سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
عبدالله الجنيد
يعتبر سلاح البحرية الأميركي، العمود الفقري في عقيدة الولايات المتحدة العسكرية الجديدة في احتواء الصين باعتماد مبدأي (رفض قابلية النفاذ/ تحريم المنطقة (Anti-Access/Area Denial، أي رفض “الإذعان” لمنظومات تحريم المنطقة، أو القبول بفرضية تحريم النفاذ لمناطق تراها الصين جزءًا من سيادتها الوطنية، لكونه قابلاً للتطبيق من دول حليفة للصين في مناطق نفوذ أميركية، مثل الخليج العربي، وخليج عدن، وشمال الأطلنطي. لذلك تقوم الدبلوماسية الأميركية على ذلك المبدأ في عهد الرئيس ترمب، انطلاقًا من الجرف الباسيفيكي، وذلك ما تناوله الأدميرال جون ريشاردسون، عضو هيئة رئاسة الأركان ورئيس العمليات لعموم القوات البحرية الأميركية في ندوة برعاية “مركز التقدم الأميركي “Center for American Progress في 12 سبتمبر 2016 تحت عنوان (الاستراتيجية الأميركية في آسيا الباسيفيكية ومنطقة القطب الشمالي U.S. strategies in the Asia-Pacific and Arctic regions ).
والجدير بالاهتمام هنا، هو تقدير النمو النوعي في القدرات العسكرية الصينية، أو الثنائية من خلال تكاملها مع حليفها الروسي في أكثر من منطقة نفوذ خالصة، أو مشتركة بين كتل التضاد الرئيسية. لذلك نجد أن التعاطي مع التهديد الصيني لأمن واستقرار منطقة آسيا الباسيفيكية، يستوجب التعاطي معه بأكثر من شكل، وليس عسكريًا خالصًا. فبحسب توصيف الأدميرال ريشاردسون “أنها علاقة معقدة complicated Relation” بما فيها إدارة علاقة الطرفين بما يتجاوز منظور قوة لقوة؛ إذ يجب الأخذ في الحسبان عناصر إبراز القوة (Power Projection) والقدرات اللوجستية في نقل عناصر القوة المركبة إلى مسارح النزاع المُحتملة لكل منهما. فالولايات المتحدة، تملك القدرات اللازمة لإيصال تلك المكونات لأيِّ مسرح عمليات حقيقي، أو مفترض، واحتواء أي طارئ. في حين يعتمد التكافل (Symbiosis)الروسي الصيني على الوجود الدائم على أراض مستحدثة، أو لحلفاء، وذلك ما يتحقق الآن في منطقة الجرف الباسيفيكي، شمال وجنوب الأطلنطي والقطب الشمالي(Arctic regions) .
من هنا تتزايد حدة الصراع على النفوذ المستتر والعلني في إفريقيا من الأطراف باتجاه الوسط، فالأطراف تطل على أربعة مسطحات مائية فائقة الأهمية جيواستراتيجيًا، إضافة إلى ثلاث خوانق طبيعية بالغة الأهمية لحركة التجارة الدولية هي: باب المندب، والسويس، وجبل طارق، إضافة إلى تحكم جنوب إفريقيا في مسارات سفن النقل العملاقة من وإلى العالم الجديد. لذلك، فإن أمن جنوب الأطلنطيSouth Atlantic) )، ودور غرب إفريقيا، يمثل جزءًا حيويًا من الاستراتيجية الأميركية بعد التطور النوعي في العلاقة الخاصة بين جنوب إفريقيا والصين، الذي بات يهدد العلاقة التاريخية لحلف الانزوس معها، إضافة إلى مآلات ذلك على المفهوم العام لأمن إفريقيا. فالتحول في الرؤية الأميركية، استوجب الوجود المباشر في عموم ساحل إفريقيا الغربي، لضمان عدم تهديد سلامة الملاحة في غرب إفريقيا وجنوب الأطلنطي، وثانيًا لرفد حلفي الأطلسي والانزوس بقواعد تدعم القيادة الأميركية الإفريقية (USAFRICOM) في دي جيبوتي. ذلك التحول هو لضمان عدم تكرار النموذج الصومالي، مستثمرة نجاحها السياسي في ليبريا. إلا أن إمكانية نجاح فرضية الاحتواء القائمة على )تحريم المكان/ قابلية النفاذ(، صعبة الإدراك خارج بحر الصين الجنوبي والبحر الأحمر، لما يمثلانه من ممرات بحرية رئيسية. لذلك، فإن حجم التزاحم على النفوذ والوجود في المحيط الهندي (جزر السيشل والمالديف) بين الصين والولايات المتحدة بشكل مباشر أو عبر حلفاء، هو لإدراك الطرفين استحالة الاضطلاع بذلك منفردين، وكذلك تفعيلاً لدور الحلفاء في مناطق نفوذهم التقليدية، مثل الهند في المحيط الهندي وبحر العرب. ويعتبر التمرين البحري (ملبار) بين الولايات المتحدة، والهند، وأستراليا، واليابان، الترجمة العملية لاحتواء التمدد الصيني غربًا. أما استراتيجيتها في المتوسط، فإنها تعتمد على حلفائها الاستراتيجيين (الأطلسي وإسرائيل)، إضافة إلى تنمية القدرات المصرية والجزائرية.
إفريقيا بين شمالها وجنوبها، تمثل التحدي الأخير في صراع الإرادات بين الكبار، إن لم تكن أخمص أخيل لأحدهما. فبخلاف جنوب إفريقيا وموزمبيق، فإن بقية إفريقيا السمراء غير مؤهلة لتكون شريكًا فاعلاً لأي من الكبار في تأمين الأطلنطي، أو الضفة الشرقية المطلة على المحيط الهندي. لذلك، نجد اليوم تسريعًا أكبر من دول أوروبية لبرامج تسليحها النوعي المتجاوز للتحديث التقليدي لقواتها، وخصوصًا قدرة الردع النووي (المحمولة بحرًا) لكل من إنجلترا وفرنسا للعمل في المياه الزرقاء (المحيطات المفتوحة). ثم إن عناصر تلك القوة، ستكون أساسًا لاحتواء أي تهديد روسي أو روسي صيني، استنادًا إلى التكافل الاستراتيجي (Strategic Symbioses) في بحر الشمال والأطلنطي، إضافة إلى المتوسط. فهذه هي المناطق المستقبلية المُحتملة للتمدد الصيني الروسي؛ لأن المتوسط قابل لتطبيق استراتيجية (تحريم المكان/ عدم قابلية النفاذ) من قبل الحلف الأطلسي وحلفائه.
الولايات المتحدة ستلج العقد الثالث من الألفية الجديدة بتحديات غير مسبوقة من الخصوم، وخسارة ثقة الكثير من الحلفاء. فأوروبا اليوم تنظر إلى أمنها جيواستراتيجيًا بازدواجية، أي من خلال عضوية أغلب دولها في الحلف الأطلسي، وبين تشكيل قوتها الذاتية “القوة الأوروبية المستقلة”. والأوروبيون على قناعة تامة، بأن الولايات المتحدة لا تتعاطى معهم كحلفاء استراتيجيين في رؤيتها لأمن أوروبا، أو للاستقرار في حوض المتوسط بعد تجربتي غزو العراق، ومآلات ذلك شرق أوسطيًا إلى حربها على الإرهاب. لذلك ستعتمد رؤيتهم على إبعاد شبح الشرق الأوسط عن دول البلطيق، لأجل أن لا يتحول البلطيق إلى حالة مشابهة لبحر الصين الجنوبي. إلا أن التزاماتها تجاه الأمن والاستقرار الدولي، ستبقى قائمة. وقد عبرت عن ذلك بالتدخل الفرنسي في 2013 لمقاتلة تنظيم القاعدة في إقليم أزواد في مالي، لإيصال رسائل رفضهم معاملتهم كضيوف في إفريقيا كما حدث في ليبيا وسوريا.
على الجانب الآخر، فإن التطور في العلاقة التكافلية الاستراتيجية بين الصين وروسيا وانتقالهما إلى الأطلنطي، سوف يفرض واقعه الخاص. أمَّا فيما ذهب إليه الأدميرال جون ريشاردسون، من أن الصين لا تملك قدرة النقل البحري (Sea Left) لدعم عملياتها في أعالي البحار، فإن الصين تمتلك الآن أكبر الأساطيل التجارية التي يمكن تحويلها لدعم ذلك الجهد وقتما تشاء. وأنه من الخطأ البناء على فرضية محدودية القدرات الصينية في دعم أي جهد عسكري مستقبلي خارج نطاق الجرف الباسيفيكي، إضافة إلى وجودها عبر تسهيلات دائمة في المالديف، وسيشل، وجوادر (باكستان)، ودي جيبوتي، مما يقلص من مسافات خطوط الإمداد المباشر لقواتها في أي مسرح عمليات محتمل، أو خنق الممرات التجارية والعسكرية جنوب الأطلنطي وقتما شاءت.
برامج التسليح الأوروبية
بريطانيا: تعد لإدخال حاملتي طائراتها الجديدة ( الملكة إليزابيث HMS Queen Elizabeth وأمير ويلز (HMS Prince of Wales الخدمة خلال السنوات الست القادمة، و6 مدمرات من فئة 45 (دخلت الخدمة)، و7 غواصات هجومية نووية من فئة (استيوت(Astute، إضافة إلى إقرار البرلمان مؤخرًا بناء 4 غواصات حاملة لصواريخ نووية عابرة للقارات، لتحل محل منظومة ترايدنت المتقادمة .
فرنسا: تدخل للخدمة غواصاتها الهجومية من فئة (باركودا Barracuda)، إضافة إلى غواصاتها النووية الحاملة للصواريخ النووية من فئة (تريومبنت (Triompant، وحاملة طائراتها النووية (تشارلز ديغول) تشارك مع التحالف الدولي لمحاربة داعش، وفرقاطاتها المتفوقة من فئة (فريم (Fremm و3 سفن سطح قتالية حاملة للمروحيات من فئة (ميسترالMistral ).
كاتب ومحلل سياسي بحريني*
@aj_jobs
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر