كيف أثرت الأزمة السياسية في الصومال على الأوضاع الأمنية؟ | مركز سمت للدراسات

كيف أثرت الأزمة السياسية في الصومال على الأوضاع الأمنية؟

التاريخ والوقت : الإثنين, 11 أبريل 2022

أسماء عادل

 

تشهد الصومال تعثرًا في مسيرة التحول الديمقراطي، فقد انقضى عام على انتهاء المدة الدستورية للرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو في الثامن من فبراير 2021، دون أن يتم الانتهاء من إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية. وتعكس الأزمة السياسية في الصومال أن هناك أزمة ثقة بين أطراف العملية السياسية في ضوء الصراع السياسي القائم بين رئيس الصومال محمد عبدالله فرماجو ورئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبلي. وتحاول هذه الورقة توضيح مظاهر الأزمة السياسية الراهنة في الصومال، وتناول انعكاساتها على المشهد الأمني في الصومال.

تشهد الصومال عدم استقرار سياسي وتصاعدًا في الاحتجاجات السياسية، بسبب انتهاء المدة الدستورية للمؤسسات التشريعية في ديسمبر 2020، كما انتهت فترة الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو في فبراير 2021، دون إجراء انتخابات تسمح للانتقال السلمي للسلطة في الصومال، وهو ما يُمثل مصدرًا رئيسيًا لتهديد استقرار النظام السياسي ووحدة الدولة وتماسكها، فعدم إرساء مبدأ التداول السلمي للسلطة والوصول إلى الحكم عن طريق الانتخابات، يُنذر بانهيار الدولة الصومالية وتفكك المجتمع الصومالي. ويمكن توضيح أبرز أبعاد الأزمة السياسية على النحو التالي: 

1- محاولات فرماجو عرقلةَ مهام رئيس الوزراء الصومالي: يمكن رصد أبرز هذه المحاولات في عرقلة مهام محمد حسين روبلي المتمثلة في تهيئة المناخ لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وذلك على النحو التالي:

  • القرارات المتضاربة فيما يتعلق بإقالة مسئولين في جهاز المخابرات الصومالي التي اتخذها رئيس الوزراء الصومالي روبلي، وقيام فرماجو بإعادتهم لمناصبهم. هذه القرارات المتضاربة تكشف عن الخلافات بين الرجلين المتعلقة بالانفراد بتبعية الجهاز الاستخباراتي لسلطته دون الآخر. فقد تصاعد التوتر بين الرجلين بعدما قامت الوكالة الصومالية للأمن والاستخبارات بإجراء تحقيق حول اختفاء أحد عناصرها تدعى إكرام تهليل. وفي ضوء نتائج التحقيق التي اعتبرها روبلي غير مقنعة، أصدر قرارًا في الخامس من سبتمبر 2021 بإقالة رئيس الاستخبارات الصومالي فهد ياسين المقرب من فرماجو. لكن نجد أن هذا القرار قد تم إلغاؤه بواسطة فرماجو، وانفرد بتعيين رئيس لجهاز الاستخبارات، وتعيين فهد ياسين وعين رئيسًا لجهاز المخابرات مستشاره للأمن القومي.
  • التشكيك في نزاهة روبلي واتهامه بقضايا فساد تتعلق بالاستحواذ على أراضٍ تابعة للجيش، وبناء على ذلك اتخذ فرماجو قرارًا في أواخر عام 2021 يقضي بإحالة رئيس الوزراء للتحقيق، وتعليق مهامه. ويمكن قراءة هذا القرار باعتباره أنه يهدف إلى إبعاد روبلي عن المشهد السياسي، وإفساح الطريق أمام فرماجو من أجل التدخل في العملية الانتخابية بما يصب في صالحه والفوز بولاية ثانية. ونجد أن هذه المحاولة قد تم إفشالها في ضوء الرفض الدولي لهذا القرار، ومساندة رئيس الوزراء لاستكمال مهامه.

2- تباطؤ مسار العملية الانتخابية: تأجلت الانتخابات أكثر من مرة، ونجد أن السبب يعود للخلافات السياسية بين رأسي السلطة التنفيذية حول الاتفاق بشأن آلية تنظيم الانتخابات، وخاصة الأجهزة الفنية التي تتولى ملف إدارة تنظيمها (اللجنة الفيدرالية للانتخابات)، وهو ما أدى إلى عدم الانتهاء من إجراء انتخابات مجلس الشعب في الخامس والعشرين من ديسمبر 2021، ومن المقرر الانتهاء من إجرائها في الخامس والعشرين من فبراير 2022. ويشوب انتخابات مجلس الشعب عدد من العراقيل، إذ لم ينتخب الصوماليون سوى 100 من أعضاء البرلمان من أصل 275، في حين أن استكمال انتخاب الـ175 نائبًا المتبقين أمر تواجهه تحديات، فهناك خلافات عشائرية تهيمن على المشهد الانتخابي، وهو ما يعني احتمالية تأجيل انتخاب المرشحين لبعض المقاعد النيابية، وهو ما يلقي بظلاله على انتخابات الرئاسة التي من المحتمل أن تنطلق في شهر أبريل 2022، إذ إن النواب هم من يختارون الرئيس. ومن الجدير بالذكر أن انتخابات مجلس الشيوخ قد تم استكمالها منذ منتصف نوفمبر 2021.

3- الخلافات بين الحكومة المركزية ورؤساء الولايات الفيدرالية: تنامت حالة الصدام السياسي بين الحكومة المركزية في مقديشو ورؤساء الولايات الإقليمية، فقد تمحورت أهم نقاط الخلاف والتوتر بين الحكومة المركزية وولايتي جوبالاند وبونتلاند، حول آلية تقسيم مقاعد النواب في البرلمان، وخصوصًا في جوبالاند. هذا إلى جانب رفض رئيس الولاية نشر قوات أمنية صومالية في مدينة غدو في الإقليم ذاته، وهو ما تتمسك به الحكومة الصومالية، التي تتهم قيادات جوبالاند بالتحالف مع كينيا، وتقويض جهود الحكومة المركزية لتنظيم انتخابات نيابية ورئاسية.

ومن الجدير بالذكر أن الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو عمل على إحكام سيطرته على الولايات الإقليمية، لضمان فوزه بولاية رئاسية ثانية، وفى سبيل ذلك عمل على اتِّباع مجموعة من السياسات، تهدف إلى بسط الهيمنة على القوى العشائرية لضمان وصول حكّام ومرشحون موالين له إلى مجلس النوّاب، وذلك بتشكيل اللجان الانتخابيّة، الإقليميّة والفيدراليّة، المشرفة على اختيار نوّاب البرلمان، الذي يختار رئيس البلاد، من عناصر الأجهزة الأمنية والموظفين والموالين له. وقد تمكّن فرماجو من ضمان تأييد نواب ولايات جنوب الغرب الصومالي: ولاية غلمدغ، وولاية هيرشبيلي، كما انفرد بتشكيل اللجنة الانتخابية الخاصة بأرض الصومال، والتي كان من المُخطط إجراء انتخاباتها في العاصمة مقديشو.

لا شك أن حالة الصراع السياسي التي تشهدها الصومال قد انعكست على الصعيد الأمني الذي اتسم بالهشاشة والتراخي، ويتضح ذلك جليًا في تفاقم التهديدات الأمنية من جانب التنظيمات الإرهابية التي تعمل على استغلال حالة الفراغ الأمني نتيجة انشغال الأجهزة الأمنية في متابعة الخلافات السياسية، وهو ما انعكس بالسلب على قدرة هذه الأجهزة على مواجهة التهديدات الأمنية في البلاد. وقد أوضح تقرير صادر عن فريق الخبراء المعني بالصومال المقدم وفقًا للقرار 751 (1992) إلى رئيس لجنة مجلس الأمن الدولي، بتاريخ أكتوبر 2021، أبرز التهديدات الأمنية في الصومال الناتجة عن الأزمة السياسية، ويمكن توضيحها على النحو التالي:

1- الانقسامات في صفوف الجيش: وقع خلال عام 2021 حادثان كشفا عن وجود انقسامات في صفوف الجيش الصومالي. الحادث الأول يتمثل في قيام قوات تابعة لحكومة الصومال الاتحادية مؤيدة بشدة للرئيس بمهاجمة معارضيه في مظاهرة في فبراير 2021. أما فيما يتعلق بالحادث الثاني الذي وقع في أبريل 2021، وسط احتجاجات في مقديشو ضد تمديد ولاية الرئيس فرماجو، وقع تبادل لإطلاق النار بين مئات العناصر الموالية للمعارضة في الجيش الوطني الصومالي والعناصر الموالية للحكومة.

2- تصاعد نشاط حركة الشباب: عملت حركة الشباب على توظيف الخلافات السياسية، وتأزم المشهد الانتخابي في الصومال، وقد اتضح ذلك من خلال تصاعد حدة الهجمات الإرهابية، وبسط سيطرتها على مساحات من الأراضي الصومالية، ويتضح ذلك من خلال:

  • استهداف الجيش الصومالي: قامت حركة الشباب بشن 1047 هجومًا على قوات الجيش الوطني الصومالي وقوات الولايات الفيدرالية والقوات الدولية، بشكل رئيسي في جوبالاند وولاية جنوب غرب الصومال وهرشبيلي وغالمودوغ. وكان جميع الهجمات قائمًا على الكر والفر، أو منفذة بقذائف الهاون على قواعد قوات الأمن، أو في شكل كمائن وهجمات بالأجهزة المتفجر اليدوية الصنع على قوافل عسكرية.
  • استهداف العاصمة: تصاعدت حدة الهجمات التي طالت العاصمة مقديشو خلال عام 2021، واستهدفت هذه الهجمات القيام بعمليات اغتيال ضد المسئولين السياسيين والأمنيين في مقديشو. ولا شك أن تزايد عمليات التفجير التي طالت العاصمة يُمثل مؤشرًا خطيرًا على هشاشة الأوضاع الأمنية، ومحدودية قدرة الأجهزة الأمنية الصومالية على إحباط هجمات حركة الشباب.
  • التوسع في وسط الصومال: توسعت حركة الشباب في الأراضي الواقعة في مقاطعة هوبيو بولاية جالمودوج التي تقع في وسط الصومال. فمن خلال استغلال الوضع السياسي الهش على المستويين الوطني والإقليمي، إلى جانب استغلال الصراعات العشائرية في هذه المنطقة، استولت الحركة على مدينة بلدوين في وسط الصومال، وحاولت بعد ذلك السيطرة على بلدة ويسيل في جالمودوج بوسط الصومال.
  • التهجير القسري: عملت حركة الشباب على انتهاج سياسة التهجير القسري كعقاب جماعي للسكان الذين يقاومون سلطتها، وفي أغسطس 2021، كان هناك ما يقرب من 3 ملايين مشرد داخليًا في الصومال، منهم 537 ألفًا فروا من ديارهم في الفترة بين يناير ويوليو 2021 وحدها، حيث شكل التهجير المرتبط بالنزاع أكثر من 70 في المائة من تلك الحالات.

3- تمدد الفرع المحلي لداعش في الصومال: يقوم التنظيم بعمليات إرهابية في شمال الصومال. غير أن معظم العمليات التي نفذت في خلال عام 2021 كان لها أثر محدود ووقعت في جزء محصور بمنطقة باري في بونتلاند، وتقع هذه المنطقة في الشمال الشرقي للصومال. وعلى الرغم من الهجوم الناجح الذي شنه داعش في منطقة باري في منتصف أغسطس 2021، فقد شن التنظيم هجمات ضد قوات الأمن خلال شهري يونيو ويوليو 2021 بالقرب من جبال غوليس.

4- تفجر أزمة تنظيم أهل السنة والجماعة في ولاية غلمدغ: تمكن تنظيم أهل السنة والجماعة، وهو تنظيم مسلح يتبع الطرق الصوفية، في أواخر أكتوبر 2021، من الاستيلاء على مدينة جرعيل بولاية غلمدغ في وسط الصومال دون مواجهات، كما سيطر التنظيم على مركز الشرطة ومقر بلدية المدينة بعد انسحاب القوات الحكومية منهما، مما أدى إلى سقوط قتلى ومصابين يزيد على 20 قتيلًا ومصابًا، وهو مؤشر على وجود فراغ سياسي وأمني كبير تعيشه الولاية. ومن الجدير بالذكر أن تنظيم أهل السنة والجماعة تشكّل من رجال دين وأفراد يتبعون الطرق الصوفية، ودخل التنظيم في مواجهات شديدة مع حركة الشباب، منذ عام 2008، في الأقاليم الوسطى وبعض الأقاليم الجنوبية، خصوصًا في إقليم “غل غدود” وسط الصومال، و”دوسمريب” عاصمة ولاية غلمدغ. كما دخل التنظيم في صراع مع الحكومة الاتحادية في مقديشو، ووقعت اشتباكات بين الطرفين بعد تشكيل حكومة إقليمية في الولاية بدعم من مقديشو، انتهى بانسحاب قادة التنظيم من الولاية، ودمج قواتهم المسلحة في قوات الولاية، منتصف عام 2020.

5- المواجهة المسلحة في إقليم غدو بولاية جوبالاند: تصاعد الصراع من أجل السيطرة على غدو بين حكومة الصومال الاتحادية وولاية جوبالاند في بلدة حواء في يناير2021، مما أدى إلى تداعيات إنسانية خطيرة وتسبب في تأخير الجدول الزمنى للانتخابات. وقد اندلعت اشتباكات عنيفة في يناير 2021 بين قوات الجيش الوطني الصومالي المتمركزة في بلدة حواء وقوات جوبالاند، مما أسفر عن سقوط ضحايا مدنيين، وعمل رئيس الوزراء الصومالي على احتواء الأزمة، إذ أعلن في مارس 2021 أنه سيكون مسئولًا عن الأمن في غدو خلال الفترة الانتخابية، إلى جانب لجنة مصالحة ضمت جميع الولايات الأعضاء في الاتحاد باستثناء جوبالاند.

6- الصراع العشائري: تصاعد الصراع العشائري على الموارد والسلطة، وقد تفاقم بسبب العملية الانتخابية في عدة مناطق صومالية، ولا سيما غالغادوغ وهيران ومدج وسناغ وباري. وترتب على هذه النزاعات عدم الاستقرار وانعدام الأمن في مناطق هشة، ونتجت عنها تداعيات إنسانية خطيرة، بما في ذلك الخسائر في صفوف المدنيين، وصعوبة إيصال المساعدات الإنسانية. كما استُهدف أفراد في الجيش الوطني الصومالي بسبب انتمائهم العشائري، فقد قتل ثمانية جنود من الجيش الوطني الصومالي في يناير 2021، بسبب انتمائهم إلى عشيرة هبرغدير.

وفي الختام، يمكن القول إن تأزم الأوضاع السياسية في الصومال المتمثل في تصاعد وتيرة الصراع السياسي بين رأسي السلطة التنفيذية فرماجو وروبلي، وعدم استكمال المسار الانتخابي؛ قد انعكس على المشهد الأمني بشكل سلبي، وهو ما استغلته الجماعات المتشددة لتمدد نفوذها من خلال تنفيذ هجمات تستهدف زعزعة الاستقرار في الداخل الصومالي. ولذا فإن العمل على إيجاد تسوية سياسية بين الأطراف الصومالية هو أمر ضروري لاستكمال المسار الديمقراطي. ولعل قيام الولايات المتحدة الأمريكية بفرض عقوبات على مسئولين صوماليين حاليين وسابقين متهمين بتقويض العملية الانتخابية في البلاد، يُشكل عامل ضغط على النخبة السياسية الصومالية لتنحية الخلاقات السياسية جانبًا، والالتزام بإتمام انتقال سلس للسلطة، وهو ما يفوت الفرصة على الحركات الإرهابية التي تستغل الفوضى السياسية في البلاد لتكثيف هجماتها الإرهابية.

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر