سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
بالرغم من الأزمة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، منذ احتلال فلسطين، والإعلان عن تأسيس إسرائيل أواخر النصف الأول من القرن العشرين، فإن جوهر الأزمة التي يعيشها العالم العربي في هذا السياق، يكمن في الطعنات التي توجهها دولة عضو في المنظومة العربية والخليجية، حيث تهرول إلى نسج علاقات مع كل من يهدد الأمن القومي العربي، ألا وهي قطر. فما بين إسرائيل وإيران راحت الدوحة تلهث لتبني واحدًا من أسوأ النماذج الطاعنة في جسد الأمن القومي العربي بشكل عام.
في هذا السياق، يأتي كتاب الدبلوماسي الإسرائيلي، سامي ريفيل، بعنوان “قطر وإسرائيل.. ملف العلاقات السرية” ليكشف عن الكثير من التفاصيل التي حملت بين ثناياها أمورًا تفضح النظام القطري منذ بدايته؛ إذ تزامنت محاولات توسيع العلاقات الإسرائيلية القطري مع وصول الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى سدة الحكم، ولا سيَّما مع توقيع اتفاقية الدفاع المشترك مع الولايات المتحدة، والسماح لها بإقامة قواعد عسكرية لتوفير الحماية للإمارة التي بات يشعر أميرها بخطر من جيرانه نتيجة تقربه المفرط من إسرائيل وإيران.
تنبع أهمية هذا الكتاب من الخبرة العملية لمؤلفه، الذي يعد واحدًا ممن كان لهم باع طويل في دفع التطبيق بين إسرائيل والعديد من الدول العربية، وكان أول دبلوماسي إسرائيلي يعمل في قطر، حيث كان رئيس أول مكتب لتمثيل المصالح الإسرائيلية في الدوحة خلال الفترة من عام 1991 إلى عام 1999، وعمل في مكتب مدير عام وزارة الخارجية، ضمن فريق كانت مهمته دفع علاقات التطبيع الرسمية الأولى بين إسرائيل والعالم العربي بأسره. المؤلف هو رئيس قسم العلاقات الإسرائيلية مع الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو بوزارة الخارجية الإسرائيلية، ويعمل حاليًا مفوضًا بسفارة إسرائيل في العاصمة الفرنسية باريس. ومن ثَمَّ، فإن الكتاب يكشف أسرار وتحولات مسيرة العلاقات التي نشأت بين قطر وإسرائيل؛ حيث كان من بينها التأكيد على ارتباط صعود أمير قطر الحالي للحكم، عبر الانقلاب على والده، بتوطيد العلاقات القطرية الإسرائيلية.
وبحسب الكتاب، فقد أقامت قطر علاقات رسمية مع إسرائيل عام 1996، وسمحت بفتح مكتب لتمثيل المصالح الإسرائيلية على أراضيها، وفي نفس الوقت وطدت علاقاتها مع إيران التي تقاسمها الحدود البحرية وحقول الغاز الواقعة تحت الأرض. كما وطدت علاقاتها مع النظام السوري، ومنظمات إسلامية متطرفة، مثل: حركة حماس وحزب الله. وقد عبرت هذه السياسة الاستثنائية عن نفسها عبر البرامج المثيرة للجدل التي تبثها قناة “الجزيرة” الفضائية التي أنشئت بمبادرة من حكام إمارة قطر وبتمويل منهم، فلفتت الكثير من الانتباه إلى ما يحدث في قطر.
مسيرة العلاقات الإسرائيلية القطرية، بما لها من تأثيرات عميقة على منظومة الأمن القومي العربي بشكل عام، والخليجي بشكل خاص، تأثرت بما كانت تمر به قطر من تغيرات داخلية في أعقاب التحول الاجتماعي الذي سعى نظام “حمد” إليه بعد أن تمكن من السيطرة على السلطة منقلبًا على والده؛ فقد كانت قطر خلال تلك المرحلة في ذروة تغير داخلي بعيد المدى، جذب انتباه الرأي العام الدولي. ففي يونيو، وقع انقلاب في قصر الحكم، حيث أطاح حمد بن خليفة آل ثاني بوالده من سدة الحكم، واستولى على منصبه كحاكم للدولة. هذا الانقلاب الذي يضاف إلى سلسلة طويلة من الانقلابات الداخلية التي وقعت خلال القرن العشرين داخل العائلة الحاكمة المتمثلة في قبيلة آل ثاني، جاء ليبشر بتحول ذي مغزى في سياسة قطر.
تمَّ استشعار هذا التحول بسرعة داخل قطر، عندما قام أمير قطر الجديد والمقربون منه، بعدة إجراءات لتحقيق الإصلاح الداخلي، فور استقرار الحكم. وكان هدف هذه الإجراءات التدريبية والحذرة، هو وضع نهاية لفترة طويلة من المراوحة في المكان، ووضع قطر على طريق التقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
ومن ثَمَّ، فقد بدأت التطورات الهامة في العلاقات بين إسرائيل وقطر في نفس الفترة الزمنية التاريخية التي تلاقت فيها الأحداث العاصفة في إسرائيل ومحيطها مع التغيرات الدراماتيكية التي شهدتها سياسة قطر في أعقاب صعود الأمير الجديد للحكم. وتميزت تلك الفترة بدرجة كبيرة من الشعور بالمبالغة والتهويل في كل شيء، بما في ذلك المأمول من العلاقات مع قطر. وهو ما بدا واضحًا في تصريحات حكومة قطر، وفي دوائر رجال الأعمال والإعلام، وفي الحديث عن صفقات بيع النفط لإسرائيل، وعلى إمكانية مشاركة الصناعة البتروكيماوية الإسرائيلية في مشروعات كبيرة تمَّ التخطيط لها في قطر، وعن إقامة مزارع مشتركة لزراعة المحاصيل في أجواء صحراوية، وعن إجراء أبحاث مشتركة في مجال تحلية المياه، وعن مشروعات في مجال الطيران والسياحة مع شركة الخطوط الجوية القطرية، وفوق ذلك في الحديث عن إقامة مشروعات الغاز الطبيعي المسال بين قطر وإسرائيل والأردن، الذي قدّرت تكلفته بأكثر من 5 مليارات دولار.
لم تقتصر العلاقات الإسرائيلية القطرية على الجانب الاقتصادي فحسب، بل اتسعت لتشمل كافة أشكال العلاقات ومستوياتها، وهو ما عززه واقع العلاقات بين الدوحة وتل أبيب على مدار العقدين الأخيرين. فعلى الصعيد الدبلوماسي جرت اتصالات مكثفة مع كبار المسؤولين القطريين، ويمكن الإشارة إلى ذلك بلقاء وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، مع نظيره الإسرائيلي إيهود بارك، في مؤتمر الدول المانحة للفلسطينيين في باريس في يناير 1996. وكان هناك لقاءات أخرى مع صناع القرار القطري ومستشاريهم المقربين في الشهور التالية لذلك. وبعد هذه اللقاءات جاء الحديث عن الخطوة التالية، وهي إقامة العلاقات والفتح المتبادل لمكاتب تمثيل المصالح. لكن قطر تعرضت لضغوط هائلة من الدول المجاورة في قلب الخليج العربي، مثل المملكة العربية السعودية؛ لذلك كان من الضروري انتظار التوقيت المناسب لاتخاذ القرار لدى القطريين حين تتهيأ – من وجهة نظرهم – الظروف التي تتيح لهم تجاوز الخطوط السياسية واتخاذ خطوة كان من المتوقع أن تضع قطر في قلب العاصمة.
بالرغم من أهمية الكتاب، التي ترتبط بالكاتب وخبراته العملية باعتباره دبلوماسيًا إسرائيليًا ومشاركًا في عملية صنع القرار، فإن ما تمَّ الكشف عنه من وثائق يؤكد ما جاء بالكتاب ويضفي المزيد على أهميته؛ وهو ما يفرض على القارئ العربي ضرورة متابعته من أجل إدراك شامل لحجم المؤامرة التي تشترك الدوحة في نسج خيوطها بغية مواجهة واعية وجادة لأبعاد تلك المؤامرة. فقد أفصحت التسريبات الصادرة عن موقع “ويكيليكس” أخيرًا، عن الكثير من الوثائق التي تؤكد ما جاء بالكتاب، فضلاً عن ذلك، فإن تقريرًا نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت”، يكشف عن الاختراق الإيراني والإسرائيلي للدوحة، حيث ذكر التقرير المشار إليه أن السفن الإيرانية اخترقت المقاطعة الخليجية لقطر، محملة بالمواد الغذائية التي ملأت رفوف المتاجر، لكن أوراق العملة الأجنبية نفدت في البنوك.
الكتاب يفتح الباب على مصراعيه للبحث في عمق العلاقات بين إسرائيل وقطر، ودور تلك العلاقات فيما آلت إليه الأوضاع المتردية التي باتت عليها منظومة الأمن القومي العربي.
معلومات الكتاب
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر