سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
سيلفان لوبيز
إن اللفظ الأكثر دقة لوصف الوضع الحالي لوباء “كوفيد – 19” هي “عدم اليقين” على جميع المستويات. وربَّما لا يوجد شخص أو مؤسسة يمكنه الادعاء بأنه كان على أتم الاستعداد لمواجهة هذه الأزمة. فمن مؤسسات صناعة الطوب وقذائف الهاون إلى شركات التكنولوجيا الفائقة، ضرب”كوفيد – 19″ الجميع بطريقة أو بأخرى.
ولا تعدُّ أميركا اللاتينية استثناءً. فإذا كان هناك أي شيء، فإن دول المنطقة قد تلقت ضربة”كوفيد – 19″ بقوة؛ لأن عدم المساواة أقوى وأكثر وضوحًا من أي وقت مضى. فقد شهدت حياة الناس اليومية تأثيرًا فوريًا، حيث لم يعودوا قادرين على الخروج وشراء احتياجاتهم من البقالة أو الذهاب إلى البنك أو لأي نشاط آخر. إن معظم بلدان أميركا اللاتينية ليست رقمية بالكامل بعدُ، ولا تملك البنية التحتية للتحول الرقمي الذي تشتد الحاجة إليه. ولا يمتلك عدد كبير من الأشخاص هواتف ذكية أو حتى اتصالاً بالإنترنت. وبالإضافة إلى ذلك، فإن هناك عددًا كبيرًا من السكان المعرضين للخطر لا يستطيعون القراءة أو الكتابة.
وقد اضطرت دول المنطقة إلى الرد بسرعة على أزمة “كوفيد – 19″، خلال الأشهر الأولى من الأزمة. وكان على الناس نقل عاداتهم اليومية وأعمالهم المنزلية إلى التطبيقات الإلكترونية ومنصات التكنولوجيا. وكان لا بدَّ من تحويل المهام إلى رقمية، وكان لا بدَّ من تعليم كبار السن وغيرهم من الفئات المعرضة للخطر استخدام الهواتف الذكية والتطبيقات، وتوقف التواصل الاجتماعي. لكن القطاع المالي ليس مؤتمتًا بالكامل للخدمات الأساسية، مما يخلق المزيد من المشكلات. إذ لا يزال يتعين القيام بالعديد من الأنشطة المصرفية شخصيًا، مثل توثيق المستندات الرسمية.
ريادة الأعمال والصناعات الضعيفة
تعدُّ ريادة الأعمال مهمة صعبة وغير مؤكدة، حتى في البلدان ذات الاقتصادات القوية. وبينما أثر جائحة “كوفيد – 19” على جميع الشركات والصناعات، ربَّما كانت النظم البيئية لريادة الأعمال في أميركا اللاتينية هي الأكثر تضررًا.
ورغم وجود العديد من الصناديق التي تركز على تشجيع المؤسسين اللاتينيين والنساء اللاتينيات والسود والمجتمعات الأخرى ذات الوصول المحدود إلى الموارد لتطوير وإطلاق ابتكاراتهم؛ مما قد يخفف العبء عن بعض الشركات الناشئة في أميركا اللاتينية والشركات غير التكنولوجية (ففي الفنادق الصغيرة، لا تحظى صالونات تصفيف الشعر والمطاعم) بدعم كبير من الحكومات أو الصناعة بمجرد اعتماد تدابير الإغلاق.
ويعدُّ هذا الوضع سيئًا جدًا بالنسبة لمعظم الشركات الناشئة في جميع أنحاء المنطقة. فعلى سبيل المثال، وفي وقت سابق من هذا العام، أنشأ رواد الأعمال الشباب أماكن “فخمة” في منطقة “مثلث البن” “Coffee Triangle” الكولومبي، وهي منطقة معروفة بنمو البن والسياحة المتنوعة بيولوجيًا. وعلى الرغم من أن مفهوم ريادة الأعمال أثبت شعبيته، مع العديد من التحفظات، كان على الشركة السعي للحصول على قروض بمجرد انتشار الوباء.
ورغم أن بعض البرامج الإقليمية تركز على الحفاظ على هذه الأنواع من ريادة الأعمال حية، يجب على الحكومات العمل مع القطاع المصرفي لوضع خطة يكون لها تأثير عميق على مثل هذه الشركات المحلية.
الحكومة والسكان الضعفاء
إلى جانب تأثيره على الأفراد والشركات، تسبب فيروس كورونا في تعطيل أعمال الحكومة الاعتيادية أيضًا. فبينما اضطرت الحكومات إلى التحرك بسرعة للتخفيف من مخاطر هذه الأزمة غير المسبوقة، كانت هناك العديد من الأخطاء التي يمكن التعلم منها.
وفي جميع أنحاء المنطقة، كان هناك نقص في استخدام تحليلات التكنولوجيا والبيانات للوصول إلى حلول مستدامة. وبدون تحليلات البيانات المناسبة، قد يتبين أن إبقاء الاقتصادات راكدة، وإغلاق الحدود ووقف الأعمال التجارية، أكثر خطرًا من الفيروس من خلال تعريض الضعفاء لمزيد من المخاطر. ومع ذلك، فإن الحلول القائمة على التكنولوجيا بعيدة كل البعد عن اعتبارها جزءًا من الحلول وجهود التخفيف.
إن العديد من بلدان أميركا اللاتينية لديها نسبة عالية من الوظائف غير الرسمية. على سبيل المثال، في بيرو، وصلت العمالة غير الرسمية إلى حوالي 73% عام 2019 وساهمت بنسبة 19% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وقد اضطرت الحكومات إلى اتخاذ خيار صعب ما بين الاقتصاد أو الصحة.
لقد أثرت إجراءات الحجر الصحي الصارمة على الأسواق غير الرسمية بشدة؛ مما ترك العديد من العائلات بدون أي وسيلة للبقاء. فالمسكنات مثل دعم الأدوية والغذاء لم تكن كافية.
ولم يكن لدى العديد من الحكومات المحلية الوقت أو الموارد للتخطيط للتأثيرات القاسية لـ”كوفيد – 19″. وفي حين سمح الحجر الصحي للحكومات بتعزيز قدرة الرعاية الصحية وسن سياسات واستراتيجيات لجعل الحياة مستدامة، كانت هذه الفترة صعبة بالنسبة لأولئك الذين ليس لديهم مدخرات نقدية، بما يضمن توفير الطعام والمنازل المريحة لهم.
وتعدُّ دول أميركا اللاتينية أيضًا في طليعة الابتكارات الطبية والتكنولوجيا الحيوية. ففي كولومبيا، على سبيل المثال، يدرس عدد كبير من الأطباء ومراكز التحقيق لقاحات وعقاقير لعلاج “كوفيد – 19” المحتملة. لكن لا يزال هناك تحدٍ يتمثل في تأمين موارد أكبر للاستثمار في البحث والتطوير، وتعزيز الرؤية العالمية لمثل هذا الابتكار. وبالتالي يجب على دول أميركا اللاتينية أن توحد صفوفها على هذه الجبهة من أجل تعزيز التعاون وتبادل المعارف والمهارات.
الآفاق المستقبلية
على الرغم من أن أميركا اللاتينية لا تزال تعاني من أزمة “كوفيد – 19″، فإنها ستجد وضعًا طبيعيًا جديدًا. ومع ذلك، فنظرًا لأوجه اللامساواة الشديدة في هذه البلدان، فمن غير الواقعي التنبؤ بما ستكون عليه الحياة اليومية، وما هي السياسات الحكومية التي ستركز عليها، أو كيف ستتكيف النظم الصحية.
والآن هو الوقت المناسب لإعادة تشكيل نظام التعليم الإقليمي لجعله في متناول الفئات الأكثر ضعفًا، ومنحهم فرصة في الحياة.
وتواجه أميركا اللاتينية وقتًا عصيبًا، مثلها مثل باقي أنحاء العالم، لكن عليها أيضًا أن تواجه مشكلاتها الداخلية.
وبالتالي، ينبغي أن تعترف بدور النشاط الاقتصادي غير الرسمي في حماية هذا القطاع، كما يجب أن تتعامل الحكومات مع قضايا الهجرة، ويجب أيضًا أن تعمل على معالجة عدم الاستقرار المؤسسي في بعض البلدان.
لقد حان الوقت لكي تعمل المنطقة معًا.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: مؤسسة المراقب للأبحاث
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر