سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
لطيف جابالله
وصلت الحبيبات البلاستيكية إلى الغيوم وقريبا تمطر مزيدا من الأكياس والأكواب والأواني والأدوات وتغرق أرضنا ونغرق معها في طوفان من القمامة نعجز عن السباحة فيه.
بعد أن وصلت هذه الحبيبات إلى طعامنا حتى صار الناس يتناولون ما يعادل بطاقة ائتمان أسبوعيا من البلاستيك دون أن يستطيع الجسم التخلص منها خاصة بعد ما جرت في دمنا وصارت تترسب حيثما تريد، وصار العلماء لا يستغربون وصولها إلى الجنين في بطن أمه، هم أجروا تجارب مخبرية وتوصلوا إلى نتائج مقنعة لهم مفادها أن هذه الحبيبات يمكن أن تصل أولا إلى رئة الأمهات لتنتقل سريعا عبر الدم إلى القلب والمخ وباقي أعضاء الجسم لدى الأجنة ثم نكبر بها.
من يدري ربما نستطيع أن نبني عضلات من البلاستيك لا تترهل لنصبح كائنات بلاستيكية جديدة بجسم قوي نكسوه بملابس من البلاستيك أيضا لكنها بتصاميم تواكب الموضة وننافس به في البطولات الرياضية ونجري به في الملاعب وراء كرة بلاستيكية لنصل بها إلى شباك أو مرمى من نفس المادة.
نحن الآن نؤثث بيوتنا بصالونات وتلفزيونات من البلاستيك ونزينها بورد اصطناعي ونستمتع برفاهية لم يعرفها أجدادنا الذين اتكؤوا على جذوع الأشجار وافترشوا حصائر من الحلفاء وسعف النخيل والخيزران وأكلوا طعامهم البسيط في أوان خشبية، فكان طعاما صحيا لذيذا وعاشوا طويلا دون أن يؤذوا أمهم الأرض التي كانت لا تبخل عليهم بشيء، وكانوا لا يأخذون إلا ما تجود به بقناعة.
لو بحثنا عن مصدر “الثورة البلاستيكية” كيف دخلت عالمنا وكيف انتشرت وتسارعت، فسنجد أنها أتت مما تفتق عنه غباؤنا الإنساني الذي يرفع شعار “من بعدك يا حماري نشالله ما ينبت حشيش”.
أنا أسأل الآن كيف سيواجه هذا الحمار الذي أكل كلّ الحشيش الربوتات التي تطورت وتنوعت في أحجامها وصارت قادرة على الفسحة في أجسادنا دون أن تقلقنا أو تؤلمنا.
الربوتات التي أبدعها العقل البشري وسماها بالذكاء الاصطناعي أثارت الرعب في من يفكر فقط في حماره، فهل نتوقع حربا ضروسا بين الذكاء والغباء طويلة المدى؟ أم تتوقف بعد زمن على صلح واتفاق بينهما حول المصالح المشتركة؟
برأيي ستكون الغلبة نظريا للذكاء الذي صنع ربوتات تداوي وتعمل وتطبخ وترعى الإنسان والحيوان بل ربما نراها قريبا بمشاعر فياضة ولا نستغرب أن تتزوج وتنجب من سلالتها الكثير، لكن هل سينهزم وينسحب الغباء فينا؟
المعركة ستكون طويلة المدى لذلك من السابق لأوانه التنبؤ بمن سينتصر على أرض الواقع، والحال أن الذكاء سيكون مفيدا وسيطرد الحبيبات البلاستيكية من على الأرض ومن أجسامنا لنتعافى كلنا، لكن هذا لن يتم إلا إذا تدخل شيخ الحكمة وسيدها: الوعي.
المصدر: العرب
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر