دور الشركات العالمية في أزمة كورونا | مركز سمت للدراسات

كوفيد ـ 19 ودور الشركات العالمية الكبرى

التاريخ والوقت : الإثنين, 6 أبريل 2020

اشيش شببار

 

اجتاح فيروس كورونا العالم كله فعليًا كالعاصفة. فلم يحدث من قبل في التاريخ الحديث أن أصبح العالم مفصولاً ومعزولاً بالفعل كما هو الآن. فما إن انطلق قطار الوباء في الصين إلا وتحول كالفيضان، ومع ذلك فإن الأسوأ أنه لم ينتهِ بعد. فبفضل الشركات الضخمة والفضاء السيبراني، تمكن المجتمع العالمي من اتخاذ العديد من التدابير في الوقت المناسب وإنقاذ أرواح لا حصر لها. لقد جعل التواصل العالمي الفوري عبر مجموعة متنوعة من التنسيقات مثل المواد المكتوبة والمسموعة والمرئية والوثائق من السهل جدًا على شريحة مشتركة من المجتمع ما بين الأفراد العاديين والمجتمعات والدول والتجمعات والجماعات البحثية والعلمية، أن تتفاعل وتتعاون على نطاق غير مسبوق.

وفي 15 مارس 2020، عقد رئيس الوزراء الهندي مؤتمرًا بالفيديو مع قادة وممثلي جميع الدول الأعضاء في رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي (SAARC) لطرح الأفكار والوسائل المطلوبة لمعالجة الوباء. وقد كانت هذه الطريقة الجديدة لتبادل الأفكار بين القادة حول مكافحة التهديد المشترك محل تقدير كبير. كما أسفر ذلك لاحقًا عن قمة افتراضية استثنائية لقادة مجموعة العشرين في 26 مارس 2020.

إن دور الشركات العالمية الضخمة في أوقات هذه الأزمة ينبغي أن يكون هو السؤال الأساسي الذي يحتاج إلى مناقشة. فهذا هو الوقت المناسب لاستعادة دور الشركات العملاقة الجديدة التي لديها جيوب عميقة، وتعمل على مستوى العالم، ولديها إمكانية الوصول إلى بيانات غير مسبوقة من عامة الناس من جنسيات مختلفة، وتمتلك أفضل المهارات البشرية وأدوات العصر الجديد مثل الذكاء الاصطناعي (AI) وتحليلات البيانات الضخمة والبلوكتشين.

تذهب غالبية كليات إدارة الأعمال إلى أن الغرض الوحيد من كيان الأعمال هو النمو وتحقيق أكبر قدر من الأرباح للمساهمين. وبالتالي، يجب أن تركز جميع الأنشطة على المنتج والعميل وصافي الربح (العائد). ومن الأفضل ترك السياسة والحكم للطبقة السياسية والبيروقراطية. وبشكل عام، فإن نهج كيان الأعمال تجاه الحكومات لا يزال بمثابة رد فعل، أي أنها لا تتصرف إلا عندما تطلب منها السلطة المختصة.

إن الفضاء الإلكتروني كمجال فريد جدًا، لا يقتصر الأمر على امتداد العالم بأسره، ولكن كونه موردًا صناعيًا يمكن أن ينمو أو يتقلص بسرعة، كما أنه يتميز أيضًا بأن الكثير منه مملوك ومدار من قبل الشركات العالمية الكبرى. وفي الواقع، تمتلك الشركات العالمية الضخمة، مثل فيسبوك Facebook وجوجل Google معرفة أكبر عن مواطني أي بلد من حكومتها. لذلك، ففي عالم قائم على المعرفة، يمكن فيه للبيانات أن تقدم رؤى عميقة لديها القدرة على منع انتشار المرض وتمكين الحكومات والمنظمات غير الحكومية أيضًا؛ وعلى ذلك، هل ينبغي الشركات الكبرى أن تركز فقط على النمو والأرباح، أم تتخذ نهجًا استباقيًا في التعاون مع الدول في مكافحة التهديدات العالمية المشتركة؟

هنا يمكننا استعراض دور شركة فيسبوك خلال جائحة فيروس كورونا الراهنة، حتى يمكننا تقديم رؤية للقراء.

إن “فيسبوك” هي شركة الوسائط الاجتماعية الأكثر شعبية في العالم حيث يستخدم 2.9 مليار شخص واحدًا أو أكثر من منتجاتها (بما في ذلك واتس آب، WhatsApp، وإنستغرام Instagram، وماسنجر Messenger). ويوجد في الهند وحدها حوالي 260 مليون مستخدم نشط على فيسبوك، حيث إن لديها أكبر قاعدة مستخدمين في العالم، تليها الولايات المتحدة بقاعدة مستخدمين تبلغ 160 مليون مستخدم. وفي عام 2019، حقق موقع فيسبوك إيرادات بلغت 70.7 مليار دولار أميركي مع الأخذ في الاعتبار أن الإعلان يمثل أكبر مساهم في إيراداتها. وكان متوسط ​​الإيرادات لكل مستخدم في عام 2019 يصل لنحو 29.25.1 دولار، وبالتالي ساهمت الهند بإيرادات بقيمة 7.605 مليار دولار لفيسبوك في عام 2019.

لقد كان انتشار الأخبار المزيفة وإشاعة الشائعات، خاصة على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، يمثل مشكلةً كبيرةً في البلاد خلال الجائحة الوبائية الحالية. ففي 31 مارس 2020، وجهت المحكمة العليا في الهند حكومة الاتحاد لإنشاء بوابة للحد من انتشار الأخبار المزيفة في الدولة؛ وهو ما أثار التساؤل حول: كيف يمكن لفيسبوك المساعدة في مكافحة انتشار الأخبار المزيفة في البلاد؟

إن وجود مركز معلومات حول (كوفيد ــ 19) على الشاشة الرئيسية يساعد بالتأكيد المستخدم في الحصول على معلومات صحيحة  والابتعاد عن الأخبار المزيفة ومروجي الشائعات. لكن أحد التحديات الرئيسية التي واجهت الحكومة ووكالات إنفاذ القانون (LEA) تمثلت في التشفير الشامل للرسائل والمحادثات الصوتية والفيديو، وكذلك عدم إمكانية تعقب الرسائل. كما أن المشكلة الأسهل لحلها بين الاثنين تمثلت في ضمان تتبع الرسائل. ذلك أنه من الممكن الحفاظ على التشفير الشامل للرسائل بالإضافة إلى تتبع كل رسالة أو منشور أثناء تحميله على منصة فيسبوك وواتس آب وإنستغرام وماسنجر. ومن خلال إسناد ملكية كل رسالة أثناء إنشائها أو تعديلها أو نقلها، يمكن لفيسبوك تعزيز الشعور بالمسؤولية بين المستخدمين مما سيؤدي بالتأكيد إلى تقليل انتشار الرسائل المزيفة والخبيثة.

وهناك مشكلة أخرى تواجه الفضاء السيبراني وتتمثل في عدم الكشف عن هوية أصحاب الرسائل. إذ يمكن لكل مستخدم إنشاء حسابات متعددة باستخدام معلومات وهمية لا يمكن التحقق منها. ذلك أن امتلاك العديد من حسابات المستخدمين يفيد شركات وسائل التواصل الاجتماعي؛ لأن لها تأثيرًا مباشرًا على إيرادات الإعلانات. لذا، هناك بيان صادر عن الحكومة الأميركية يصف عمليات الفضاء الإلكتروني، بأنه يتألف من ثلاث طبقات، أي الشخصية المادية والمنطقية والشخصية السيبرانية. وتتكون الطبقة المادية من جميع عناصر الأجهزة مثل المفاتيح والكابلات وأجهزة الكمبيوتر والهواتف الجوالة وأجهزة التوجيه، وما إلى ذلك، بينما تتكون الطبقة المنطقية من البرامج أو أنظمة التشغيل والتطبيقات المختلفة المستخدمة لتخزين المعلومات وتعديلها وتحليلها ونقلها وتدميرها. أمَّا طبقة الإنترنت السيبراني فتتكون من حسابات مختلفة لمستخدمين توفر الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي أو منصات أخرى وعلاقاتها بعضها مع بعض. ويمكن القول بأن موقف فيسبوك في وضع فريد للحفاظ على علاقة مستخدمي الإنترنت بشخصيته السيبرانية وقادر على التنبؤ بعدد الحسابات المتعددة التي يديرها فرد بنفسه.

لذا، يجب مشاركة هذه المعلومات الحساسة بشكل استباقي مع الحكومات المعنية، خاصة الحالات التي يتم الإبلاغ عنها بواسطة فيسبوك.

كما أن موقع الفيسبوك قادر على التحقق من جمع الأشخاص بأعداد كبيرة في الوقت الفعلي. إذ يمكن لهذه المعلومات عند مشاركتها بشكل استباقي مع سلطات الشرطة أن تساعد في كبح انتشار المرض في ظل الظروف الحالية. وبالمثل، يمكن استخدام التعلم الالكتروني للتنبؤ بالنقاط الساخنة وتفشي العدوى في المستقبل حتى يمكن اعتماد استراتيجيات التخفيف في الوقت المناسب. وهناك طرق ووسائل لا حصر لها يمكن من خلالها للشركات الضخمة الحديثة مساعدة الحكومات والوكالات الأخرى في معالجة الأوبئة مثل (كوفيد ـ 19).

وهناك مسألة أخرى تحتاج إلى الإبلاغ عنها وهي استجابة الشركات الضخمة للحكومات ومؤسسات التعليم المحلية في بلدان أخرى غير بلدها الأصلي. وقد لوحظ أن الشركات العملاقة لديها بشكل عام استجابة رسمية ودفاعية إلى حد ما عند التعامل مع دول أخرى. ومن الواضح تمامًا أن هذه الشركات، بصفتها لاعبين رئيسيين، ولديها نفوذ كبير في مجال الفضاء الإلكتروني العالمي وتشرف على عدد كبير من البيانات الشخصية للمواطن، أنها تعتبر من أصحاب المصلحة المهمين في المشهد الجيوسياسي والجغرافيللدولة.

ومع ذلك، فإن غالبية الإجراءات الموضحة التي ذكرت آنفًا لا تأتي بسهولة ورخيصة. فهناك تكلفة من حيث القوى العاملة الماهرة والموارد التي تحتاج الشركات الضخمة إلى الاستثمار من أجل جني أرباح من البيانات الضخمة التي يتم إنشاؤها من قِبَل أصحاب الحسابات في الوقت الحقيقي.

إن الاستثمارات في مثل هذه الأنشطة التعاونية والاستباقية بين الشركات الكبرى والدول ستؤدي بالتأكيد إلى خفض الأرباح على المدى القصير. ومع ذلك، فإن النية الحسنة المولدة والأرواح المنقذة ستعوض أكثر من الانخفاض الضئيل في الأرباح.

هنا نشير إلى أن الخطوات التي اتخذتها شركة فيسبوك، سواء كانت إطلاق مركز معلومات حول (كوفيد – 19) أو استخدام الذكاء الاصطناعي في الإشراف على المحتوى، لدعم الجهود العالمية المستمرة لمكافحة الوباء، ليست كافية نظرًا لحجم الشركة وقدراتها. فهناك الكثير والكثير المتوقع من فيسبوك، خاصة في بلد مثل الهند، التي لديها أكبر قاعدة مشتركين.

ومن ثم، فإن وباء (كوفيد – 19) يقدم فرصة فريدة للشركات العملاقة العالمية الجديدة من أجل تطوير أدائها وعرض ابتكاراتها ومهاراتها. كما أن العالم يبدو أكثر استعدادًا للاعبين الجدد في مكافحة التهديدات العالمية المشتركة. لكن يبقى السؤال الأهم وهو: هل الشركات الضخمة جاهزة؟ لقد حان وقت العمل!

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: مؤسسة مانوهار باريكار لدراسات الدفاع 

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر