كيفية عمل عمالقة التكنولوجيا لدى الأمن القومي | مركز سمت للدراسات

كيفية عمل عمالقة التكنولوجيا لدى الأمن القومي

التاريخ والوقت : الأربعاء, 28 يوليو 2021

بيتر إيساكسون

 

تؤمن الولايات المتحدة بفخر أنها الأمة الوحيدة في هذا العالم الذي تغلغله الفساد، وما زالت مخلصة لحرية مواطنيها، وهذا الاعتقاد هو جزء من الخرافة التي أنشأت الدولة. ويرى الأميركيون أن أمتهم تمثل نموذجًا مثاليًا على جميع الدول الأخرى الاحتذاء به، ويستمرون في التصديق أن حكومتهم ملتزمة بتحقيق حريتهم التي لا يمكن تعويضها حتى بعد تضييق الخناق الواضح بشكل متزايد على جميع مؤسساتها من قبل المجمع الصناعي العسكري، وقد كانت عملية جارية بالفعل عندما ندد بها الرئيس “دوايت أيزنهاور” قبل 60 عامًا.

تأكدت تلك السيطرة من خلال عدد من الأحداث التي تشمل سلسلة من حروب لا طائل منها في جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط. وبالرغم من الدروس الواضحة للتاريخ القريب، فما زالت الطبقة السياسية في واشنطن تظهر باستمرار عدم قدرتها على معارضة السياسات التي تؤدي إلى المزيد من الحروب الفاشلة أو كبح جماح الميزانية العسكرية المتزايدة باستمرار، فسيكون من الأكثر دقة تسمية الولايات المتحدة الأميركية باسم المجمع الأميركي المتحد، فإن العسكرة في الجسد والروح تحدد وحدتها.

وكنتيجة طبيعية لقناعتهم بأن نظام حكمهم يمثل نموذجًا يجب على بقية العالم أن يحذو حذوه، يعتقد الأميركيون أن جميع الدول الأخرى حتى حلفائها الغربيين تتمتع بقدر أقل من الحرية، ويقبل سكان هذه الدول عن طيب خاطر أن تحكمهم حكومات تمارس سيطرة غير مبررة على حياة مواطنيها وتحد من حقهم في السعي وراء السعادة.

في نهاية المطاف كل واحد منهم يفتخر بشكل أو بآخر بالممارسات الاستبدادية المعروفة باسم “الطب الاجتماعي”، ومعظمهم لديهم بطاقات هوية وطنية ترمز إلى كل الإدارات التي ترى كل شيء وتتحكم فيه، وكل من تلك الشرور – الطب الاجتماعي وبطاقات الهوية – تشير إلى هؤلاء الأشخاص الجبناء الذين يستنكرون أبسط حقوقهم (يشمل ذلك حقهم في تسليح أنفسهم للتمرد) وهو شيء دائمًا ما يرفضه الأميركيون.

تناقش هذه المقالة العلاقة المعقدة بين عمالقة التكنولوجيا ومؤسسات تنفيذ القانون، حيث أفشى ثلاثة من صحفيي الـ”نيويورك تايمز” كيف انتهى الأمر في وطن الشجعان وأرض الحرية بقبول المواطنين المُدعين للشجاعة نظمًا مجتاحة صدقوا بسذاجة أنها تجلب لهم الحرية، وبدون الحاجة إلى صنع نظام مركزي للسلطة واضح أتقنت حكوماتهم استراتيجيات مثلى للتجسس والتحكم المباشر في حياة مواطنيها وإدارتها إن تطلب الأمر.

بفضل ثقافة المجتمع الاستهلاكي اتضح أن الأساليب المبتكرة باتت سهلة التطبيق، فتبدأ بمبدأ اعتقادي يقبل سريعًا ويطبق على جميع ما تتضمنها الحياة الأميركية، فتفوض أقوى حكومة في العالم جزءًا مهمًا من مهمة الرقابة للشركات الخاصة. تمامًا كما الحروب الخارجية الأميركية التي تمت ملاحقتها من قبل جيش وطني مجند أخذ منحنى مشابهًا لجيوش المرتزقة، فإن حكومة الولايات المتحدة – على الرغم من وجودها بوضوح في مجتمع استخباراتي مركزي واسع وأمن وطني – تعتمد على شركات التكنولوجيا الخاصة لتوفير واجهة مباشرة مع مواطنيها، الذين يُشتت انتباههم بسبب العناصر الجذابة والمتألقة والعروض المجانية التي تقدمها شركات التكنولوجيا الناجحة ويعجزون عن ملاحظة أنهم يراقبون ويتلاعب بهم.

الوهم المشابه للواقع يسهل تصديقه بفضل اعتقاد الأميركيين أن الشركات الخاصة تصب اهتمامها على الربح، وأنهم العملاء الذين يمكنون الشركات من تحقيق الربح فهم في أيدٍ أمينة، فقد تعلموا أن الربح هو السلاح السري الذي يبقي على الفضيلة غير مسيسة. يشعر الأميركيون أنه يمكنهم ائتمان شركات مثل: “جوجل”، و”فيس بوك”، و”آبل”، و”مايكروسوفت”، و”أمازون” على جميع جوانب حياتهم، فهي ليست لديها أي هدف سياسي غير توسيع حدود حرية المواطنين من خلال تزويدهم بمنفذ إلى المنصات التي بدورها تزودهم بمزيد من البضائع والخدمات المجانية أو المخفضة.

بأخذ “آبل” على سبيل المثال، فقد أبرزت مقالة الـ”نيويورك تايمز” نوع الغموض الذي يظهر عندما يقوم أشخاص ذوي أهداف سياسية ليسوا مخولين باستدعاء الأشخاص، بل المعلومات المجمعة من قبل الشركات الجشعة، وتدعي أنها شركات تكنولوجيا محايدة سياسية، ولا يوجد ما يهابه المستخدمون لأن الشركات لديها سياسات معدة لحماية سرية بيانات عملائهم، وأن الأمر مذكور في عقودهم.

ولكن في عالم يتم إخبار قاطنيه بأن الإرهاب دائمًا ما يترصد في الظلال، فإن مؤسسات تنفيذ القانون والأمن القومي تحتاج الوصول إلى تلك البيانات في بعض الأحيان، فيستخدمون القانون لتحقيق أهدافهم، ويمكن للشركات على سبيل احترام عقودهم مع عملائهم حق الرفض. ووفقًا للمقالة “لكن في معظم الأحيان، تستجيب الشركات لمطالبات مؤسسات تنفيذ القانون، وهذا يؤكد حقيقة واحدة غير مريحة وهي أنه بينما باتت منتجاتهم ضرورية في حياة البشر، فإن أكبر شركات التكنولوجيا في العالم أصبحت وسطاء رقابة وشركاء بالغي الأهمية للسلطات وتملك السلطة للحكم على أي الطلبات تستجيب وأي الطلبات ترفضها”.

تعريف لمصطلح وفقًا لـ”قاموس الشيطان اليومي”*:

وسطاء الرقابة

متفرجون يبدون عاديين وغير متأثرين، مكلفون بمهمة اكتناز البيانات التي يمكن استخدامها عندما تدعو إليها الحاجة، وذلك لاستعادة النظام أو لتحقيق أي غايات أخرى، ويعدون أساسيين لأمن هؤلاء في مناصب السلطة.

ملحوظة متعلقة بالسياق

بدأت تلك الممارسات تفضح في المحاكم، ووفقًا لفهم الأميركيين لنظام ديمقراطي قائم على اللعب الخفي “للضوابط والتوازنات”، فإن الحرية والعدالة حتى عند تحديهما ستسودان، أو هل سيحدث ذلك بالفعل؟ معرفة كيف صمم النظام هو شيء واحد، بينما فهم كيفية عمله لهو أمر مختلف تمًاما.

كشف صحفيو الـ”نيويورك تايمز” بالقول: “لكن في معظم الأحيان، تستجيب الشركات لمطالبات مؤسسات تنفيذ القانون” وأن عدد هذه المطالبات “قد ارتفع في السنوات الأخيرة ليصل إلى الآلاف في الأسبوع”. وبتحليل الإحصائيات، فإنه يمكن ملاحظة أنه خلال مدة أطول من ستة أشهر في 2020 – على سبيل المثال – طعنت “آبل” في 238 مطالبة، أي ما يصل إلى 4% من الإجمالي، وهذا يشير إلى أن الامتثال لأوامر الحكومة تحدث في 96% من المرات ويُترجم هذا الرقم إلى عدم الامتثال لشروط عقدهم مع عملائهم.

يبرر المدعي العام للرئيس “جو بايدن” وهو “ميريك بي جارلاند” هذا التنظيم ليس لأنه تأسس بموجب القانون، ولكن لأنه نتيجة “لمجموعة من السياسات التي كانت موجودة منذ عقود”. ألقي باللوم على التقاليد أو بالأحرى لا تلم أي شيء على الإطلاق، فهذا هو الثمن التي يدفعها الناس لحاجتهم إلى الأمن. تصف المقالة استخدام “أوامر منع النشر التي وضعتها السلطات على مذكرات الاستدعاء”، إذ وافق كلٌّ من “آبل” و”مايكروسوفت” تحت قيود على عدم إبلاغ أولئك الذين تمَّ استهداف معلوماتهم، “في حالة آبل تمَّ تجديد أمر حظر النشر لمدة عام ثلاث مرات منفصلة”.

ملحوظة تاريخية

في عام 2013 كشف “إدوارد سنودن” للعالم أن الولايات المتحدة تتجسس على مواطنيها، وقد أدت صدمة الحادي عشر من سبتمبر إلى حالة من جنون الارتياب الدائم سمحت للأميركيين بقبول أي إجراء مقترح لحمايتهم من الإرهابيين. جميع البيانات تتعلق بالمواطنين أنفسهم، وغالبيتها تصنع وتخزن من قبل الشركات الخاصة، ويمكن أن تلعب دورًا في التحكم في تصرفاتهم وتساعد الحكومة على كشف الفتنة والإرهاب. أمَّا بالنسبة للشركات، فهو مجرد سبيل لتوليد الأرباح من خلال فهم سلوك المستهلكين والتأثير فيه.

في السنوات الأخيرة نشرت وسائل الإعلام تقارير مكثفة عن نظام الائتمان الاجتماعي الذي تطبقه الصين حاليًا، فيما يبدو مثل محاولة منهم لاستخدام تقنيات تتعدى على الخصوصية لصنع ما يماثل الأخ الأكبر في رواية “جورج أورويل” (1984). ولهذا السبب يعدُّ هذا لعنة على الأميركيين المحبين للحرية. ما تكشفه مقالة “التايمز” هو أنه على عكس الصين التي تحدد حكومتها وتدير النظام بشكل حصري يحصل الأميركيون على اثنين من مشغلي رقابة بسعر واحد.

إن كانت الحكومة المتدخلة هي العدو لحرية الأشخاص، فإن الصينيين لديهم على الأقل ميزة أنهم يعرفون من هو عدوهم. أمَّا في الولايات المتحدة حيث تضع الحكومة نظام مركزي يمكن تسميته بـ”السيطرة على القيم المقبولة” (أي القيم التي لا تؤدي إلى الإرهاب)، فيوجد مجموعة أخرى من المراقبين، وهي المنصات التي ترتب جميع البيانات التي يمكن أن تكون نافعة لحاجات نظام الرقابة المركزي. يضع الأشخاص ثقتهم في الشركات التي تبدي اهتمامها فقط بالمزايا النقدية التي تنتجها بيانات المواطنين، ولكن موضع اهتمام الحكومة مختلف عن ذلك ويتراوح بين الأمن الأساسي والاستغلال السياسي الحزبي.

جرت العادة أن يخشى الأميركيون “الحكومات الكبيرة” من وحش يشبه “جودزيلا” يمكن أن يتجسس عليهم، وهذا الخوف متأصل في ذاتهم. ولذا؛ فهم لن يلاحظوا، بل لن يخشوا وسطاء الرقابة. 

* في عصر “أوسكار وايلد” و”مارك توين” أنشأ خبير أميركي آخر وهو الصحفي “أمبروز بيرس” سلسلة من التعريفات الساخرة للمصطلحات شائعة الاستخدام، وألقى الضوء على معانيها الخفية في الكلام الحقيقي. جمعها “بيرس” ونشرها في النهاية ككتاب وهو “قاموس الشيطان” في عام 1911. قمنا باستخدام الاسم الذي ألفه من أجل مواصلة جهوده التربوية المفيدة لتنوير أجيال من قراء الأخبار.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: fairobserver

 

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر