سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
راجارام باندا
شهدت قضية نزع السلاح النووي في كوريا الشمالية خلال العامين الماضيين، زيادة في حدة التوتر وسط تبادل التصريحات النارية بين الرئيس الأميركي “دونالد ترمب” وزعيم كوريا الشمالية “كيم جونغ أون”، ما أثار مخاوف من أفعال ذات عواقب وخيمة بما في ذلك تفجر الصراع، وقد اتضح أن أي جهد لجعل “بيونغ يانغ” تتخلى عن أسلحتها النووية أنه مجرد إرادة. وقد ظهر هذا بشكل واضح عندما احتفلت كوريا الشمالية بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين لتأسيس حزب العمال الكوري من خلال تنظيم عرضٍ عسكريٍ ضخمٍ فجر العاشر من أكتوبر (وكانت جميع العروض السابقة أقيمت خلال ساعات النهار)، إذ كشفت عن قوة حزب العمال الكوري، من خلال استعراض صاروخ باليستي عابر للقارات إلى جانب أسلحة أخرى، ووعد “كيم” ببناء “ردع عسكري” في البلاد. وكان بين الأسلحة الأخرى صاروخ باليستي يتم إطلاقه من غواصة، بالإضافة إلى نسخة من صاروخ باليستي روسي قصير المدى، وكان هذا أول عرض عسكري تنظمه كوريا الشمالية منذ عام 2018.
وتماشيًا مع سياستها في السيطرة على تسرب المعلومات، تمَّ منع الدبلوماسيين الأجانب والمنظمات الدولية في “بيونغ يانغ” من حضور الحدث، كما تمَّ تحذيرهم من الاقتراب من الحدث أو التقاط صور له. وقد سارع بعض المحللين إلى وصف الصاروخ بأنه “وحشي”.
هنا يثار التساؤل: ماذا يعني ذلك في السياق الإقليمي والعالمي؟ إذ إن الانطباع الأول الذي يحصل عليه المرء هو أن القمم التي تمَّ الترويج لها كثيرًا في سنغافورة في يونيو 2018، ومرة أخرى في مارس في هانوي بين “ترمب” و”كيم”، وكلاهما انتهى بكارثة، أثبتث أنها مجرد فرصة لالتقاط الصور التي دفعت “كيم” إلى الأضواء الدولية. ودون الرضوخ لأي من مطالب “ترمب”، ظل “كيم” يبرز كفائز من خلال إدراك طموحه في الجلوس على الطاولة مع زعيم القوة العظمى الوحيدة في العالم على قدم المساواة. لكن، هل يعني ذلك أن “ترمب” كان الخاسر؟ هنا يمكن أن تكون الإجابة “نعم” و”لا”، بحسب آراء وتفسيرات للمحللين. فقد أثبتت ذلك أيضًا أنه من غير المرجح أن تتخلى كوريا الشمالية عن حيازتها الثمينة لترسانات نووية هائلة، كما أنه من غير المرجح أن تساوم على وضعيتها الرادعة لأنها تعتبرها الضمان الوحيد لبقائها. فعندما يتم تشغيل الصاروخ الباليستي العابر للقارات الجديد، سيكون أكبر صاروخ متنقل يعمل بالوقود السائل في العالم. ويبقى أن نرى هل الصواريخ الباليستية العابرة للقارات التي تمَّ عرضها ستنجح بالفعل، ذلك أنه من خلال التجربة السابقة، عندما عرضت “بيونغ يانغ” نماذج أولية في المسيرات واختبرتها في النهاية، بدا واضحًا أن النموذج الذي تمَّ عرضه في 10 أكتوبر سيدخل مجال العمل بمجرد إقرار ذلك.
ويبدو أن الصاروخ الباليستي العابر للقارات الجديد هو أيضًا نسخة متقدمة من صاروخ “هواسونغ -15″، فهو أقوى صاروخ تمَّ اختباره في “بيونغ يانغ”. لكن لا يزال من غير الواضح إن كانت كوريا الشمالية مستعدة لاختبار الصاروخ في أي وقت قريب. وفي حين أن صاورخ “هواسونغ -15” الذي تمَّ اختباره في 29 نوفمبر 2017، لديه النطاق المناسب لإجراء ضربة قوية يمكن أن تصل إلى البر الرئيسي للولايات المتحدة.
كما يبدو أن الصاروخ الجديد أكثر تركيزًا على الحمولة، حيث يمكنه أن ينقل حمولة من 2000 إلى 3500 كيلوجرام إلى أي نقطة بأراضي الولايات المتحدة، وهو ما يقترب من إمكانيات “هواسونغ -15” التي تقتصر على 1000 كيلوجرام، والتي يقدر مداه بـ12874 كيلومترًا، كما أنه قادر على الوصول إلى أي مكان بالولايات المتحدة؛ ولهذا السبب يقول “ميليسا هانهام”، نائب مدير الشبكة النووية المفتوحة ومقرها فيينا، لمؤشر “نيكي آسيا” Nikkei Asia، إن الصاروخ الباليستي العابر للقارات “وحش”. وكانت “بيونغ يانغ” قد عرضت نماذج لتصاميم خاصة بالصواريخ من قبل.
ووفقًا لـ”نورث 38″ 38 North، وهي مؤسسة فكرية مقرها الولايات المتحدة، وتركز على كوريا الشمالية، فقد تمَّ تركيب الصاروخ الجديد على ناقلة قاذفة ذات 22 عجلة، مما يشير إلى أنه أطول من “هواسونغ -15” Hwasong-15، الذي كانت تحمله 18 عجلة. ويبدو أن الصاروخ يبلغ طوله 25-26 مترًا، ويصل قطره إلى ما بين 2.5-2.9 متر، أي أنه أطول بحوالي 4-4.5 متر، ويزيد قطره بحوالي 5 سنتيمترات من صاروخ “هواسونغ -15”. وإلى جانب الصاروخ الباليستي العابر للقارات الذي عرضته كوريا الشمالية، فقد تمَّ الكشف أيضًا عن صاروخ باليستي جديد يطلق من غواصة يسمى “بوكجوكسونج 4” Pukguksong-4، وقد بدا أكبر من سابقه “بوكجوكسونج 3” Pukguksong-3 الذي تمَّ اختباره في أكتوبر 2019.
لقد قام الزعيم الكوري الشمالي، الذي جلس في واجهة المنصة أثناء العرض، بإرسال رسالة شديدة اللهجة خلال خطابه الذي استمر 25 دقيقة للعالم وأعدائه المحتملين وتعهد بتعزيز “الردع العسكري” في البلاد من أجل “الردع والسيطرة والإدارة” للتهديدات التي تحملها القوات المعادية، بما في ذلك “التهديد النووي المشدد”. وقد وعد “كيم” بأن الردع العسكري لن يستخدم إلا للدفاع عن النفس، و”لن يتم إساءة استخدامه أو استخدامه كوسيلة لضربة وقائية”. وأشار إلى أنه “إذا قام أي شخص بتقويض أمننا القومي وحشد القوة العسكرية ضدنا، فسنرد باستخدام أقوى سلاح هجومي في حوزتنا وبطريقة استباقية”. وكان “كيم” حريصًا على عدم ذكر الولايات المتحدة في خطابه. ومع ذلك، فمن أجل إبقاء قادة العالم في حالة حيرة، أشار إلى استعداده لـ”التعاون” مع كوريا الجنوبية بعد انحسار الوباء الحالي.
ويتضح بذلك أنه حتى عندما انخرط “كيم” في النزاع الدبلوماسي بشأن السلاح النووي مع واشنطن في 2018-2019، ومارس بعض القيود من خلال عدم عرض الصواريخ الباليستية العابرة للقارات في العرض العام، واصل تطوير الصواريخ الباليستية العابرة للقارات ووسائل إيصالها. ويأمل “كيم” حاليًا في رفع المخاطر للمفاوضات المستقبلية بأحدث الأسلحة. وحتى عندما تمر الولايات المتحدة بعملية انتخاب الرئيس الجديد في نوفمبر 2020، وذلك بغض النظر عما إذا كان “ترمب” قد أعيد انتخابه أو أن هناك شخصًا جديدًا في البيت الأبيض، فإن “كيم” يريد فقط نقل الرسالة إلى الولايات المتحدة بأنه مستعد إمَّا أن يتفاوض أو يستمر في الممارسات الاستفزازية بناءً على الرد الذي يحصل عليه من واشنطن. ومن خلال عدم إجراء اختبارات فعلية والاقتصار على عرض القدرات العسكرية الجديدة فقط، فإن “بيونغ يانغ” لم تتجاوز الخطوط الحمراء الدولية، على الأقل في الوقت الحالي.
وكما هو متوقع، فقد أعربت الولايات المتحدة عن خيبة أملها من استمرار كوريا الشمالية في إعطاء الأولوية لبرامجها النووية والصاروخية المحظورة. وتبدو كوريا الجنوبية قلقة بنفس القدر، حيث دعت إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن القومي لمناقشة العرض العسكري لكوريا الشمالية. وخلال تمنياته لكوريا الجنوبية في رسالة تصالحية بالتعافي من جائحة “كوفيد -19” الذي يجب على الكوريتين “التعاون”، كان “كيم” يرسل رسالة مربكة بحيث تبقي نواياه قريبة من قلبه.
وبجانب “الأسلحة الاستراتيجية الجديدة”، تمتلك كوريا الشمالية ثلاثة أنواع من الصواريخ البالستية العابرة للقارات، هي: “هواسنونج ــ13″ Hwasong-13، و”هواسونغ ــ14″ Hwasong-14، و”هواسونغ ــ15” Hwasong-15، وقد سعت إلى تطوير صاروخ باليستي عابر للقارات متعدد الرؤوس يمكن أن يطير لمسافة أبعد ويصعب اعتراضه. ويبدو أن هذا الطموح قد تحقق بالفعل في الوقت الراهن. ويبدو أن “السلاح الاستراتيجي الجديد” قد تمَّ تصميمه لحمل عدة مركبات، مما يسمح له بمهاجمة المزيد من الأهداف وجعل الاعتراض أكثر صعوبة. وغالبًا ما يميل كوريا الشمالية إلى الاحتفال بالذكرى السنوية كل خمس أو عشر سنوات مع أحداث واسعة النطاق، مثل الاستفزازات العسكرية، بما في ذلك إطلاق الصواريخ واستعراض القوات، و “الأسلحة الاستراتيجية” المطورة حديثًا وغيرها من المعدات العسكرية.
ويبقى “كيم” لغزًا، فعلى الرغم من تبادل الكلمات القبيحة التي لم تكن شائعة في الماضي البعيد، ثم الموافقة على عقد اجتماع قمة دون أي نتيجة إيجابية، فقط لتسجيل نقاط على منافسه “ترمب”، فقد اختار “كيم” الوقت السابق على الانتخابات الرئاسية الأميركية ليكشف عن أحدث أسلحته “الوحشية”، لكنه أيضًا اختار أن يبعث برسالة إلى “ترمب” يعرض فيها “تعاطفه”، بعد يوم من تشخيص إصابة الرئيس الأميركي بفيروس كورونا. وقد بدا وكأنه يعلن للعالم أنه يحافظ على علاقات جيدة مع الرئيس الأميركي. ومن هذا المنظور، كان “كيم” حريصًا على عرض الحدث أمام الجمهور العالمي كنوع من المهرجان، وليس استعراضًا للقوة بالنظر إلى العلاقات مع الولايات المتحدة، بالإضافة إلى إرسال إشارات مربكة كما يتضح من خطابه. ولم تتمكن هذه البادرة من إثناء مسؤولٍ كبيرٍ في الإدارة الأميركية عن التعبير عن خيبة أمله، حيث ذكّر “كيم” بالتفاوض مع “ترمب” لتحقيق نزع السلاح النووي بالكامل.
إن حقيقة عزم “كيم” على الاستمرار في بناء قوة دفاعية وطنية وردع عسكري للدفاع عن النفس، مع تعهده بعدم استخدامها بشكل استباقي، لا معنى له لدى المراقبين والمحللين الدوليين الذين لن ينسوا بسهولة سلوك “كيم” السابق. وفي حالة أشبه بمن يذرف دموع التماسيح، قال “كيم” في خطابه لأعضاء حزب العمال والجيش: “إنني أشعر بالخجل لأنني لم أستطع أبدًا أن أكافئكم بشكل مناسب على ثقتكم الهائلة”.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: أوراسيا ريفيو
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر