يعد ضمان الأمن الغذائي أحد التحديات التي تواجه دول العالم، وخصوصًا مع الزيادة الضخمة في تعداد السكان حول العالم والتي لم تتبعها زيادة في الإنتاج بنفس الحجم، مما أدى إلى زيادة التحديات لتحقيق هدف القضاء على الجوع (وهو أحد أهداف التنمية المستدامة 2030) والذي يعني “عدم قدرة الشخص على الحصول على ما يكفي من الغذاء لتلبية الحد الأدنى من متطلبات الطاقة الغذائية اليومية لمدة عام واحد”، وهذا ما سيؤثر على صحة هؤلاء الأفراد وإنتاجيتهم، وبالتالي على دخلهم وقدرتهم على الخروج من دائرة الفقر. وعلى الرغم من تدهور قدرة الدول على توفير الأمن الغذائي في الأعوام الماضية؛ إلا أن جائحة فيروس كورونا زادت من تدهور الوضع. ويناقش هذا المقال تطور انعدام الأمن الغذائي عالميًا وتداعيات كورونا عليه.
أولًا- تطور الأمن الغذائي عالميًا:
على الرغم من انخفاض معدلات السكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في عقد من الزمان؛ إلا أن الاتجاه تغير في الفترة من 2015 إلى 2019، حيث ارتفع إلى 9.7% من إجمالي السكان حول العالم، وفقًا لبيانات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة في 2020 كما هو موضح في الشكل رقم 1، وجاء هذا لعدة أسباب مثل زيادة الصراعات وتدهور الأوضاع الاقتصادية والتغيير المناخي. ووفقًا لأطلس أهداف التنمية المستدامة في 2020، فإن حوالي 690 مليون شخص حول العالم عانوا من الجوع في 2019، بارتفاع حوالي 60 مليون شخص عن عام 2015.
شكل (1): نسبة السكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد
المصدر: منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (2020).
إضافة إلى ذلك، وكما هو موضح في الشكل رقم 2، فإن معدلات السكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، سواء بحجم معتدل أو حاد، كانت الأعلى في إفريقيا جنوب الصحراء، حيث وصلت نسبتهم إلى أكثر من نصف السكان (56.5% في 2019). ولكن كان الارتفاع بين 2014 و2019 الأعلى في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، حيث زادت بنسبة 8.8% لتصل إلى 31.7% في 2019 من 22.9% في 2014.
شكل (2): نسبة السكان الذين يعانون من انعدام أمن غذائي معتدل أو حاد
المصدر: أطلس أهداف التنمية المستدامة (2020).
ومن ناحية أخرى، فقد انخفضت هذه النسبة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنسبة 2.3% لتصل إلى 28.7% في 2019 من 31% في 2014، وأيضًا في أمريكا الشمالية بنسبة 2.5% لتصل إلى 8% في 2019 من 10.5% في 2014، وتعد صاحبة أقل نسبة سكان يعانون من انعدام أمن الغذاء.
علاوة على ذلك، يختلف انعدام الأمن الغذائي من بلد إلى آخر، فوفقًا لأطلس أهداف التنمية المستدامة 2020 المقدم من البنك الدولي، فإن انعدام الأمن الغذائي قد يكون منعدمًا في بلد مثل سويسرا، حيث إنه لا يتجاوز 2%، ولكنه قد يصل إلى حوالي 85% في ليبيريا. في حين تصل هذه النسبة في مصر إلى حوالي 30%. إضافة إلى ذلك، فعلى الرغم من أن أفقر 20% من السكان في الدول هم أكثر من يعانون من انعدام الأمن الغذائي، إلا أن أغنى 20% من السكان يعانون أيضًا من الأمن الغذائي ولكن بنسبة أقل حتى وإن كانت هذه النسبة تصل إلى معدلات أعلى من 50% في دول مثل: بوتسوانا، وغينيا، وليبيريا.
ثانيًا- تداعيات الجائحة على الأمن الغذائي:
وفقًا لتحديثات البنك الدولي للأمن الغذائي وكورونا، لم يتأثر المعروض من الحبوب في الأسواق العالمية بشكل كبير في عام 2020، ولكن على الرغم من ارتفاع الأسعار بنسبة 10% من يناير 2020 إلى ديسمبر 2020 فقط وهو ارتفاع ضئيل مقارنة بالأزمات السابقة، إلا أن العديد من البلدان شهدت ارتفاعًا في معدلات تضخم أسعار المواد الغذائية على مستوى التجزئة. ويرجع هذا إلى زيادة تكلفة سلاسل التوريد.
ويكون تأثير هذه الزيادة في الأسعار على البلدان الأكثر فقرًا أكبر، حيث إن سكان هذه البلدان ينفقون النسبة الأكبر من دخلهم على الغذاء وهي البلدان صاحبة النسبة الأكبر للسكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي. هذا بالإضافة إلى كونها الدول التي يكون السكان فيها الأكثر عرضة لفقدان وظائفهم بسبب انخفاض الطلب المحلي والعالمي على المنتجات التي في الغالب تكون في القطاع الأولي كثيف العمالة، وأيضًا بسبب سياسات الإغلاق والسياسات المتبعة من قِبَل الشركات لتقليل العمالة، مع عدم قدرة السكان على تحمل مثل هذه الأزمات بسبب انخفاض معدلات الادخار، مما يجعلهم أكثر هشاشة. ومع الوضع في الاعتبار أيضًا عدم قدرة هذه الدول على السيطرة على الوباء تزيد خطورة التجارة والتوزيع في هذه البلدان. ومما يجدر ذكره أن الأطفال هم الأكثر تأثرًا بالجائحة، حيث إن تدهور تغذيتهم سيؤثر على صحتهم واحتمالية معاناتهم من التقزم، وعلى قدرتهم على التعلم، مما سيؤثر عليهم طيلة حياتهم.
إضافةً إلى ذلك، فقد تضُر القيود التي وضعتها الدول المُصدرة على المواد الغذائية بأسواق الدول المستوردة لهذه المنتجات. ووفقًا لتوقعات برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة في نوفمبر 2020، فإن من المتوقع أن يعاني نحو 137 مليون شخص إضافيون من انعدام الأمن الغذائي الحاد بنهاية عام 2020، بزيادة حوالي 82% عن تقديرات ما قبل الجائحة.
كذلك، وفقًا لمقال بعنوان “ما بعد الجائحة: تسخير الثورة الرقمية لتحسين مسار الأنظمة الغذائية” المقدم من البنك الدولي بقلم جوليان لامبييتي، وغادة العابد، وكاترينا شرودر؛ فإن الجائحة تسلط الضوء على تضارب المعلومات، حيث أدت الجائحة إلى فائض غذائي في المزارع -والذي أدى إلى خسائر شديدة وخصوصًا في المنتجات القابلة للتلف- ومع تحول أنماط الاستهلاك نحو منتجات غذائية أرخص، ونقص في أسواق التجزئة بسبب سياسات الإغلاق التي اتخذتها العديد من الدول.
وعلى الرغم من أن كبر حجم الشركات أو المزارع يسهم في زيادة القدرة للتمتع بوفورات الحجم، إلا أن تركيز الزراعة في أماكن محددة أو في الحصص السوقية، له خطورة عالية أثناء الأزمات. على سبيل المثال، نجد في الولايات المتحدة أن الحجم السوقي لأكبر 8 شركات يصل إلى ما هو أكثر من 50%، بينما يمتلك سائر السوق النسبة المتبقية، مما يؤثر على قدرة السوق على التكيف مع التغير في وضع السوق. وفي بيرو، أعلنت الدولة عن إصابة حوالي 80% من تجار سوق الفاكهة المركزية الكبرى في العاصمة (ليما)، بفيروس كورونا. وعلى الرغم من ذلك، لم تستطع الحكومة إغلاق السوق حتى لا تعاني المحافظة من نقص في المواد الغذائية.
ولكن لعبت المنصات الإلكترونية دورًا مهمًا في الربط بين المنتجين والمستهلكين، الأمر الذي ساهم في الحد من تأثير النقص في المتاجر. كما أن المنصات الإلكترونية ساهمت أيضًا في زيادة المبيعات وربحية المنتجين قبل الجائحة. فعلى سبيل المثال، وفقًا لمدونة مقدمة من المعهد الدولي لبحوث سياسات الغذاء بعنوان “الصين تقدم دروسًا في التجارة الإلكترونية للمناطق الريفية في إفريقيا” في سبتمبر 2019، فإن منصة تاوباو الصينية للتسويق التابعة لمجموعة علي بابا القابضة المحدودة -وهي شركة صينية متعددة الجنسيات تتخصص في التجارة الإلكترونية والتجزئة- ساهمت في رفع 41 ألف شخص من براثن الفقر في مقاطعة شويانغ، حيث زادت من مبيعات القرى في المقاطعة في الصين وحول العالم، وساهمت في ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي إلى 11 مليار دولار في عام 2018.
وأخيرًا، على الرغم من عدم تأثر حجم الإنتاج بشكل كبير بالجائحة؛ إلا أنه من المتوقع أن يظهر تأثيرها في حجم المحصول في العام المقبل بسبب انخفاض حجم العمالة، وزيادة أسعار المدخلات الزراعية مثل الأسمنت والبذور، حيث يمكن أن يرتفع استهلاك البذور الحالي، مما يترك حجم بذور أقل للزراعة.