الإيراني. وبعد انتهاء الهجمات، بدأ الرئيس “ترمب” ونائبه في إجراء مشاورات مع قادة الكونجرس لبحث البدائل، وتم الاتفاق على التهدئة، خاصة بعد تقييم الموقف بأن الرد الإيراني جاء محدودًا بهدف حفظ ماء الوجه، ودون أن يتسبب في خسائر في أرواح الجنود الأميركيين، باعتبار أن ذلك هو الخط الأحمر للرئيس “ترمب”.
وقد أشارت تقارير إعلامية أميركية إلى أنه خلال هذا الاجتماع كانت هناك اتصالات بين إدارة الرئيس “ترمب” والجانب الإيراني، من خلال ثلاث قنوات خلفية، ضمت سويسرا ودولًا أخرى، فقد بعث الجانب الإيراني برسالة لإدارة “ترمب” بأن هذا سيكون ردهم الوحيد، وسوف ينتظرون ليروا ماذا ستفعل الولايات المتحدة الأميركية. من جانبها ردت إدارة “ترمب” بأنها تدرك أن إيران تسيطر على وكلائها في المنطقة، وأن أية رد من قبل هؤلاء الوكلاء سيُواجَه برد أميركي عنيف. لكن الجانب الإيراني حاول التنصل من أية تحركات يقوم بها وكلاء إيران، وأنهم غير مسؤولين عن هؤلاء الوكلاء. ورد الجانب الأميركي بأنه غير مقتنع بذلك، وعلى إيران السيطرة على وكلائها.
3- الاجتماع الثاني في البيت الأبيض: عقد هذا الاجتماع صباح يوم الأربعاء 8 يناير، قبل إدلاء الرئيس “ترمب” بخطابه. ففي هذا الاجتماع تمت بلورة الصياغة النهائية لخطاب الرئيس “ترمب”، الذي أمر به في اجتماع يوم الثلاثاء، وتم وضع الخطوط العريضة في نفس الاجتماع، والذي تضمن الملامح العامة للموقف الأميركي من التصعيد الإيراني، وتحديدًا العقوبات الاقتصادية، وانفتاح الجانب الأميركي على مفاوضات حول اتفاق جديد، وضرورة اضطلاع حلف الناتو بدور أكبر في الشرق الأوسط.
ختاماً لعب مجلس الأمن القومي الأميركي دورًا رئيسيًّا في إدارة أزمة اغتيال “قاسم سليماني”، بشكل ضبط من أداء إدارة الرئيس “ترمب”، والرئيس ذاته، وركز المجلس بشكل رئيسي على أربعة محددات رئيسية في إدارة الأزمة: تقييم الاستفزازات الإيرانية ووضع بدائل واضحة للتعامل معها، وتعزيز الردع الأميركي كهدف استراتيجي لهذه البدائل، وتنسيق الاتصالات والأدوار بين مؤسسات الإدارة، خاصة في تحديد الرسائل الموجهة للداخل الأميركي، وأخيرًا إبقاء قنوات الاتصال الخلفية مفتوحة مع الجانب الإيراني لتحديد المسارات المحتملة في الفترة المقبلة.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر