كورونا والبيئة والمناخ.. آثار ثانوية محدودة | مركز سمت للدراسات

كورونا والبيئة والمناخ.. آثار ثانوية محدودة

التاريخ والوقت : الإثنين, 11 مايو 2020

أمل اسماعيل

 

ما زال العالم يقاوم انتشار جائحة “كورونا المستجد” (كوفيد-19)، ويعاني من تأثيراتها السلبية العنيفة على الاقتصاد والصحة وعلى مجالات شتي، ربما يصعب التعافي منها سريعًا. وبينما العالم مشغول بمكافحة الوباء، واصل علماء البيئة والمناخ رصد التطورات الحادثة في هذه المجالات، التي كانت أهم مصدر للأخبار الإيجابية في زمن الوباء، بما في ذلك قرب التعافي الكامل لطبقة الأوزون، وتقليل التأثير الضار لهذا الثقب على الأرض. ومع هذا فإنه سيكون خطأ كبيرًا لو أعطينا لكورونا الفضل في أيٍّ من هذا، فتأثيرات الإغلاق المرتبط بالوباء على البيئة هي في أفضل الأحوال ثانوية، وقصيرة الأمد، ولا تعفي الحكومات والشعوب من العمل بجدٍّ من أجل إنقاذ الكوكب.

تأثير (كوفيد-19) على بعض الظواهر البيئية

على الرغم من التأثيرات العنيفة لانتشار الوباء في كل دول العالم تقريبًا، وزيادة عدد الضحايا والوفيات جراء الإصابة بالفيروس؛ إلا أن الاستجابة للوباء أنتجت عن غير قصد بعض الآثار الأخرى واسعة النطاق، وإن كان أثرها على البيئة أقل وضوحًا.

1- باطن الأرض أكثر هدوءًا

في البداية، لاحظت عالمة الزلازل البريطانية Paula Koelemeijer أن تقليل الأنشطة البشرية وحركة القطارات والضوضاء قد أثرت على حركة باطن الأرض في لندن، فأصبح عدد الحركات المسببة للضوضاء الزلزالية أقل، كما انخفضت شدتها. ولاحظ علماء الزلازل في جميع أنحاء العالم نفس التأثير الذي اكتشفته Koelemeijer في لندن، ففي المرصد الملكي في بلجيكا، قام العالم Thomas Lecocq بمقارنة البيانات الزلزالية في مدينة بروكسل قبل يوم واحد من بدء عملية إغلاق البلاد، ببيانات اليوم التالي، فوجد انخفاضًا يتراوح بين 30-50% في كمية الضوضاء الزلزالية الحادثة حول الأرض، وهو ما توافق تمامًا مع الملاحظات التي رصدها علماء الزلازل في الولايات المتحدة وفرنسا ونيوزيلندا وأماكن أخرى.

هذه البيانات لا تعني أن عدد الزلازل الحادثة في باطن الأرض وشدتها سوف تتأثر بالإغلاق، ولكنها تعني أنه أصبح بإمكان العلماء دراسة ما يجري في باطن الأرض بوضوح ودقة أكبر. على سبيل المثال، أصبح بإمكان العلماء رصد زلزال بقوة 5.5 ريختر وقع في الجانب الآخر من العالم، الأمر الذي كان يُعد بالغ الصعوبة بدون إغلاق كورونا.

2- انخفاض تلوث الهواء

رصدت وكالة الفضاء الدولية “ناسا” انخفاضًا ملحوظًا في معدلات تلوث الهواء، خاصة بالملوثات الأخطر مثل غاز ثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد النيتروجين، وذلك فوق الصين ودول أوروبا. ورجح العلماء أن هذا الانخفاض الملحوظ هو نتيجة لإجراءات الحظر الصارمة التي اتخذتها هذه الدول للحد من انتشار جائحة كورونا. وخلال عدة أسابيع فقط من توقف الأنشطة الصناعية ومحطات الطاقة وحركة السيارات والقطارات والنقل الجوي، أظهرت بعض الدول تلوثًا أقل بنسبة 25%.

لكن على الرغم من هذه الملاحظات الإيجابية؛ إلا أن العلماء في ناسا والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، لا يعتقدون أن لهذا الأمر أهمية كبيرة على المدى الطويل، وأن تأثير هذه التغييرات يقتصر على المدى القصير. صحيح أن تحسن جودة الهواء لها آثار إيجابية على صحة القلب والرئة، وهو أمر جيد، إلا أنه أثر قصير الأمد؛ فمستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي لا تتأثر أساسًا بالانبعاثات السنوية، بل بالتراكم الحادث لثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي منذ ما قبل العصر الصناعي. لذا من غير المرجح أن يكون لخفض الانبعاثات في عام معين تأثير على المستويات العالمية لثاني أكسيد الكربون.

وهكذا، يرى كثير من علماء المناخ أن هذه الآثار الإيجابية والانخفاض البسيط في معدلات الغازات الدفيئة وتلوث الهواء جراء تداعيات أزمة فيروس كورونا المستجد ما هي إلا تأثيرات قصيرة المدى، ولن تدوم طويلًا إلا إذا استوعبنا الدرس بعد انتهاء الأزمة، أو دون عزم الحكومات على العمل معًا من أجل الحفاظ على البيئة والحد من التغيرات المناخية، وهو أمر غير مرجح، فهناك مخاوف من العودة لاستخدام الملوثات بإفراط بعد انتهاء أزمة كورونا، خاصة أن الحكومات تميل لإهمال الاعتبارات البيئية لصالح الاعتبارات الاقتصادية التي ستحتل الأولوية القصوى بعد انتهاء الأزمة.

3- قرب التعافي الكامل لطبقة الأوزون

طبقة الأوزون هي الطبقة الثانية من الغلاف الجوي، المعروفة باسم “الستراتوسفير”، والتي تتكون من 3 ذرات من غاز الأوكسجين مرتبطة مع بعض O3، ولهذه الطبقة أهمية كبيرة في حماية الأرض من الأشعة فوق البنفسجية، والتي تسبب أضرارًا بالغة بالكائنات الحية. وبدون مبالغة يمكن القول إن طبقة الأوزون هي سبب استمرار الحياة على سطح الأرض. لقد لاحظ العلماء اتجاه تركيز غاز الأوزون للانخفاض نتيجة الأنشطة الصناعية، وزيادة مركبات الكلوروفلوروكربون، والهيدرو كلورو فلورو كربون، والهيدرو برومو فلورو كربون، والتي ينتج عنها ذرات الكلور والفلور في الغلاف الجوي. وعندما يحدث الارتباط بين هذه الذرات وذرات الأوكسجين المكونة لطبقة الأوزون، تتفكك طبقة الأوزون، ويتكون ما يعرف بثقب الأوزون، بما يسمح بنفاذ كمية كبيرة من الأشعة فوق البنفسجية إلى الأرض. وفي عام 1987 تم عقد اتفاق مونتريال الذي التزمت بمقتضاه الحكومات بالتخلص تدريجيًّا من استخدام هذه المركبات في الصناعة، ومحاولة الحفاظ على طبقة الأوزون التي قدر العلماء أنها تحتاج من 40-70 سنة لتتعافى من جديد. تم تسجيل أعلى اتساع وصل إليه ثقب الأوزون في عام 2000، عندما بلغت مساحته 11.5 مليون كلم مربع، وبعد ذلك ظهرت بعض ملامح التحسن نتيجة انخفاض معدلات المواد الضارة بطبقة الأوزون في الغلاف الجوي بنسبة 4% بحلول عام 2019.

وفي عام 2020 رصد العلماء أن هذا الثقب قد تراجع إلى حد كبير جدًّا، تزامنًا مع إجراءات مكافحة كورونا. ويختلف العلماء حول ما إذا كان لإجراءات مكافحة كورونا صلة بهذا التطور، حيث يذهب أغلبهم إلى أن التزامن بين الأمرين هو مجرد مصادفة، وأن تطورات طبقة الأوزون تخضع لقوى ذات تأثير أكبر طويل الأمد. ومع هذا يظل هذا التطور خبرًا جيدًا في عالم تراجعت فيه الأخبار الجيدة.

ختامًا، يمكن القول إنه من الجيد ملاحظة التأثيرات الإيجابية لإجراءات أزمة فيروس كورونا على البيئة والمناخ؛ إلا أنه لا بد من الأخذ في الاعتبار أن هناك علماء يؤكدون أننا يجب أن نفهم الدرس جيدًا من وراء تلك التأثيرات الإيجابية، وأن هناك ضرورة لبذل جهود أكثر للحد من الانبعاثات والملوثات الصناعية، وإيجاد طريقة للالتزام بمعاهدات تغير المناخ، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة (ثاني أكبر مصدر للانبعاثات) من اتفاقية باريس لتغير المناخ، بما يشير إلى أن العالم ليس مُدركًا بعد مدى خطورةَ تلك التهديدات على استمرار الحياة على الأرض.

 

 

المصدر: المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر