سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
شاشي ثارور
في الليلة التي جاءت فيها أنباء فوز “بايدن – هاريس” في الانتخابات الرئاسية الأميركية، تحدثت نائبة الرئيس المنتخب، “كامالا هاريس” أمام حشد من المؤيدين المبتهجين والمشجعين والهاتفين إلى حد البكاء بعبارات جديرة قالت فيها إنها “إنها لحظة تاريخية عظيمة”.
وعلى المنصة أمام عدد من السيارات المتوقفة التي قادها الجمهور للحفاظ على قواعد التباعد الاجتماعي، أعلنت “هاريس”، التي كانت ترتدي بدلة بيضاء بشكل رمزي تستحضر حركة المرأة في التصويت (والتي أصبحت علامتها المميزة لها)، وبشكل عاطفي كانت “تفكر في “والدتها” وفي أجيال من النساء، والنساء السود، والآسيويات، والبيض، والنساء الأميركيات الأصليين، الذين مهدوا الطريق لهذه اللحظة طوال تاريخ هذه الأمة.
لقد كانت هذه اللحظة مليئة بالمعاني، بالنسبة لمئات من المؤيدين السعداء الملوحين بالأعلام في تلك الليلة، فقد كانت تشير إلى اختراق لم يكن الكثيرون يعتقدون أنه ممكن. إنها أول نائبة رئيس منتخبة في أميركا تمثل تلك الأقليات المتعددة. فهي أول شخص يتم انتخابه لشغل منصب على مستوى البلاد، من ذوي الأصول السوداء التي ترجع إلى الجنوب الآسيوي ومنطقة البحر الكاريبي. وبالنسبة للآلاف من الفتيات السوداوات اللواتي صنعن قمصانًا مكتوب عليها “نائب رئيسي تشبهني” ( (My VP Looks Like Me وبانتشارها على نطاق واسع خلال الفترة المقبلة، فإن “كامالا هاريس” تسهم في توسيع آفاقهن.
وأمام هذه الحشد الاحتفالي الذي تجمع فيه المشاركون الذين تدفقوا في تلك الليلة، قالت “هاريس” إن وصول امرأة لهذا المنصب هو المرة الأولى ولن تكون الأخيرة، حيث أشادت نائبة الرئيس الأميركية الجديدة المُنتخبة بوالدتها الراحلة “شيامالا جوبالان”، التي “أتت إلى الولايات المتحدة في عام 1959 من الهند في سن 19 “وآمنت بعمق بأميركا”. وقالت “هاريس” إن والدتها لم تكن تتخيل – آنذاك – أن هذه اللحظة ممكنة.
وهو ما أثار التساؤل لدى الحشد من المعجبين بها: لمَ لا؟ ربَّما لم يكن من السهل تخيل مثل هذه اللحظة في الولايات المتحدة، حيث لم تكن هناك سوى مرشحة رئاسية واحدة من حزب سياسي رئيسي واثنتين من نائبي الرئيس، وكلها محاولات فاشلة. لكن في جنوب آسيا، تحطم السقف الزجاجي منذ فترة طويلة. فبعد عام واحد فقط من وصول المراهقة “شيامالا جوبالان” إلى الولايات المتحدة، أصبحت “سيريمافو باندارانايكي” رئيسة وزراء سريلانكا في عام 1960 بعد الاغتيال المأسوي لزوجها، ثم أصبحت رئيس الوزراء خلفًا له.
وهكذا بدأت قائمة طويلة من رئيسات الحكومات الآسيويات. ففي الهند، أصبحت “أنديرا غاندي” أول رئيسة وزراء للبلاد عندما أدت اليمين الدستورية في يناير 1966 (ثم قادت الحكومة مرة أخرى من عام 1980 حتى اغتيالها المأسوي في عام 1984). وكررت “باندارانايكي” عملها كرئيسة لوزراء سريلانكا بين عامي 1970 و1977، ثم مرة أخرى من 1994 إلى 2000، وتزامن ذلك مع تولي ابنتها “تشاندريكا كوماراتونجا” رئاسة البلاد.
وعبر الحدود، شغلت “بنظير بوتو” منصب أول رئيسة وزراء لباكستان (والأولى من دولة إسلامية)، حيث انتُخبت لأول مرة في عام 1988، ثم أعيد انتخابها مرة أخرى في عام 1993. وفي بنغلاديش، شغلت “خالدة ضياء” منصب أول رئيسة وزراء منذ عام 1991، كما ستتناوب قريبًا في منصب “الشيخة حسينة واجد” (التي تمَّ انتخابها أول مرة في عام 1996، وأعيد انتخابها في عام 2008، وما زالت تتولى هذا المنصب حتى الآن).
لذلك، بينما لا يمكن لأحد أن ينكر التميز الفريد الذي اكتسبته “كامالا هاريس” كونها أول امرأة نائبة لرئيس أقدم دولة ديمقراطية في العالم، وأكثر من ذلك، لمصلحة الهنود، فإن أول امرأة تنحدر من جزء من جنوب آسيا، قد أسهم في مفهوم انتخاب النساء بأرفع المناصب رغم أنه ليس بالجديد بالنسبة لمنطقة جنوب آسيا التي انطلقت منها والدتها.
وفي الواقع، يمكن للمرء أن يجادل في حقيقة أن الولايات المتحدة كانت بطيئة بشكل ملحوظ في انتخاب النساء لأعلى المناصب مقارنة بالديمقراطيات الأخرى، حتى تلك غير الليبرالية. فقد مر نصف قرن، منذ أن أصبحت “جولدا مائير” رابع رئيس وزراء لإسرائيل في عام 1969 (واستمرت فيه حتى عام 1974). وفي جميع أنحاء العالم، قامت العديد من النساء بتقليدها. وحكمت “مارغريت تاتشر” المملكة المتحدة بيد من حديد كرئيسة للوزراء من 1979 إلى 1992. وخدمت “فيجديس فينبوغادوتير” كأول رئيسة منتخبة ديمقراطيًا لأيسلندا من 1980 إلى 1996. كما يمكن الإشارة إلى المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” التي تشغل أعلى منصب في البلاد.
وتطول القائمة. ذلك أنه من بين الرؤساء الجدد، هناك “ديلما روسيف” من البرازيل، و”بارك كون” وهي من كوريا الجنوبية، و”سيمونيتا سوماروغا” من سويسرا، و”أمينة غوريب – فكيم” من موريشيوس، و”كوليندا غرابار كيتاروفيتش” من كرواتيا (التي كانت أيضًا أصغر من شغل منصب رئيس الدولة على الإطلاق). وتكثر القصص المماثلة في أماكن أخرى (مثل كورازون أكينو في الفلبين، وميجاواتي سوكارنوبوتري في إندونيسيا، وينجلوك شيناواترا في تايلاند، وروزا أوتونباييفا في قيرغيزستان، على سبيل المثال لا الحصر)، كما تشغل بعض النساء مناصب رئيس الدولة أو الحكومات حاليًا في بنغلاديش وإستونيا وإثيوبيا واليونان وميانمار.
وفي الواقع، فإن “كامالا هاريس” هي أول امرأة تنتخب لمنصب نائب رئيس الولايات المتحدة الأميركية، لكنها ليست حتى أول امرأة أميركية تنتخب رئيسة لبلد ما. ويمكن الإشارة إلى “جانيت روزنبرغ جاغان”، و”تشيدي جاغان” التي تمَّ انتخابها رئيسة لغويانا بعد وفات زوجها في عام 1997 وتولت “تشيدي” المنصب لمدة عامين.
تشير قصة “جانيت جاغان” إلى أن بعض القيادات السياسية النسائية، وليس كلهن، استفدن من العلاقات مع الرجال الأقوياء أو من الانتساب إليهم. كثيرًا ما توصف سياسات الأسرة الحاكمة بأنها عامل تمكين رئيسي لنهوضها. ويمكن القول إن السجل المثير للإعجاب للقيادة النسائية في الفضاء السياسي الآسيوي ليس بالضرورة انعكاسًا لنخبة أكثر تطورًا أو مشاركة سياسية نسائية أكبر، بل هو استمرار للشبكات القائمة على الأسرة.
ومع ذلك، فإن الإشكالية لا تزال قائمة، فعلى الرغم من زواجها من “بيل كلينتون”، فإن ذلك ذلك لم يجعل “هيلاري كلينتون” أكثر قبولاً لدى غالبية الناخبين الأميركيين الذين دفعوا زوجها إلى البيت الأبيض مرتين. حيث لا يزال كراهية النساء تعيقها في الولايات المتحدة.
وفي حين أن العديد من النساء شغوفات للتعرف على د”وجلاس إمهوف” زوج نائب الرئيس “آلان هاريس” باعبتاره رجلاً نبيلاً، إلا أنه ما بين “دينيس تاتشر” إلى “آصف علي زرداري”، فإن الرجال في جميع أنحاء العالم لعبوا مثل هذا الدور وتكيفوا بسهولة مع التحديات التي تواجههم في القيام به.
لذا، فإن “كمالا هاريس” تمثل إنجازًا أميركيًا فريدًا. لكنها أيضًا تمثل تذكيرًا بأن الولايات المتحدة، وهي دولة معروفة بريادتها في التقدم في العديد من مجالات المساعي البشرية، كانت بحاجة حتى عام 2020 لخرق الحاجز الأخير المتبقي، وهو حاجز النوع Gender.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: مؤسسة المراقب للأبحاث
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر