كورونا وأزمة البحث العلمي | مركز سمت للدراسات

كورونا وأزمة البحث العلمي في العالم

التاريخ والوقت : الإثنين, 27 أبريل 2020

يعد البحث العلمي ركيزة التحديث والتطور في الدول والمجتمعات، فالدول المتقدمة تبلغ من خلاله صدارة اقتصادية وعسكرية وعلمية، وهو المخرج للدول النامية للحاق بالدول المتقدمة، ومع ظهور كورونا توجهت الأنظار بشغف إلى علاج ينقذ البشرية، ومن هنا إزداد عظم البحث العلمي والعلماء لدورهم في معاملهم ومختبراتهم وهنا بيت القصيد.

يمكننا التعرف على ملامح الأزمة من خلال محورين:

الأول: حالة البحث العلمي عالميًا، والسباق العلمي المحموم بين الدول المتقدمة؛ والذي وضح من الأزمة أنه يفوق سباق التسلح المعروف، وهي حالة تتسم بالغموض والسرية في مجالاتها وتمويلها على غرار مؤسسة البحوث العسكرية الأمريكية (DARPA) التابعة للبنتاجون مباشرة، والتي تبلغ ميزانيتها السنوية 3 مليار$، وبرغم أن هذا السباق محمود لصالح الإنسانية،إلا أن أهداف مشروعاتها، وغياب رقابة دولية على تدابير الأمن والسلامة على المنشآت البحثية، ساهم في خروج بعض تجارب هذه المشروعات عن السيطرة، من خلال العبث ببعض نماذج الهندسة الوراثية، “والمحتمل أن تكشف عنها تحقيقات متوقعة في مرحلة ما بعد الأزمة”.

المحور الثاني: خلل إصاب معادلة البحث العلمي عالميًا، والتي تعتمد على مجموعة من العوامل أولها القدرة البشرية ممثلة في العلماء والباحثين ومساعديهم، وثانيها البنية الأساسية لمراكز البحث من معامل وتجهيزات وأدوات ومعدات وتطبيقات حاسوبية متطورة، تتناسب مع التطور التكنولوجي والمعلوماتي الواقع في كل المجالات المرتبطة، ثم يأتي عصب البحث العلمى، وهو عامل التمويل وإنفاق البحث العلمي، المغذي الرئيسي لباقي العوامل، وأخيرًا وجود إستراتيجية وطنية للبحث العلمي، وفي هذا السياق تقسيم دول العالم إلى أربعة مستويات:

المستوى الأول؛ هي الدول العظمى (G8)؛ حيث تتوافر لها ومراكزها كل سبل النجاح والإنجازات التنافسية، المستوى الثاني؛ هي دول تختلف فيها قيم عناصر المعادلة البحثية في بعض الدول الأوروبية والآسيوية، ودول الاقتصاد الصاعد مثل الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، المستوى الثالث؛ وهي بلدان العالم الثالث وهي ما سنحاول توصيف حالتها – المستوى الرابع؛ وهي الدول الفقيرة في العوامل السابقة، وهي تابعة لدول مركزية في إفريقيا وشرق آسيا، أمريكا اللاتينية.

وملامح الأزمة أكثر وضوحًا في خلل معادلة البحث العلمي في بلدان العالم الثالث، ومنها عالمنا العربي حيث تجد تباينًا ملحوظًا بين كافة العوامل وعظم بعضها على حساب الآخر، فعلى مستوى القدرات البشرية هناك تقدم وتميز، تأتي ترجمته من ارتفاع نسب أبحاثهم العلمية المنشورة في دوريات عالمية محكمة، وأغلبهم مشاركون في مشروعات بحثية دولية، وحصولهم على جوائز دولية، أو شغلهم لمناصب علمية مرموقة، في دول المستوى الأول والثاني، ومن أبرز الدول العربية في هذه القدرات، مصر والسعودية والأردن، والجزائر، المغرب، وفى تقرير إحصائي لليونسكو عام 2010، أكد أن مصر وحدها قدمت 60% من العلماء العرب إلى الولايات المتحدة، ووفق مؤشر نيتشر لعام 2019 للمؤسسات العملية في العالم تصدرت بعض الجامعات المصرية والسعودية الجامعات العربية، وما يقيد طموحات علماء العالم الثالث، البروقراطية الجامدة أمام لوائح كهنوتية، وهذه القيود الإدارية تحد من الحرية الأكاديمية التي تتناسب طرديًا مع تقدم البحث العلمي، أضف إلى ذلك المعضلة الحقيقية وهي انخفاض معدلات الإنفاق على البحث العلمي من موازنات وتأثيرها المباشر على البنية الأساسية ومكوناتها في مراكز البحث ومعاملها.

وفي نفس السياق، فإنه من الضروري مراجعة شاملة لمنظومة البحث العلمي على المستوى الوطني والعربي لإحداث طفرة، ولتحقيق ذلك يكون من خلال مسارات متوزاية؛ الأول تعديل البنية التنظيمية لمؤسسات البحث العلمي من قمة الهرم إلى قاعدتة البحثية العريضة، في مراكز الأبحاث في الجامعات والمعاهد العلمية على مستوى الأجهزة البحثية في كل وزارة ارتباطًا بجهة البحث العلمي الرئيسية على مستوى الدولة.

المسار الثاني؛ تحديث البنية التشريعية والقانونية والتي تكون أساسًا لحوكمة العمل الإداري، تتغلب على كافة العوائق؛ بشرط أن تخضع لرقابة إدارية وتقنية صارمة تلزمها بالإدارة الرشيدة؛ للدفع بمسيرة البحث العلمي للأمام، مع وضع ضوابط جديدة للتعاون الدولي وبناء التحالفات العلمية خاصة مع الانفتاح الكامل للعالم.

المسار الثالث؛ تنمية الموارد البشرية بشقيها العلمي الأكاديمى، والتقني الفني، وهذا المسار كما أشرت، تتوافر له عوامل النجاح بشهادات دولية، لكنه يحتاج إلى انفتاح أكبر وجرأة جسورة لإثبات الذات في اقتحام مشروعات بحثية تنبؤية، برغم تكلفتها العالية، إلا أن العائد منها وبراءات الاختراع المصاحبة لها، تحقق أرباحًا طائلة، ويبدو هذا جليًا في قطاع شركات الدواء والتى تجري مشروعاتها البحثية في شراكات مع جامعات مرموقة، تصل أحيانًا إلى تحالفات علمية بين أكثر من جامعة دولية، وهذا المجال بوابة جديدة للإستثمارات العربية، ربما تفوق الاستثمارات العقارية والاستهلاكية، ما يدعو لمراجعات كثيرة لمجالات الاستثمار العريى الخارجية في ضوء المتغيرات المستحدثة، والتي تصاحب إستراتيجيات بعض البلدان لبلوغ 2030 في مناخ آمن.

وأتصور أن كل دولة ستراجع إستراتجياتها في ضوء الدروس المستفادة، خاصة للعديد من القطاعات التي باتت تحتاج إلى إصلاح وتطوير لتتلاءم مع متطلبات مستقبلية، بما يؤهلها كي تكون قاطرة التنمية الحقيقية لباقى القطاعات، وذلك من خلال صياغة إستراتيجية وطنية تعبر عن متطلبات تقدم حلولًا ومعالجات لمشكلات تعوق عمليات التنمية، تعمل على محورين الأول شراكات ثنائية أو متعددة مع دول النسق الأول أو الثاني، الأكثر تقدمًا في مجالات البحث العلمي، وهي لا تمانع بدليل وجود باحثين من جنسيات مختلفة في العديد من مشروعاتها، المحور الثاني وهي شراكات بحثية مع شركات عالمية كبرى متعددة الجنسيات، والأمثلة كثيرة في مجال نظم المعلومات، وشبكات المعلومات الدولية، وشركات الأدوية وهناك شراكات عديدة في غالبية هذه الشراكات بين الصين وكوريا الشمالية، ومن الهند وروسيا، وبين جنوب إفريقيا وبريطانيا، وإسرائيل وأمريكا.

وتعتمد معالجة أزمة عمليات البحث العلمي في مرحلة ما بعد كورونا على عاملين الأول دولي بوضع آلية عالمية للسيطرة على مشروعات البحث العلمي على غرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية – تضع ضوابط للأمن والرقابة والتفتيش على المنشآت البحثية.

وعلى المستوى الوطني رصد ميزانيات مناسبة لطبيعة المرحلة لمواكبة التقدم العلمي العالمي مع وضع آلية دقيقة للإنفاق، تتناسب مع حجم وأهمية المشروعات البحثية، ومحاولة سد الفجوة بين البحث العلمي وتطبيقه، وهنا يبرز أهمية دور القطاع الخاص وأن يكون له نصيب في إستراتيجية البحث العلمي المأمولة.

المصدر: بوابة الأهرام

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر