سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تُمثِّل منظمة الإغاثة “كير” التي تتخذ من الولايات المتحدة الأميركية مقرًا لها، واحدًا من الصناديق الرئيسية التي تتبنى أنشطة جماعة الإخوان المسلمين بسيطرة أعضاء التنظيم عليها لإمداد فروعها ماليًا في العديد من دول العالم، خاصة التي تشهد صراعات سياسية يكون الإخوان طرفًا فيها، على غرار تلك الموجودة في الشرق الأوسط.(1)
المنظمة التي أُنشئت من أجل التحويلات المالية الأميركية إلى أوروبا عام 1945، خضعت لسيطرة التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، وذلك لتأمين التحويلات المالية وتقديم الدعم لفروع التنظيم تحت غطاء المساعدات الإنسانية، ساعدها في ذلك تركيزها على أكثر المناطق فقرًا، والتي تعتبر الأرض الخصبة لضمان عملية التحشيد والتجنيد، وهو ما بدا من خلال أهدافها المعلنة التي تنص على حصر مساعداتها في العالم النامي.
محددات اجتماعية
تستند الجماعات الدينية، وعلى رأسها الإخوان المسلمون، إلى عدة تصورات تستطيع من خلالها النفوذ داخل المجتمعات لتحقيق أهداف سياسية، وهو ما يتسق مع الأهداف العريضة التي وضعتها تلك الجماعات منذ التأسيس؛ لذلك ثمة محددات اجتماعية لدى تنظيم الإخوان كان لمنظمة “كير” دور رئيس فيها، وذلك على النحو التالي:
أولاً: الانطلاق من العمق الشعبي إلى الأهداف السياسية، واحدة من أسرع الطرق وصولاً إلى الطبقة الشعبية، وهو ما عمل عليه التنظيم الدولي للجماعة، من خلال ضمان الشبكات الاجتماعية بمختلف طبقاتها والتمتع بمكانة لديها وحيازة ثقتها، سواء عبر توظيف موارد اقتصادية، أو استعمال خطاب إنساني؛ وهو ما يُفسِّر مصطلح “العمق الاجتماعي” الذي تبنته دراسات اجتماعية، حين تحدثت عن أنَّ الحركات الدينية هي الأكثر انشغالاً بالوصول إلى أعماق المجتمع، تارة دعويًا وفق مبدأ “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، وتارة أخرى عبر تعبئة بطون الفقراء، وذلك في المناطق الأكثر احتياجًا.(2)
ثانيًا: تمتلك الجماعات الأصولية خطابًا مشتركًا بين العمل الدعوي والآخر الإنساني، باعتبار أن الأول ينفذ إلى القلوب الأكثر جنوحًا إلى الالتزام الديني، والثاني يخترق البطون الفارغة، ويلتقيان في النهاية لدى تحقيق نتيجة مفادها أنَّ رعاية الفقراء أحد أساسيات المنهج الديني الذي هو في الأساس منهج سياسي لإدارة شؤون العامة.
ثالثًا: التعبئة الشعبوية لدى جماعة الإخوان المسلمين- تحديدًا – تمتلك بعدًا آخر يرتكز على ما يمكن تسميته بـ”التدين الاجتماعي”، وهو المرتبط في أغلب الأحيان بالمواسم الدينية كشهر رمضان، حين يتم استقطاب حتى غير المتدينين من خلال العمل الخيري، حتى بات الأمر بمنزلة “رأسمال سياسي”، تجسَّد ذلك في دولة محدودة الموارد كمصر، حتى سيطرت جماعة الإخوان في السابق على أحياء كاملة، إن لم تكن مُدنًا.(3)
رابعًا: نجحت الجماعات الأصولية في اختراق البنية العميقة للمجتمعات، حين أثبتت بحوث ميدانية عديدة أن الجماعات الدينية هي الأكثر مشاركة في تعويض العجز الذي تعانيه الدولة من خلال توفير الخدمات الاجتماعية الأساسية للمواطنين، خاصة بالمناطق الفقيرة، وهو ما يرتكز في الأساس على بنك مالي قوي يدير شبكة اقتصادية دولية يمكنها تمويل أنحاء الكرة الأرضية، خاصة المناطق التي تشهد انتشارًا واسعًا لجماعة الإخوان.(4)
إزاء ما سبق، فإنَّ المدقق في أنشطة منظمة “كير” يستنتج البُعد الاجتماعي الذي تخلل أداءها، خاصة أنَّها تُوجّه هذه الأنشطة إلى مناطق سيطرة الجماعة، سواء في الشرق الأوسط، أو الجمعيات الدعوية للجماعة في أوروبا وأميركا.
أبعاد سياسية
المنظمة التي تقول في المسودة التعريفية لها إنَّها تستهدف مكافحة الفقر من خلال أنشطة الدعم للمحتاجين، وإن كان ذلك يحدث بالفعل، لكن ثمة تركيزًا سياسيًا يبدو واضحًا في أنشطتها بالشرق الأوسط، على النحو التالي:
أولاً: خرجت أنشطة المنظمة عن أهدافها المبنيَّة على تقديم مساعدات غذائية أو طبية إلى اختراق الأنشطة السياسية والاجتماعية، ففي اليمن – على سبيل المثال – ساعدت “كير” على تأسيس وإنشاء 52 جمعية نسوية ريفية، وهي الجمعيات التي تقوم بأنشطة اجتماعية أغلبها تخدم فصائل سياسية، في القلب جماعة الإخوان، وهو ما لا يتوافق مع شعارات المنظمة الدولية التي تقدم مساعدات إما غذائية أو طبية، إذ إن تأسيس الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني يختلف في أهداف مكافحة الفقر على أية حال.(5)
ثانيًا: تضرب المنظمة من خلال أنشطتها في عمق العمل السياسي، وهو ما بدا واضحًا من خلال إقامتها ندوات وورش عمل حملت صراحة عنوان “إشراك القيادات المجتمعية في عملية اتخاذ القرار وتنفيذه”، وهو ما يُقصد به عمليات التأهيل السياسي لقيادات شبابية واجتماعية لانخراطهم في الحياة السياسية أو السلطة التنفيذية، ما يعني أنَّها تتبنى مشاريع سياسية خالصة في الشرق الأوسط لخدمة جماعة الإخوان.(6)
ثالثًا: كان دور “كير” في الغرب واضحًا لتأمين أنشطة الإخوان الاقتصادية، وهو ما بدا واضحًا من رفض المنظمة مشروع قانون قدّمه عمدة “لوس أنجلوس” لمواجهة التطرف والإرهاب، وذلك بسبب خوفها من أن يكون القانون الجديد سببًا في حظر نشاطات تلك المنظمة في أميركا وإيقاف تمويلاتها، وحصار جمعيات الإخوان التي تتخذ من المساعدات الإنسانية ستارًا لتمويل أفرع التنظيم بأوروبا وأميركا.(7)
رابعًا: الأهداف السياسية للمنظمة تبدو جلية من خلال التدقيق في هُوية أعضائها أو مؤسسي الجمعيات الخيرية في الغرب، إذ أسس أو شارك في تأسيس أغلب تلك الجمعيات والمنظمات مهاجرون أو لاجئون سياسيون من عناصر تنظيم الإخوان الذي رحلوا من ملاحقات أمنيَّة في بلادهم.(8)
خامسًا: وصل عدد من أعضاء منظمة “كير” إلى قلب العملية السياسية في الولايات المتحدة الأميركية، لا سيَّما عقب وصول الرئيس دونالد ترمب إلى السلطة والحديث عن عزلة الإخوان وجماعات الإسلام السياسي، حين اعتمد تكتيك الجماعة على دعم بعض عناصره من المهاجرين للوجود على الساحة، وخير دليل على ذلك وصول “إلهان عمر” إلى مجلس النواب الأميركي، والناشطة الفلسطينية – الأميركية “ليندا صرصور” التي أعلنت في السابق ما وصفته بـ”الجهاد” على ترمب وإدارته.(9)
سادسًا: الانتشار الأكثر لتلك المنظمة في المناطق التي تشهد نزاعات أمنيَّة وسياسية، مقارنة بالمناطق الأخرى الأكثر فقرًا، وإن كانت تشهد استقرارًا سياسيًا لإدارة حاكمة. ففي بعض الدول النامية ثمة قرى كاملة لا يصلها الكهرباء أو الماء تقبع خارج خريطة المنظمة، بيْدَ أنَّ مُدنًا أخرى تشهد صراعًا سياسيًا، الإخوان جزءٌ منه، تكون أكثر وجودًا عبر برامجها المتنوعة، سواء الاجتماعية، أو الثقافية، أو حتى الإنسانية.(10)
لماذا “كير”؟
لكنّ السؤال الأهم الآن: ما الدور الهام لمنظمة “كير” لدى تنظيم الإخوان؟ ولماذا هي – تحديدًا – التي تتصدر أعلى هرم منظمات تمويل الجماعة؟ وهي التساؤلات التي تبدو منطقية إذا ما جرى مقارنتها مع الانتشار الكبير لعناصر التنظيم بدول العالم وامتلاكهم شركات استثمارية ومشروعات محلية، بيْدَ أنَّ لـ”كير” أهدافًا أكثر أهمية بالنسبة للتنظيم الدولي يمكن إجمالها في التالي:
أولاً: يعتبر شعار المساعدات الإنسانية ستارًا هامًا لأنشطة الجماعة، خاصة عندما يرتبط الأمر بعمليات دعم في قرى ومدن انتشار الإخوان – كما بيَّنا آنفًا – وهو ما لا تستطيع الجماعة رسميًا القيام به كونها تنخرط في العمل السياسي بتلك المناطق، ما يجعل المساعدات من قبيل الرشوة السياسية، إذا خرجت عبر الجماعة.(11)
ثانيًا: افتقاد التنظيم لمصادر تمويله في العديد من الأقطار العربية والإفريقية غداة انحسار دوره، جعله في حاجة ماسة لصناديق الدعم الخارجية التي تظل أمواله محصّنة وفق الأدبيات الإنسانية التي يتم تصديرها.
ثالثًا: منظمة “كير” تتمتع بحصانة – إن جاز التعبير- من المجتمعات الغربية التي تعطي مساحة للحريات والحقوق، والتي لا تبحث في الغالب وراء الأهداف الخفيَّة أو الأنشطة السريّة لتلك الجمعيات، باستثناء أنَّ نشاطها يبدو إنسانيًا وعبر نشرات لحجم مساعدات تقدمها لمناطق فقيرة في الدول النامية، ما يوفر لها الحماية غربيًا.(12)
نتائج
1- منظمة “كير” خضعت لسيطرة التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، ساعدها في ذلك تركيزها على المناطق الأكثر فقرًا والتي تعتبر الأرض الخصبة لضمان عملية التحشيد الاجتماعي.
2- ثمة محددات اجتماعية لدى تنظيم الإخوان كان لـ”كير” دور رئيس فيها، فالمدقق في أنشطة المنظمة يستنتج البعد الاجتماعي الذي تخلل أداءها، خاصة أنَّها تُوجّه هذه الأنشطة إلى مناطق سيطرة الجماعة، سواء في الشرق الأوسط، أو الجمعيات الدعوية للجماعة في أوروبا وأميركا.
3- خرجت أنشطة المنظمة عن أهدافها المبنية على تقديم مساعدات غذائية أو طبية إلى اختراق الأنشطة السياسية والاجتماعية.
4- تخللت المنظمة من خلال أنشطتها إلى عمق العمل السياسي من خلال إقامتها ندوات وورش عمل بعضها حمل عنوان “إشراك القيادات المجتمعية في عملية اتخاذ القرار وتنفيذه”.
5- عملت “كير” على تأمين أنشطة الإخوان الاقتصادية في الغرب، وهو ما بدا واضحًا من رفض المنظمة مشروع قانون لمواجهة عمليات تمويل التطرف والإرهاب.
6- وصل عدد من أعضاء منظمة “كير” إلى قلب العملية السياسية في الولايات المتحدة الأميركية، لا سيَّما عقب وصول الرئيس دونالد ترمب إلى السلطة.
7- يعتبر شعار المساعدات الإنسانية ستارًا هامًا لأنشطة الجماعة، خاصة عندما يرتبط الأمر بعمليات دعم في قرى ومدن انتشار الإخوان.
8- كما أنَّ انحسار دور تنظيم الإخوان في بعض الأقطار العربية، جعله في حاجة ماسة لصناديق الدعم الخارجية وعلى رأسها “كير”.
وحدة الدراسات الاجتماعية
المراجع
1-منظمات الإخوان في أميركا، البوابة نيوز.
2-الشبكة الاجتماعية والاقتصادية للإخوان والسلفيين (الجزء الأول)، المصري اليوم.
3- الشبكة الاجتماعية والاقتصادية للإخوان والسلفيين (الجزء الثاني)، المصري اليوم
4- المصدر السابق.
5- أنشطة منظمة كير العالمية في اليمن، المؤتمر نت
6- منظمة كير العالمية تعقد ورشة عمل في مدينة تعز، اليمن السعيد
7- “كير” الإخوانية ترفض مشروعًا لمواجهة التطرف في لوس أنجلوس، أمان
8- “مافيا الدين”.. كاتب أميركي يكشف اختراق الإخوان لـ”كير”، العين
9- تفاصيل دعوات “الأخوات المسلمات” بأميركا للهجوم على ترمب، العربية نت
10- “كير” و”إسنا” سكين في خاصرة العرب، العين.
11- منظمات الخطر: “اتحاد القرضاوي” و”كير” و”المنظمات الإسلامية” و”الجمعية الأميركية”، الوطن.
12- المصدر السابق.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر